أوضاع المنطقة في حوار مع الغزالي
[02-08-2004]
محتويات
مقدمة
- الوحدة الفلسطينية من الثوابت والسلطة مطالبة بالشفافية
- لجنة الحريات الأمريكية أداة لابتزاز الأنظمة والشعوب
- لا ينبغي أن نسكت على تكرار سيناريو العراق في دارفور
- مطلوب من الأنظمة عقد مصالحة حقيقية مع شعوبها
حوار: محمد الشريف
أحداث ساخنة عاشتها المنطقة العربية والإسلامية مؤخرًا، يأتي في مقدمتها ما شهدته الساحة الفلسطينية مؤخرًا من أزمة تكاد تعصف بوحدة الصف الفلسطيني، والجبهة الداخلية، إضافةً إلى الخطر الذي يحدق بالسودان الشقيق عبر المحاولة السافرة للتذرع بما يحدث في دارفور، وزيارة لجنة التفتيش التي سُمِّيت بلجنة الحريات الدينية الأمريكية مصر، وبعض دول المنطقة، مستثنيةً الكيان الصهيوني من ذلك، وأخيرًا: ضرورة الإصلاح الداخلي حتى لا يجد المغرضون ثغرة، أو ذريعة للتدخل في شئوننا الداخلية.
هذا ما يتناوله الدكتور عبد الحميد الغزالي- القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، والأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في هذا الحوار الذي أجراه معه موقع: (إخوان أون لاين)، حول آخر المستجدات، فماذا قال؟
الوحدة الفلسطينية فريضة
- تشهد الساحة اليوم تطورًا خطيرًا يهدد بأن يعصف بإنجازات المقاومة ويهدد الأمن الداخلي الفلسطيني.. فمَن المستفيد من هذه الاضطرابات في تقديرك؟
- لا شك أن ما حدث في الأراضي الفلسطينية، خاصةً في غزة أمر محزن وخطير ولا يخدم أحدًا سوى العدو الصهيوني، فالوحدة الفلسطينية من ثوابت القضية، ولا يمكن بأي حال تجاوزها أو التخلي عنها، فهي نتاج كفاح أكثر من نصف قرن، كما أنها أمر فطري يحرص جميع المقاومين الفلسطينيين عليه وعلى تدعيمه، ومن ثم يتعين على الفصائل الفلسطينية كافة، وبالذات المناضل منها، وأيضًا على السلطة، أن يعمل الجميع لتدعيم هذه الوحدة، من أجل القضاء الحاسم والعاجل على هذه الأحداث المؤسفة، التي تصب مباشرة في صالح العدو، وتضيف إلى عربدته الآثمة وقودًا جديدًا يزيد بالقطع من جروح وآلام الشعب الفلسطيني.
- البعض يرى أن الفساد داخل السلطة كان السبب الرئيس لهذه القلاقل؟
- لا شك أن دور السلطة الفلسطينية محوري بالنسبة للقضاء على هذه الفتنة، ويتمثل بالأساس في ضرورة الشفافية الكاملة والمحاربة الباترة لكل صور الفساد التي ظهرت، أو يمكن أن تظهر في صفوفها، تنقيةً للنضال الفلسطيني، وتبرئةً لهذا النضال من أي شائبة تعلق به، وذلك حتى يتفرغ الجميع للمجابهة الضرورية لهذا العدوان المستمر الآثم الغاشم على كل مظاهر الحياة الفلسطينية من قبل عدو لا يعترف بقانون أو شرعية أو عرف أو دين.
- ولا شك أن أهل مكة أدرى بشعابها، ومن ثم يتعين على الفصائل كافة أن تجتمع على قلب رجل واحد لدراسة الوضع الراهن، ووضع الحلول الكفيلة بأن لا يتكرر ثانية، ولن يتم ذلك إلا إذا كان هناك مشاركة فاعلة لأطراف الشأن الفلسطيني كافة.
لجنة للابتزاز
- يرى البعض أن لجنة الحريات الدينية التي زارت مصر مؤخرًا لجنة أهلية يمكن التعاون معها.. فكيف ترون وضع هذه اللجنة؟
- لا شك أن لجنة الحريات الدينية هذه أداة من أدوات الإدارة الأمريكية التي تستخدمها للضغط على الأنظمة والشعوب التي تريد أن توجهها وفق سياستها حيال المنطقة بخاصة والعالم برمته والمتمثلة في فرض قصري للهيمنة الأمريكية والسيطرة على ثروات الدول الأخرى ومقدراتها، ومن هنا فنحن في الإخوان المسلمين نرفض بشدة وجود هذه اللجنة شكلاً ومضمونًا، وندعو الأنظمة والمؤسسات الأهلية والمدنية إلى عدم التعامل معها، لأننا- كمثال في مصر بل في منطقتنا العربية والإسلامية- لا نعرف ما تدعيه هذه اللجنة وما جاءت للتحقق منه وهو الاضطهاد الديني، أو اضطهاد الأقليات، فديننا يحرم تحريمًا قطعيًا مثل هذه الممارسات التي قد تحدث في ثقافات أو حضارات أخرى، وعليه فهذا الإرهاب الأمريكي في صورة حملات تفتيش على الدول مرفوض من الكافة في منطقتنا، وأمر شديد الغرابة لأنه يصطدم مع ثوابت ديننا السمح، الذي يدعو إلى الحرية والمساواة حتى في المسائل العقائدية.
