أولمرت والرهان على تجاوز فينوغراد
بقلم : محمد أبو شريفة
إنه أخطر تقرير تصدره لجنة تحقيق حكومية ـ قضائية في تاريخ الدولة العبرية، ويعد بمثابة الزلزال الذي ضرب الدهاليز الداخلية الإسرائيلية وكشف تحولاتها ووضعها في مأزق حقيقي لا مناص منه وخصوصاً بعد أن سادت لغة امتلاك القوة في إسرائيل، والتي ستمكنها من تحقيق النصر في مواجهة حزب الله، ومواجهة عموم المنطقة.
العدوان الإسرائيلي صيف 2006 على لبنان أفرز تداعيات داخلية عدة أبرزها البحث عن مسؤولية فشل إسرائيل وتورطها في مستنقع هذه الحرب ووجهت أصابع الاتهام إلى قادة المستويين السياسي والعسكري في آن واحد.
وبالرغم من الاتهامات المباشرة التي وجهت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وحملته المسؤولية بشكل صريح على أسلوب إدارته للعدوان الأخير على لبنان، إلا أنه يجري في هذه الأيام الحديث عن توقعات بتأجيل لجنة فينوغراد لتقريرها بداية العام 2008، مما سيمنح المزيد من الوقت الذي يصب في مصلحة الأطراف المعنية في هذا التقرير.
عمل اللجنة باهت
في واقع الحال كانت هناك على الدوام ضجة إعلامية مبالغ فيها حول توقع حصول زلزال سياسي في إسرائيل جراء نشر تقرير فينوغراد.
فلم يسبق أن أدت تقارير مشابهة إلى حصول تغير حكومي مفاجئ كما لا يوجد في القانون الإسرائيلي ما يحدد فترة عمل لجان التحقيق الرسمية فمثلاً «لجنة أور» التي حققت في تشرين الأول (أكتوبر) في العام 2000 والتي تشكلت إثر قيام الشرطة الإسرائلية بقتل 13 شاباً من فلسطين الـ48 خلال مظاهرات احتجاج على العدوان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وحين بدأت لجنة فينوغراد عملها، جرى الحديث عن أنها ستقدم تقريرها المرحلي نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الماضي ثم الشهر الذي يليه، ولكن في نهاية المطاف صدر التقرير نهاية شهر نيسان (أبريل) بعد أكثر من ستة أشهر من بدء عمل اللجنة.
وتتعالى الأصوات الإسرائيلية الناقدة للجنة فينوغراد، فقد وجه ألوف بن المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس» انتقادات حادة للجنة ويقول: لقد كانت هناك فرصة للجنة لإقالة أولمرت من خلال التقرير المرحلي، وقد أضاعت هذه الفرصة.
وتوقع الرأي العام في إسرائيل إقالة من هذا النوع حين كانت لا تزال الحرب تقف على رأس أولويات جدول الأعمال فالاستنتاجات في التقرير المرحلي كانت رهيبة جداً، فشل مضاعف ولكن اللجنة فشلت.
أما المحلل السياسي الإسرائيلي عوزي بنزيمان يرى في المقابل أن لجنة فينوغراد أعلنت أن عملها قد يطول، وحسب التقديرات فقد تصدر تقريرها في النصف الأول من العام 2008، وهذا يخلق فجوة كبيرة جداً بينها وبين الجمهور وهذا أيضاً ناجم عن التناقض الحاصل بين الاستنتاجات الخطيرة في التقرير المرحلي، الذي نشر في نيسان (أبريل) الماضي وبين امتناع اللجنة عن التوصية بشكل واضح باستقالة المعنيين من مناصبهم.
ويضيف بنزيمان أن قرار اللجنة في تأجيلها لصدور تقريرها يعطي فرصة للمتضررين من التقرير أن يدافعوا عن أنفسهم بينما أمنية الجمهور أن يعرف الاستنتاجات النهائية في وقت معقول، وهذا على ما يبدو لن يتحقق.
نصر تكتيكي لأولمرت
قد يكون رئيس الحكومة إيهود أولمرت نجح في اجتياز شبح هذه الأزمة، وضمان عدة أشهر أضافية لحكومته ولبقائه على كرسي الرئاسة.
هذا إذا لم ينجح أصلاً بالوصول إلى الموعد القانوني لولاية هذه الحكومة خريف العام 2010.
