أمنهم ودولتنا

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أمنهم ودولتنا
علم فلسطين.jpg

بقلم : معتصم حمادة

الملاحظ أنه في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل أن ترسم اتجاهات الحل للقضايا الجوهرية في مفاوضات الوضع الدائم، نراها ترسم اتجاهات شديدة الوضوح بما يتعلق بالجانب الأمني، وكأن هذا الجانب هو المحور الوحيد للعملية التفاوضية.. وهو جوهرها.

لم تأت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، بأي جديد، وهي تبلغ نظيرتها الأميركية كوندوليزا رايس، بأن أمن دولة إسرائيل أهم من قيام الدولة الفلسطينية وبأنه بدون ضمان هذا الأمن، فإن الدولة الفلسطينية لن ترى النور.

ما قالته ليفني، يعبر عن ما يسمى «بعقيدة إسرائيل التاريخية»، أي تقديم أمنها على ما عداه من القضايا. وذريعة إسرائيل، في بناء هذه العقيدة المزعومة، أنها محاطة بعالم عربي يناصبها العداء، وأنها دولة صغيرة بمساحتها وشعبها وجيشها، وأنها معرضة في كل وقت للاعتداء عليها، وأن بنيتها لا تتحمل أن تلحق بها هزيمة واحدة.

وتستند إسرائيل في مزاعمها هذه، إلى صياغة مزيفة وملفقة للتاريخ، بحيث يتحول تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والإسرائيلي الفلسطيني إلى سلسلة متلاحقة من الأعمال العدوانية العربية والفلسطينية ضد الدولة المحاصرة، المسماة إسرائيل.

ومع أن ليفني لم تأت بجديد، إنما يمكن القول إن الجديد في قولها هو هذه الفجاجة في الكلام وهذا الاستعلاء وهذه العنجهية، التي تعبر عنها في مظاهر سلوكها كافة إزاء الفلسطينيين والعرب.

فمع العرب تحرص ليفني على لعب دور الأستاذ الذي يلقنهم دروساً ويعيد تلقينهم لإدراكه أنهم يشكون من القدرة على الفهم السريع.

لذلك تراها، كلما تناولت لقاء أنابوليس الدولي في كلامها، تنبه الدول العربية إلى ضرورة أن تلعب دوراً إيجابياً، وأن تكف عن تحريض الفلسطينيين على رفض المقترحات الإسرائيلية، وتحذرهم في السياق من أن لا يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وأن يدفعوا بهم نحو القبول بـ «مقترحات السلام» الإسرائيلية التي تعرضها عليهم ليفني.

ولعل ليفني، تشير في حديثها إلى الموقف السعودي الذي أكد على ضرورة وقف الاستيطان، وتفكيك البؤر الاستيطانية التي أقيمت بعد 21/3/2001، وإطلاق سراح الأسرى، والسماح للمؤسسات الفلسطينية في القدس باستئناف نشاطها، وبضرورة استئناف العملية التفاوضية، ورسم سقف زمني لهذه العملية ولتطبيق ما تسفر عنه من نتائج واتفاقات وما يتحدث عنه الجانب السعودي، ليس شروطاً للاشتراك في أنابوليس، بل هو مطالبة بتطبيق ما جاء في خارطة الطريق، وما تم الاتفاق عليه في أكثر من محطة، من شرم الشيخ، إلى العقبة، إلى القاهرة.. وهي اتفاقات أخلت بها إسرائيل على الدوام رغم أنها تحمل توقيع كبار المسؤولين فيها.

ولعل ليفني تشير أيضاً في حديثها إلى مواقف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي لا يكف عن التحذير من خطر الوقوع في دوامة التفاصيل الصغيرة، ويدعو إلى الدخول مباشرة في معالجة القضايا الجوهرية، على المسار الفلسطيني (الدولة ـ الحدود ـ المستوطنات ـ المياه ـ القدس ـ اللاجئون) وأن يشمل أنابوليس قضيتي الجولان ومزارع شبعا.

ولذلك اقترح موسى عقد اجتماع عربي، على مستوى وزراء الخارجية، عشية أنابوليس لتنسيق الموقف العربي وتوحيده في مواجهة التعنت الإسرائيلي.

ومن الطبيعي أن يصدر عن الجانب السعودي ما صدر، وأن يصدر عن موسى ما صدر.

فالأول هو الرئيس الدوري للقمة العربية، وهو الناطق الرسمي باسمها والمعبر عن مواقفها كما صاغتها في مبادرتها للسلام.

والثاني هو المتحدث الأول باسم الجامعة، وبالتالي يأتي كلامهما تعبيراً عن موقف عربي جماعي، يفترض أن ينعكس خطوات ملموسة في لقاء أنابوليس ولعل هذا ما يزعج ليفني ويكدر عيشها.

أما مع الجانب الفلسطيني، فإن ليفني تسترجع «التراث» الغني لإسرائيل في العملية التفاوضية.

وهو تراث محوره الشعار القائل بأن «لا نصوص ولا مواعيد ولا اتفاقات مقدسة» ومن حق إسرائيل أن تعيد النظر بكل الاتفاقات إذا ما تبين لها أنها لا تضمن لها أمنها.

ومن حقها أن ترفض كل المشاريع التي لا تضمن لها هذا الأمن.

هذا ما لاحظناه مع اتفاق أوسلو، حين علق عليه كبار المحللين بأنه اتفاق أمني، وليس اتفاقاً للحل السيايس بين الجانبين الموقعين.

وعندما بدئ تطبيق الاتفاق كان رئيس وزراء إسرائيل القتيل اسحق رابين شديد الفصاحة حين رفع شعار: «لا نصوص ولا مواعيد مقدسة».

فرفض الالتزام بما تم الاتفاق عليه إلى حين التأكد من أن أمن إسرائيل ـ كما ادعى ـ لم يتعرض للخطر من جراء تطبيق بعض النصوص الجزئية من اتفاق أوسلو.

وعندما تلمس رابين، من موقعه، أن في اتفاق أوسلو «ثغرات أمنية» قال إنه سيعمل على تعديل الاتفاق، ليس بإعادة صياغة نصوصه، بل عبر التطبيق العملي الذي يتناسب والمصالح الإسرائيلية.

وعلى هذه القاعدة استمرت إسرائيل في التعامل مع الاتفاقات على المسار الفلسطيني، كان آخرها خطة خارطة الطريق، سيئة الصيت، التي أعاد رئيس وزراء إسرائيل السابق (والمشلول حالياً) شارون إفراغها من مضمونها (على سيئاته) عبر تحفظاته المعروفة، والتي صادق عليها رئيس الولايات المتحدة في رسالته الشهيرة في 14/4/2004، وقد ذاع صيتها باعتبارها رسالة ضمانات أميركية.

وعلى خطى رابين، وخطى شارون تسير ليفني، ويسير رئيس حكومتها أولمرت.

@ فليفني ترفض أن ترسم سقفاً زمنياً للعملية التفاوضية وتريد لها أن تكون عملية مفتوحة بلا حدود، لا ينحكم فيها المتفاوضون إلى موعد أو تاريخ محدد، مهما طال بهم الزمن.

وذريعتها أن الانحكام إلى تاريخ معين كحد نهائي للمفاوضات من شأنه أن يضغط على المتفاوضين وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن البديل سيكون العنف.

على غرار ما جرى في كامب ديفيد 2.

وتريد ليفني، من موقع الاستدراك، أنه، وقبل الدخول في المفاوضات، يتوجب على الجانب الفلسطيني أن ينفذ التزاماته في الجزء الأول من خارطة الطريق أي القضاء على المقاومة (الإرهاب) في الضفة الفلسطينية، وإنهاء حالة الانقسام، وتجريد حماس وكل فصائل المقاومة من سلاحها في قطاع غزة، والالتزام بأمن إسرائيل وحدودها من أي اعتداء فلسطيني، أياً كان مصدره.

وبعد التأكد من نجاح الدور الأمني الفلسطيني، يمكن الولوج إلى العملية التفاوضية.

