أهداف صهيونية و أمريكية خبيثة من وراء الدعوة لحلّ التنظيمات الإسلامية المجاهدة
بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
ما إن أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن تعليقها العمليات الجهادية لمدة ثلاثة أشهر حتى ارتفعت أصوات الأمريكان و الصهاينة قائلين إن هذا لا يكفي و مطالبين بحلّ التنظيمات الإسلامية المجاهدة و نزع أسلحتها ، إن مثل هذه الدعوات لها أهداف خبيثة و خطيرة منها:
هذه التصريحات لا تعني أنها ترمي فعلاً إلى حلّ التنظيمات الإسلامية المجاهدة و نزع أسلحتها بقدر ما تهدف إلى التهرّب من التزامات كانت في حينه مجرد ضحك على الذقون ، فالذين يطالبون بحل التنظيمات الإسلامية المجاهدة هم أول من يدرك و يؤمن أن هذا الطلب غير قابل للتنفيذ و هو طلب تعجيزي لا أكثر و لا أقل ، فالعدو الصهيوني كان يحتل الضفة و قطاع غزة قبل مجيء السلطة التي أفرزتها أوسلو احتلالاً مباشراً ، و لقد مارس كل أشكال الإرهاب من اعتقال و اغتيال و نفي كما فعل في ديسمبر 1992 عندما نفى الآلاف من مؤيدي الحركة الإسلامي إلى مرج الزهور ، ففي ليلة واحدة تم إبعاد 416 من قادة و كوادر الحركات الإسلامية إلى مرج الزهور ، كما تم في نفس الليلة اعتقال ما يقارب 1500 من عناصر و مؤيدي حماس ، و لقد زعم اليهود يومها أنهم قضوا على حركة حماس قضاء مبرماً ، فماذا كانت النتيجة ؟ لقد قويت شوكة حركة حماس ، و تضاعف نفوذها ، و ازدادت ضرباتها قوة ،
و بدأت باستخدام سلاحها الرادع و هو العمليات الاستشهادية التي زلزلت أركان العدو ، فإذا كان العدو الذي جرّب كل أشكال القمع و الإرهاب و هو الذي يملك القوة و العتاد فشل فشلاً ذريعاً في حلّ التنظيمات الإسلامية و نزع أسلحتها فهل يعقل أن تنجح السلطة الفلسطينية التي لا تملك سيادة على شبر من الأرض في تنفيذ هذه المهمة ، و هل يصدّق أحد أن السلطة الفلسطينية قادرة على تحقيق ما عجز عن تحقيقه "شارون" في الضفة الغربية و قد احتلها من جديد احتلالاً مباشراً كما كان الحال قبل مجيء السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو ، أعتقد أن أحداً لا يمكنه أن يصدّق ذلك ، كما أننا نذكر أنه في عام 1988 تمكّن العدو الصهيوني من اعتقال جميع القيادة المؤسسة لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، و لكنه فشل في تحقيق هدفه الذي يتمنّاه و هو حلّ التنظيم و نزع أسلحته ، من هنا ندرك أن الهدف من وراء هذه الدعوة هو التهرّب من تصريحات سابقة ظنّها البعض في حينه أنها التزامات أمريكية و صهيونية بإقامة دولة فلسطينية ، فعندما يرهن الأمريكان و الصهاينة قيام الدولة الفلسطينية بتحقيق شرط غير قابل للتحقيق إنما بذلك يريدون النكوص على أعقابهم من تصريحات "بوش" و زمرة البيت الأبيض التي وعدوا بها العرب قبل قيام أمريكا بضرب العراق بقيام دولة فلسطينية .
