أرض النفاق.. رواية عسكرية لصناعة مشايخ السلطان وجيل مشوه بالكذب
كتبه رانيا قناوي
محتويات
مقدمة
لم يتصور أحد من المصريين أن رواية "أرض النفاق" التي كتبها أحد قيادات العسكر وهو يوسف السباعي، ويتحدث فيها عن الدولة الجديدة التي أسس لها الراحل جمال عبد الناصر، ستكون عنوانا لحكم العسكر فعليا، بأن المصري لكي يعيش على ارضه يجب عليه أن ينافق، وأن يستغنى عن شرفه وعرضه ومروءته كي تستمر حياته، في حين تتوقف هذه الحياة نهائيا حال انتفض ضد هذه الدولة التي تقوم على الغش والكذب والتدليس.
لم يتوقف النفاق على السياسيين والإعلاميين وضباط الجيش والداخلية، ولكن تم التأسيس له من العمق، عن طريق مشايخ وعمم السلطان، حتى يصبح النفاق دينا يدين به المصريون، ويجري منهم مجرى الدم في العروق.
ليسوا بشرا
ولا يمر شهر واحد حتى يفاجئنا أحد مشايخ السلطان بفتوى جديدة لتأليه حكم العسكر، والنظر إليهم على أنهم ليسوا بشرا كالمصريين، ولكنهم ملائكة تطير بجناحين على الأرض وفي السماء.
ومنهم من نظر إلى العسكر على أنهم أنبياء، حيث لا ينسى المصريون وقوف سعد الدين الهلالي، الأستاذ بجامعة الأزهر، يعلنها صراحة أن اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الأسبق، وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أنبياء، حيث وصف رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم بأنهما رسولان من عند الله مثلهما مثل موسى وهارون عليهما السلام.
وقال الهلالي، خلال تكريم أسر قتلى الشرطة:
- "إنه ما كان لأحد أن يتخيل أن سنة الله تتكرر، وبأن يأتي أحد ليقول لا إسلام إلا ما نمليه عليكم، ولا دين إلا ما نعرفه لكم".
وتابع
- "ولكن الله قيّض للمصريين مَن يقف في مواجهة من يقولون هذا الكلام، لكي يتحقق أن يكون الدين كله لله كما أمر الله، ويبعث الله رجلين- والحديث لرئيس قسم الفقه المقارن بالأزهر - كما ابتعث من قبل رسولين هما موسى وهارون"
وأضاف الهلالي
- "خرج السيسي ومحمد إبراهيم، وما كان لأحد من المصريين يتخيل أن هؤلاء رسل من عند الله عز وجل، وما يعلم جنود ربك إلا هو".
كما شبه الأستاذ الأزهري، نجاة وزير الداخلية من محاولة اغتيال بنجاة النبي إبراهيم عليه السلام من النار.
ملائكة وأنبياء
لم يتوقف خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، عن النفاق بل حاول غرسه بقوة داخل نفوس المصريين، وقال إن رجال الجيش والشرطة هم أكثر الناس عملًا بإخلاص في الدولة، معقبًا: "الناس دول مش بشر زينا، دول حاجة خارقة للعادة".
وأضاف "الجندي"- خلال تقديمه برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على فضائية "dmc "- أن رجال الجيش والشرطة منفصلون تمامًا عن الكثير من الأحداث في البلد، متابعًا: "آجي أخش كمين آلاقي الضابط مش عارفني، 50 سنة خدمة في الإعلام والراجل مش عارفني، لأنه بيخدم في الشارع ليل نهار".
وأشار إلى أن معظم رجال الجيش والشرطة عندما يخرجون من الخدمة يُصابون بالمرض، لأنهم تعودوا على العمل وتنفيذ الأوامر.
ديون السيسي والحج
كانت أحدث أساليب النفاق ما دعا إليه محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب، المواطنين إلى المساهمة في سداد ديون عبد الفتاح السيسي بدلاً من الإنفاق على حج النافلة، وهي الدعوة التي يكررها كل عام مع قرب موسم الحج وفي كل مواسم العمرة، حيث يدّعي دائما أن سداد ديون السيسي ودعم صندوقه أولى من الحج والعمرة.