الفساد وغياب الشفافية
- هل تتفق مع رأي الكثيرين بأن الأوضاع الداخلية التي تتسم بالفساد وغياب الشفافية هي المسئول الرئيس عن إتاحة الفرصة للمغرضين للتدخل في الشأن الداخلي؟
- إن أحد أهم ما تدعيه هذه اللجنة أنها تعمل على المسح الميداني للواقع كبداية لما تدعيه الإدارة الأمريكية من إصلاحات تراها ضرورية في دول المنطقة كجزء من حربها غير المشروعة ضد ما يُسمى بالإرهاب، ولقد رفضت الشعوب العربية والإسلامية أي مبادرات للإصلاح تأتي من الخارج، وفي الوقت ذاته، أكدت ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في المجالات المختلفة، وكمدخل في المجال السياسي حتى تستطيع دول هذه المنطقة أن تقف أمام الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من قبل أعدائها وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية.
- ومن هنا نؤكد أنه لا مخرج أمام أنظمتنا إلا بعقد مصالحة حقيقية بينها وبين شعوبها وفقًا لهويتها الإسلامية كمدخل ضروري لإجراء إصلاحات جذرية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- وعليه فإن هذه اللجنة فشلت فشلاً ذريعًا في تحقيق أي هدف من أهدافها فبدلاً من أن تعالج الفجوة في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأنظمة وشعوب هذه المنطقة زادت هذه الفجوة اتساعًا، بل أدت إلى مزيد من صناعة الكراهية لهذه الإدارة اليمينية الأمريكية المتصهينة.
سيناريو دارفور

- دارفور على أبواب العدوان الخارجي عليها، فهل تُعتبر محاولات التدخل السافر الأمريكي في السودان حلقة جديدة من حلقات محاولات تفتيت العالم العربي والإسلامي؟
- ما يحدث في دارفور يشكل حلقة من حلقات الصلف الأمريكي والأوروبي تجاه دولنا، الذي يستند على تصور غير مشروع في التدخل في شئون دول هذه المنطقة بغض النظر عن أنها دول مستقلة وذات سيادة.. فبالرغم من تكرار وتأكيد السلطات السودانية أنها في سبيلها لحل مشكلة دارفور ونزع الأسلحة من مجموعات الجنجويد وأنها لا تحتاج إلا لبعض الوقت لكي تتم مهمتها، ويعود أهالي دارفور إلى مدنهم وقراهم، وبالفعل عاد الآلاف طواعية إلى مساكنهم، لكن الإدارة الأمريكية وحليفتها المملكة المتحدة، أو بالأحرى الحكومة البريطانية، ما زالتا لا تعترفان بهذا الوجود، ويصعدان الأمر، كأننا أمام سيناريو مماثل تمامًا للسيناريو العراقي وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل.
- بل نجحت الإدارة الأمريكية في الضغط على المؤسسة الدولية ومجلس أمنها بإصدار قرار يشكل إنذارًا للحكومة السودانية بأن تعالج بسرعة مناسبة مشكلة دارفور! بل تحاول الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن تستصدر من المؤسسة الدولية قرارًا بالتدخل العسكري المباشر، ولقد أعلنت الحكومة السودانية التعبئة العامة تحسبًا لهذه الاحتمالات غير المشروعة ورفضًا للتهديد بها، وهنا يتعين على الأمة العربية والإسلامية ألا تكرر مأساة العراق، أو أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الأحداث.
- بل الأدهى والأمر ألا تشارك بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مثل هذه التهديدات، كما أجبرت أو اضطرت إلى ذلك في الشأن العراقي.
- مصر أكثر دول الجوار تضررًا من أي عدوان على السودان، فما الدور المصري المطلوب لوقف الهجمة الأنجلو أمريكية على السودان؟
- لا شك أن دور مصر يعد محوريًا في هذه الأحداث، ذلك أن السودان ليس دولة جوار شقيقة فقط، وإنما يمثل عمقًا إستراتيجيًا لمصر بجانب الاشتراك في شريان الحياة للدولتين، وهو نهر النيل، وبالتالي فأمن السودان أمن لمصر، بجانب أن أمن هذا الجزء من المنطقة يشكل أمنًا للأمة العربية والإسلامية، وعليه يتعين على مصر أن تكون متيقظة تمامًا لأي مخططات تهدف إلى تهديد وحدة التراب السوداني، ولا يجب أن نستبعد المخططات الصهيونية في أفريقيا عامة في دول حوض النيل على وجه الخصوص، وذلك للضغط على مصر بالنسبة لمياه النيل، بل إن ما أُثير مؤخرًا من بعض الجهات بضرورة إعادة النظر في اتفاقية مياه النيل 1959م يشير إلى جدية هذه المخاوف، وعليه يتعين أن نكون- أنظمةً وشعوبًا - متيقظين تمامًا لهذه المخططات، أو بمعنى أدق هذه المؤامرات.
المصدر
- حوار: أوضاع المنطقة في حوار مع الغزالي موقع اخوان اون لاين