ولكن ما يذكر في هذا المجال أن ما جرى في قضية لجنة فينوغراد وتقريرها «المصيري» لأولمرت وقادة الجيش والحكومة ما هو إلا تأجيل للأزمة المرتقبة التي ستنشأ مع صدور التقرير النهائي.
بعد أن استبعدت الغالبية صدوره في شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم، وهناك من يتوقع صدوره في النصف الأول من العام القادم.
وظهرت هذه القضية في أعقاب مطالب أولمرت ومسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين الحصول على نسخ من الشهادات التي تم الإدلاء بها أمام اللجنة مما يعد انتصاراً تكتيكياً لأولمرت بعد أن اضطرت اللجنة، وتحت ضغط محكمة العدل العليا إلى السماح للأشخاص الذين من المتوقع أن يتضرروا من تقريرها النهائي بإعادة الاستماع إلى وجهة نظرهم أمام اللجنة، وإرسال رسائل تحذيرية مسبقة لهم من أجل الاستعداد للدفاع عن أنفسهم والسماح لهم بالإطلاع على الأدلة التجريبية وإعطائهم حق الطعن باستنتاجات اللجنة بحقهم.
ويراهن أولمرت على إمكانية ومواجهة هذا التقرير من خلال إثبات وجهة نظره بأن إسرائيل انتصرت في هذه الحرب.
ففي أيار (مايو) الماضي استبق أولمرت صدور التقرير بتصريح إذاعي لـ«صوت إسرائيل» قال فيه إن كل القرارات الجوهرية التي اتخذها في العدوان على لبنان كانت صائبة وأنه ينوي التمسك بمنصبه وتبرر ذلك بالقول: «لولا هذا القتال في صيف 2006 حيث اكتشفنا الإخفاقات والعيوب، لكان علينا أن ندفع في المستقبل ثمناً أكبر» ويرى أن الحكمة تكمن في استخلاص الدروس من الإخفاقات وليس الانشغال بجلد الذات وتسييس المؤسسة الأمنية وفي يوم الذكرى السنوية الأولى كان خطابه يتركز على نقطة واحدة فقط وهي «الانتصار» في الحرب وهذا ما يثبته، كما يعتقد، الهدوء على الحدود مع لبنان.
ومن جهة أخرى فإن إسرائيل تسعى في هذه الأيام إلى استعادة قوة الردع التي تضررت بالحرب بإعادة تنظيم الجيش في ظل وزير الدفاع ورئيس الأركان الأسبق إيهود باراك في محاولة لإعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي من خلال الحديث عن الاستعداد للحرب القادمة التي قد تقع في مواجهة سوريا أو لبنان أو إيران.
مناخات السياسة الداخلية
على الرغم من حالة الترقب للتقرير النهائي تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد في إسرائيل اليوم أزمة حكم والتخوف من سقوط الحكومة برئاسة أولمرت بل على العكس فهي تحظى بائتلاف متماسك بسيط على ثلثي مقاعد الكنيست تقريباً (78 نائباً من أصل 120 نائباً) لكن من الملاحظ أن توجه الشارع الإسرائيلي يتجه نحو المزيد من التطرف فمن الطبيعي جداً أن تعلو نبرة الأصوات الإسرائيلية في الحكومة والمطالبة بشن الحرب على لبنان وسوريا وذلك للتغطية على الأداء السياسي لحكومة أولمرت.
ومن الواضح أن الشارع الإسرائيلي يميل في هذه الأجواء إلى أحزاب اليمين.
وفي حال أصدرت لجنة فينوغراد تقريرها النهائي كما هو مفترض قبل نهاية العام الجاري، فإن الفترة المقبلة ستكون حاسمة لمصير قادة السياسة في إسرائيل وعلى رأسهم أولمرت ولربما الكنيست أيضاً رغم أن احتمال التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة، وقبل أكثر من عامين من موعدها، الرسمي يبقى الآن أمراً مستبعداً بحسب طبيعة المرحلة الحالية، وعدم رغبة غالبية أعضاء الكنيست بالتوجه إلى انتخابات مبكرة.
لقد أعلن أولمرت تكراراً أنه لا يرى نفسه مستقيلاً من الحكومة تحت أي ضغط.
لا بل أعلن أنه سيقود حزب «كديما» في الانتخابات البرلمانية القادمة وأنه واثق من تحقيق الفوز.#
المصدر
- مقال:أولمرت والرهان على تجاوز فينوغرادالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات