أصحاب الأخدود والمحاكم العسكرية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أصحاب الأخدود والمحاكم العسكرية


اعداد :محمد عبد الحليم قنديل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم , أيها الإخوة الكرام ما اشبه الأمس باليوم وياله من تطابق فى الصفات والخصال وكأن الحق سبحانه وتعالى يسطر فى كتابه الكريم أحداثا عظاما خلدها الحق لحكمة يعلمها قد يكون منها أن يقول للناس أيها الناس اعلموا أن أعداء هذا الدين وما يحملوه من غل وحقد انما هم على نفس الصفات والخصال فى كل زمان ومكان .

آلمنى كل الألم حكم المحكمة العسكرية على إخوان لنا شرفاء أطهار نحسبهم كذلك ولا نزكى على الله احدا وجال فى خاطرى وانا أسمع همسات المتعاطفين ولمذات الشامتين : الى متى يتحمل الصف الإخوانى هذا الظلم ؟ أوليس انتصار الباطل وانتفاشه دليل صحة ما يدعوا اليه ؟ ماذا قدم الإخوان لمصر غير الشعارات ؟ اين هو الحل الذى يدعيه الإخوان الحل السحرى الذى سيقلب حال مصر من هذا الفقر المدقع الذى يستشرى بين الناس فيحوله الى جنات وانهارا ؟

رحم الله استاذاومربيا ومرشداً لنا هو المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ عمر التلمسانى حين سألوه عن هدف الإخوان المسلمين من دخول مجلس الشعب فأجاب : إن هدف الإخوان من دخول مجلس الشعب هو المطالبة بتطبيق شرع الله عز وجل والعودة الى الله سبحانه وتعالى ففى ذلك كل الخير للمسلمين ولمصر.

تذكرت وانا اسمع هذا الكلام اننا فى حاجة الى مراجعة للنفس نعم نحن نكشف ونحارب الفساد ونوابنا يقدمون الإستجواب تلو الإستجواب ولكن أن نأخذ الموقف الثابت ونصر عليه ونعلنه صباح مساء ان شرعة الله يجب أن تسود وأنه لا نجاة لنا ولمصر الا بتطبيق شرع الله حتى يرفع عنا البلاء فهذا ما نريد أن نؤكد عليه إن الفساد القائم والمستفحل فى كل مكان ما هو الا أعراض لمرض لا نجاة لنا الا من خلال القضاء عليه انه غياب شرعة الله عز وجل عن واقع المسلمين حكاما ومحكومين الا من رحم ربى . من اجل هذا كان وسيظل الإسلام هو الحل

اعود لإخواننا المسجونين فأرى كل الظلم وكل الجبروت

أناس شرفاء لم تستطع الحكومة والقائمين عليها اثبات ولو بدليل واحد أن هؤلاء مذنبين آثمين انما جائت البراءة أكثر من مرة فما كان منهم إلا أن حولوهم الى المهزلة العسكرية وصدق الحق سبحانه وتعالى ( وما نقموا منهم إلا أن يأمنوا بالله العزيز الحميد )


ما اصدق كلمات شهيد الدعوة سيد قطب وهو يصف قصة اصحاب الإخدود وكأنه يصف حالنا اليوم فيقول فى نهاية المعالم:

(لم يكن بد من هذا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون ، ولا يؤخذ الظالمون ! ذلك ليستقر في حس المؤمنين - أصحاب دعوة الله - أنهم قد يدعون إلى النهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله ، وأن ليس لهم من الأمر شيء ، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله !

إن عليهم أن يؤدوا واجبهم ، ثم يذهبوا ، وواجبهم أن يختاروا الله ، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة ، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية .

ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم ، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء .

وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان ، أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه .

إنهم أجراء عند الله ، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وقبضوا الأجر المعلوم ! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير ، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير !

وهم يقبضون الدفعة الأولى طمأنينة في القلب ، ورفعة في الشعور ، وجمالاً في التصور ، وانطلاقاً من الأوهاق والجواذب ، وتحرراً من الخوف والقلق ، في كل حال من الأحوال .

وهم يقبضون الدفعة الثانية في الملأ الأعلى وذكراً وكرامة ، وهم بعد في هذه الأرض الصغيرة .

ثم هم يقبضون الدفعة الكبرى في الآخرة حساباً يسيراً ونعيماً كبيراً .

ومع كل دفعة ما هو أكبر منها جميعاً ، رضوان الله ، وانهم مختارون ليكونوا أداة لقدره وستاراً لقدرته ، يفعل بهم في الأرض ما يشاء)

(إن لله حكمة وراء كل وضع ووراء كل حال ، ومدبر هذا الكون كله ، المطلع على أوله وآخره ، المنسق لأحداثه وروابطه ، هو الذي يعرف الحكمة المكونة في غيبه المستور ، الحكمة التي تتفق مع مشيئته في خط السير الطويل .

وفي بعض الأحيان يكشف لنا - بعد أجيال وقرون - عن حكمة حادث لم يكن معاصروه يدركون حكمته ، ولعلهم كانوا يسألون لماذا ؟ لماذا يا رب يقع هذا ؟

وهذا السؤال نفسه هو الجهل الذي يتوقاه المؤمن ، لأنه يعرف ابتداء أن هناك حكمة وراء كل قدر ، ولأن سعة المجال في تصوره ، وبعد المدى في الزمان والمكان والقيم والموازين تغنيه عن التفكير ابتداء في مثل هذا السؤال ، فيسير مع دورة القدر في استسلام واطمئنان . .

لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة ، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء ، وتحتمل كل شيء - إلى شيء في هذه الأرض ، ولا تنظر إلا إلى الآخرة ، ولا ترجو إلا رضوان الله ، قلوباً مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت .

بلا جزاء في هذه الأرض قريب ، ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة ، وغلبة الإسلام وظهور المسلمين ، بل لو كانوا هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بالمكذبين الأولين !

حتى إذا وجدت هذه القلوب ، التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطى بلا مقابل - أي مقابل - وأن تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل .

حتى إذا وجدت هذه القلوب ، وعلم الله منها صدق نيّتها على ما بايعت وعاهدت ، آتاها النصر في الأرض ، وائتمنها عليه ، لا لنفسها ، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه ، ولم تتطلع إلى شئ من الغنم في الأرض تعطاه ، وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه .

وكل الآيات التي ذكر فيها النصر ، وذكر فيها المغانم ، وذكر فيها أخذ المشركين في الأرض بأيدي المؤمنين نزلت في المدينة . . بعد ذلك . . وبعد أن أصبحت هذه الأمور خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه .

وجاء النصر ذاته لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة الإنسانية ، تقرره في صورة عملية محددة تراها الأجيال . . فلم يكن جزاء التعب والنصب والتضحية والآلام ، إنما كان قدراً من قدر الله تكمن وراءه حكمة نحاول رؤيتها الآن !

وهذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله ، في كل أرض وفي كل جيل ، فهي كفيلة بأن تريهم معالم الطريق واضحة بلا غبش ، وأن تثبت خطى الذين يريدون أن يقطعوا الطريق إلى نهايته ، كيفما كانت هذه النهاية .

ثم يكون قدر الله بدعوته وبهم ما يكون ، فلا يلتفتون في أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء ، وبالعرق والدماء ، إلى نصر أو غلبة ، أو فصل بين الحق والباطل في هذه الأرض . . ولكن إذا كان الله يريد أن يصنع بهم شيئاً من هذا لدعوته ولدينه فسيتم ما يريده الله . . لا جزاء على الآلام والتضحيات . . لا ، فالأرض ليست دار جزاء . . وإنما تحقيقاً لقدر الله في أمر دعوته ومنهجه على أيدي ناس من عباده يختارهم ليمضي بهم من الأمر ما يشاء ، وحسبهم هذا الاختيار الكريم ، الذي تهون إلى جانبه وتصغر هذه الحياة ، وكل ما يقع في رحلة الأرض من سراء أو ضراء)

{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } . .

هناك حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل .

إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة وليست شيئاً آخر على الإطلاق . وإن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان ، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة . .

إنها ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ، ولا معركة عنصرية . . ولو كانت شيئاً من هذا لسهل وقفها ، وسهل حل إشكالها ، ولكنها في صميمها معركة عقيدة - إما كفر وإما إيمان . . إما جاهلية وإما إسلام !

ولقد كان كبار المشركين يعرضون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المال والحكم والمتاع في مقابل شيء واحد ؛ أن يدع معركة العقيدة وأن يدهن في هذا الأمر ! ولو أجابهم - حاشاه - إلى شيء مما أرادوه ما بقيت بينهم وبينه معركة على الإطلاق !

إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة . . وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون حيثما واجهوا عدواً لهم .

فإنه لا يعاديهم لشيء إلا لهذه العقيدة " إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " ويخلصوا له وحده الطاعة والخضوع !

وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة ، راية اقتصادية أو سياسية أو عنصرية ، كي يموَّهوا على المؤمنين حقيقة المعركة ، ويطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة .

فمن واجب المؤمنين ألا يُخدعوا ، ومن واجبهم أن يدركوا أن هذا تمويه لغرض مبيت ، وأن الذي يغير راية المعركة إنما يريد أن يخدعهم عن سلاح النصر الحقيقي فيها ، النصر في أية صورة من الصور ، سواء جاء في صورة الانطلاق الروحي كما وقع للمؤمنين في حادث الأخدود ، أو في صورة الهيمنة - الناشئة من الانطلاق الروحي - كما حدث للجيل الأول من المسلمين .

ونحن نشهد نموذجاً من تمويه الراية في محاولة الصليبية العالمية اليوم أن تخدعنا عن حقيقة المعركة ، وأن تزور التاريخ ، فتزعم لنا أن الحروب الصليبية كانت ستاراً للاستعمار . . كلا . . إنما كان الاستعمار الذي جاء متأخراً هو الستار للروح الصليبية التي لم تعد قادرة على السفور كما كانت في القرون الوسطى ! والتي تحطمت على صخرة العقيدة بقيادة مسلمين من شتى العناصر ، وفيهم صلاح الدين الكردي ، وتوران شاه المملوكي ، العناصر التي نسيت قوميتها وذكرت عقيدتها فانتصرت تحت راية العقيدة !

{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } .

وصدق الله العظيم ، وكذب المموهون الخادعون !

المصدر