كما أن لهذه التصريحات هدفاً خبيثاً و خطيراً و مدمّراً ، ففي الوقت الذي يدرك فيه كلّ من الأمريكان و الصهاينة أن السلطة الفلسطينية لا يمكنها حل التنظيمات المجاهدة فهم إذن يهدفون إلى خلق توتر فلسطيني فلسطيني من شأنه أن يحقّق للاحتلال الصهيوني الأمن و الاستقرار على حساب أمن و استقرار و رفاهية الشعب الفلسطيني ، و هذا الهدف الصهيوني الخبيث كان أحد إبداعات العقلية الصهيونية الإرهابية في مواجهة الخصوم من المسلمين و المسيحيين كما جاء في أحد بنود "برتوكولات حكماء صهيون" الشهيرة ،
و لقد أدرك الصهاينة أن الحركة الإسلامية عندما أعلنت تعليق العمليات إنما فعلت ذلك حتى تفوّت الفرصة على الضغوط الأمريكية و الصهيونية الرامية إلى خلق توتر فلسطيني داخلي ، فلما رأوا أن الحركة عرفت كيف تلقي بالقفاز في وجوههم أخذوا يضغطون باتجاه جمع الأسلحة و حلّ التنظيمات الإسلامية المجاهدة ، و من هنا جاء البيان المشترك من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي الذي يهدّد بإلغاء تعليق المقاومة إذا ما استجابت السلطة للمطالب الصهيونية و الأمريكية و قامت بملاحقة المجاهدين و نزع أسلحتهم ، و هذا البيان يعني باختصار أن الحركتين عندما علّقتا العمليات العسكرية لمدة ثلاثة أشهر إنما فعلتا ذلك من أجل حماية وحدة الشارع الفلسطيني ، فإن قامت السلطة الفلسطينية بضرب وحدة الشارع الفلسطيني من خلال الاستجابة لما تطالب به أمريكا و الكيان الصهيوني فعلينا إذن أن نوجّه المعركة وجهتها الصحيحة باتجاه ضرب العدو الصهيوني حماية لوحدتنا الوطنية ، كما أن الصهاينة بتحريضهم على جمع الأسلحة و حلّ التنظيمات الإسلامية المجاهدة يكونون قد نسفوا الهدنة ، فالتحريض شكلٌ من أشكال العدوان .
كما أن هذه التصريحات الخبيثة تهدف إلى تبرئة الجانب الصهيوني من كونه هو السبب الأول و الأخير بما يجري في فلسطين من سفك للدماء ، و ذلك لأنه يغتصب فلسطين منذ عام 1948 و هي أرض إسلامية من بحرها إلى نهرها و فيها مسرى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أنه تحقيق احتلاله لفلسطين قتل عشرات الآلاف من أطفالنا و نسائنا و شيوخنا و شبابنا و دمّر حياتنا بطريقة إفسادية لا يعرف التاريخ في أسوأ حقبه لها مثيلاً ، إن المطالبة بحلّ التنظيمات المجاهدة و جمع أسلحتها يخلق في أذهان المستمعين لهذه التصريحات انطباعاً خاطئاً أن الشعب الفلسطيني هو المتسبب بكل ما يجري ، و يبقى تحقيق هذا الهدف أمراً صعباً ما لم تستجب السلطة الفلسطينية للمطالب الصهيونية و الأمريكية بتنفيذ هذه المهمة كما استجابت من قبل لضغوط مماثلة فاتهمت نضال و جهاد شعب فلسطين و وصمته بالإرهاب .
و من أهداف هذه المطالب الخبيثة خلق الذرائع و المبررات لمواصلة الحملة الإرهابية التي يقوم بها الصهاينة ضد أبناء فلسطين ، و إضفاء الشرعية على الإرهاب الصهيوني المتمثل بإهلاك الحرث و النسل .
و من الأهداف أيضاً محاولة العدو الصهيوني الخروج من دائرة الشعور بالهزيمة ، و هو شعور قاتل حاول "يعلون" أن يفرّ منه عندما أعلن النصر على المقاومة بعد إعلان تعليق العمليات العسكرية من قبل حماس و الجهاد الإسلامي ، و لكن سرعان ما سفّه أحلامه استطلاع الرأي للشارع الصهيوني الذي قال 73 % منه إن الصهاينة لم ينتصروا ، بينما قال 33 % أن المقاومة الفلسطينية قد انتصرت ، و تأتي المطالبة إذن في سياق محاولة إقناع الصهاينة بالنصر ، لأن الذي يطالب و يشترط هو المنتصر ، و لكن البيان المشترك لحماس و الجهاد الإسلامي سدّد ضربة قوية لهذا الهدف عندما هدّد بنسف التعليق إذا استجابت السلطة الفلسطينية للتحريض الأمريكي الصهيوني ضد الحركات الإسلامية.
هذه بعض أهداف معسكر الشر و الإرهاب في العالم من وراء التحريض ضد الإسلام و حركاته المجاهدة ، و وعي الأمة عامة و شعب فلسطين خاصة كفيل بأن يردّ كيدهم إلى نحرهم ، و يفشِل كلّ مخططاتهم الشريرة .
المصدر
- مقال:أهداف صهيونية و أمريكية خبيثة من وراء الدعوة لحلّ التنظيمات الإسلامية المجاهدةالمركز الفلسطينى للإعلام