أناقة شــباب الإخـوان
وفى هذه الفترة قرأت من أمهات الكتب ما لا يتوافر لمثل من كان فى ظروفى فهى كتب العلم الاسلامى حقا وهى المنبع الذى يجب أن يغترف منه كل من يريد أن يكون على بصيرة من دينه ودنياه وهى التى أعانتنى على ما انا بصدده الآن وإذا كان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده فقد كنت أعنى بظهور هذه النعمة على . إذ كان المكتب يدر من الرزق ما يكفى ويفيض . لقد كان الانسجام كاملا بين لون البدلة والقميص والكرافت والمنديل والجورب والحذاء .
ليعلم الناس أن المسلم يجب أن يكون حسن المظهر طيب الوجاهة فى كل حلال وبعيد عن الحرام . لم أكن وشباب الاخوان متعصبين كنا كما قالوا رهبان الليل تعبدا وحسن صلة بالله سبحانه وتعالى وفرسان النهار شجاعة وإقداما ووجاهة وحرصا على كل ما ينفع المسلم ويضعه وضعه الصحيح فى ا لمجتمعات التى يقيم فيها كنت أخطب الجمعة حيثما حللت . إن هذه الدنيا لم تخلق لغير المسلمين فكنت آخذ نصيبى منها مأكلا وملبسا ومشربا ومسكنا وخادما ومركبا .. لا أحرم نفسى من شىء أحله الله أبدأ . { ولا تنس نصيبك من الدنيا } . كان معاوية بن أبى سفيان وجيها فى كل شىء وحدثه عمر بن الخطاب فى هذافقال له معاوية : إننا نجاور امما للمظهر فى التعامل معها تأثير كبير ومع كل فإن أمرتنى بالاقلاع أقلعت . فقال له أمير المؤمنين التقى الواعى : “ لا آمرك ولا أنهاك “ .
ومما أعاننى علىالسعادة فى شبابى أننى كنت “ بحبوحا “ أحب النكته البريئه والقفشة الرقيقة : متسامحا مع كل من أساء الى بالقول والعمل وأتركه الى الله وما كنت أحب إحراج محدثى ولم أكن حريصا على أن أحاصر محدثى وأقنعه أن الحق الى جانبى إذا ما الفيته متعصبا لرأيه ووجدت الكلام قد دخل فى باب اللجاجة الذى لا خير فيه ومن طبعى الذى فطرت عليه أننى أسمع أكثر مما أتكلم يتحدث الناس فى مطلع شبابهم عن طموحهم وتطلعاتهم وقد يقترفون فى سبيل الوصول الى ذلك الطموح وتحقيق الاحلام ما يتنافى كثيرا من موازين القيم والشرع ولذلك ما كانت هذه الناحية تحظى من تفكيرى بشىء . كنت أقرأ لأعرف من علوم ا لشريعة ما يعيننى على تصحيح عبادتى . وكنت أتعامل فى مهنتى بأمانة ليكون دخلى من المهنة حلالا كنت متسامحا لأنى لا احب أن يكون بينى وبين أحد قطيعة .
رشحت نفسى مرتين لمجلس النواب ولم أنجح لأصدع بكلمة الحق والدعوة الاسلامية فى أعلى هيئة تشريعية فى البلاد أما أن أكون فقيها أو عالما أو وزيرا فما كان شىء من ذلك يشغل بالى على الاطلاق .