ليفني تؤكد، في شروطها هذه، أن ما تطالب به، هو ما جاء حرفياً في خطة خارطة الطريق.

@ أما أولمرت فيحاول أن يبدو أكثر ليونة من وزيرة خارجيته.

فيحاول أن يبدو كمن يستجيب لطلب الرئيس عباس، وأن يقدم له «تنازلاً» ما، فيوافق مبدئياً على أن يتم الانتهاء من العملية التفاوضية، قبل نهاية ولاية الرئيس بوش، أي قبل نهاية العام القادم.

لكن أولمرت سرعان ما ينسف هذا «التنازل» ويستعيد موقعه الذي لا يقل تشدداً عن مواقف ليفني، فيرفض أن يوضع جدول زمني لما تم الاتفاق عليه، إلى حين أن يلتزم الفلسطينيون بالواجبات الأمنية المطلوبة منهم في خطة خارطة الطريق.

أي القضاء على المقاومة في الضفة و قطاع غزة .

وضمان أمن إسرائيل من أي «عدوان» أياً كان مصدره.

الملاحظ، في هذا السياق، أنه في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل، وعلى لسان ممثليها، وفي تقارير مؤسساتها كافة، أن ترسم اتجاهات الحل للقضايا الجوهرية (الدولة ـ القدس ـ المستوطنات ـ المياه ـ الحدود ـ اللاجئون) تراها ترسم اتجاهات شديدة الوضوح بما يتعلق بالجانب الأمني، وكأن الجانب الأمني هو المحور الوحيد للعملية التفاوضية، وهو جوهرها.

هذه هي السياسة التفاوضية التي اتبعتها إسرائيل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات ، وتتبعها الآن مع الرئيس محمود عباس.

لكن الفارق بين الرئيسين يتمحور بشكل رئيسي حول النقطة التالية:

@ كان الرئيس عرفات يلعب مع إسرائيل لعبة الخيارات المفتوحة، صحيح أنه كان يعول كثيراً على العملية التفاوضية سبيلاً إلى التسوية مع الإسرائيليين لكن الصحيح أيضاً أنه لم يسقط الخيارات الأخرى من يده، ولو من موقع تكتيكي. فبعد فشل كامب ديفيد انساق مع الانتفاضة، وانساقت الأجهزة الأمنية بكل قوتها مع الانتفاضة.

وكان يعطي للعمل المسلح فرصة هنا وفرصة هناك، دون أن يتردد في إدانة بعض العمليات، ولكن دون أن تتحول هذه الإدانة إلى فعل ملموس ضد المقاومين أو ضد من وقف خلف هذه العمليات.

وهكذا وجد الرئيس عرفات بين يديه أكثر من عنصر قوة يجابه به المفاوض الإسرائيلي، نسوق هذا الكلام دون أن يعني ذلك أننا نتجاهل سلبيات هذه التجربة، لكننا نرى أن الوقت والمكان غير مناسبين لمثل هذه المراجعة.

@ خلافاً للرئيس عرفات يلاحظ أن أبو مازن حصر خياراته السياسية في خيار واحد، هو خيار المفاوضات سبيلاً إلى التسوية، علماً أن التجربة المريرة مع الجانب الإسرائيلي تؤكد أن هذا الخيار، على صحته، لا يستطيع أن يوفر وحده الحل المقبول فلسطينياً إذا لم يتفاعل مع خيارات أخرى في مقدمها خيار الكفاح المسلح ضد الاحتلال والمستوطنين.

لذلك يتمثل مأزق الجانب الفلسطيني المفاوض، أي مأزق الرئيس عباس، أن الجانب الإسرائيلي يرفض أن يتزحزح عن تعنته المعروف، وأن الجانب الأميركي يتبنى المواقف الإسرائيلية.

فهل يقدم عباس تنازلات لم يملك عرفات الجرأة على تقديمها، أم أنه على استعداد لإعادة النظر بخياراته السياسية؟

الجواب لدى عباس.


المصدر