ولعلى ذكرت فيما سبق أنه قد عرض على العمل فى النيابة عام 1936 فرفضت كما عرض على العمل فى القضاء فأبيت لا استعلاء ولا جحودا بفضلهما ولكنه غرامى بالحرية وعدم رغبتى فى أى قيد من قيود الوظيفة .ز كنت أحترم الناس ولا أخشاهم وأحب أن أتعامل على قدم المساواة مع كل المستويات بلا حرج ووجدت كل ذلك فى مهنة المحاماة لأنها المهنة التى تفتح أمام الإنسان الكثير مما لا يتوفر للأطباء أو المهندسين أو غيرهم . فهو يعرف الكثير عن المهن الأخرى بطبيعة عمله واطلاعه على التقارير التى تقدم للمحاكم . إذا انتدبتهم لأمر يدخل فى اختصاص كل منهم فيعرف ا لمحامى كيف عولج المريض وما نوع الأدوية التى كتبها له الطبيب ووجه الخطأ والصواب فى كل هذا ويعرف كيف بنى البيت أو العمارة وما نوعية المواد التى استخدمت فى هذا البناء وموافقة ا لتصميم الهندسى للقواعد المقررة فى البناء وغير ذلك من أمور الهندسة على أنواعها مدنية أو ميكانيكية أو كهربية أو غير ذلك كما يحيط من تقارير المهندسين الزراعيين بالكثير من الشئون الزراعية وكل هذا يتوفر للمحامى ولا يتوفر لغيره من الجامعيين الآخرين .
زد على ذلك أنها مهنة الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم وأنها المهنة الرقيقة فليس فيها المباضع والمقصات والجراحة وليس فيها التردد على البنائين ومراقبتهم المستمرة أثناء عملهم وليس فيها الجرى فى الحقول والمراقبة المستمرة فى الفصول الزراعية المختلفة .
هى مهنة العقل الراجح فى إقامة الدليل والبرهان والكشف عن أمور إن لم تظهر فقد يكون فيها تدمير لأسر بأكملها .
كان طموحى يأتينى من خلال قراءاتى فكلما قرأت ازددت علما بأمور كثيرة يجهلها الكثير من الزملاء كان طموحى أن أكون محاميا نظيفا مهيأ للفوز بعز الدنيا وسعادة الآخرة وما عرفت القسوة يوما سبيلها الى خلقى ولا الحرص فى النتصار على أحد ولذلك كنت لا أرى لى خصوما اللهم إلا إذا كان ذلك فى الدفاع عنالحق أو الدعوة الى العمل بكتاب الله على أن ا لخصومة من جانبهم لا من جانبى أنا .
لقد بدأت رجولتى الحقة بدءا فعليا منذ أن سرت فى ركب دعوة الاخوان المسلمين ..يوم أن عرفت أن دينى يطالبنى بالعمل على نشره ونصرته مهما لاقيت من متاعب وصعاب . يوم أن عرفت أن القرآن ليس بركة فحسب يوضع فى الجيوب أو يعلق فى الحجرات أو يوضع فى السيارات إنه كل هذا و أكبر من هذا إنه عقيدة وسياسة واقتصاد واجتماع وأخلاق وحرب وسلم وبيع وشراء وزراعة وتجارة وطب وكل شىء يمكن أن يزاوله الإنسان فىالحياة الدنيا ضمانا للسعادة فى الدار الاخرة إنه النظام الشامل الذى سعدت به الأمة الاسلامية ما تمسكت بيمينه سعدت الأمة الاسلامية بالعزة والحرية والكرامة وكانت الدنيا بأسرها تصغى واعية لكل كلمة تخرج من فم أمير المؤمنين فلما انصرفت الشعوب الاسلامية عن تعاليم دينها وهان عليها أمر الخلافة الاسلامية وفقدت المتعة الروحية بلقب أمير المؤمنين لما انغمرت فيما انزلقت اليه من تقاليد الغير والانصياع له والسير فى ركابه وصلنا الى ما وصلنا الى ما وصلنا اليه حتى أصبح يقضى فى أمورنا من وراء أقفيتنا .
ويقضـى الأمـر حين تغيـب تيــم ولا يسـتأذنون وهـم شهود
ولن نستعيد ما ضينا إلا إذا عدنا الى تعاليم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وإجماع فقهاء المسلمين . وهذا ما وجدته فى دعوة الإخوان المسلمين .