وقال جمعة، في تصريحات متلفزة:
- إن "سداد الديون سواء كانت فردية أو مجتمعية، أولى من أداء فريضة الحج".
واستطرد قائلا:
- "الحج فريضة لأنه ركن من أركان الإسلام كالصلاة والصيام، ومن يقدر على أداء الحج فليعجل"، إلا أنه زعم "أولوية حج الفريضة عن حج النافلة في حالة احتياج الدولة للأموال؛ لسداد ديونها".
وقال إن
- "من يذهب لأداء فريضة الحج أو العمرة كل عام أو عامين، يتحمل نفقات سياحية، أو يكون تابعا للمستوى الأول في التضامن الاجتماعي، وهذه الأموال الأولى بها أُم بتربية الأيتام، أو سيدة معيلة، أو غارمة، أو بيت من المشردين، أو ستر الأم والبنات، أهم من الحج والعمرة، كذلك بناء المستشفيات والمدارس والطرق، والتأكد من سداد الضرائب".
إعلام النفاق
كان المذيع يتحدث مع صحفية معروفة في برنامج تلفزيوني، وتطرق الحوار إلى إنجازات السيسي، فتبارى الاثنان في الإشادة بها، ثم قالت الصحفية فجأة: أنا على فكرة عندي نقد للرئيس السيسي.. ممكن أقوله؟.
بدا الذعر على وجه المذيع وتجاهل سؤالها، واستمر في الإشادة بالسيسي، لكنها قاطعته قائلة:
- من فضلك ..اسمح لي أنتقد الرئيس السيسي
قال بصوت خافت:
- تفضلى
هنا قالت الصحفية:
- أريد أن أنتقد الرئيس السيسي لسببين: أولا لأنه لم يعد يهتم بصحته. إنه يبذل مجهودا فوق طاقة البشر لإنقاذ مصر، لكن يجب أن يعطى نفسه فرصة للراحة. إنني أحس بحزن شديد كلما رأيت وجه سيادته شاحبا ومرهقا من كثرة العمل.
تنفس المذيع الصعداء وانفرجت أساريره ثم قال:
- وما هو النقد الثاني؟
قالت الصحفية بحماس:
- ثانيا أوجه نقدي لسيادة الرئيس السيسي لأنه خطف قلوبنا نحن المصريين فلم يعد في قلوبنا مكان لحب آخر. احنا بنحب السيسي وبس.
هذا المستوى المتقدم من النفاق الاحترافي، يقول عنه الكاتب الانقلابي علاء الأسواني نفسه، إنه ربما لا يوجد له مثيل في بلدان كثيرة، ويبدو أنه مع كثرة المنافقين أصبح على من ينافق السيسي أن يكون مجددا ومبدعا.
وأضاف:
- "بالأمس قرأت مقالا لصحفي شاب يبشرنا فيه بأنه كلما ضحك السيسي في التلفزيون ارتفعت أسهم البورصة المصرية فورا، لدرجة أنه مع كل ضحكة جديدة للسيسي يربح الاقتصاد المصري 4 مليارات جنيه".
وتابع:
- "لا أظن أى مدرسة اقتصادية في العالم تربط أسهم البورصة بضحكة أي شخص، لكنه نموذج للنفاق الإبداعي المتطور. لا يقتصر النفاق على السيسي وإنما يمتد إلى كل صاحب منصب. تأمل كيف يعامل المرؤوس مديره في بلادنا، إنه غالبا ما يكيل له المديح ويشعره دائما أنه نابغة زمانه وقد يتجسس على زملائه وينقل أخبارهم لمديره ليحصل على رضاه".
هل النفاق طبيعة في المصريين؟
يقول الأسواني، خلال مقاله على موقع الإذاعة الألمانية "دويتش فيله":
- إن المصري يمارس النفاق؛ لأنه ببساطة يائس تماما من تحقيق العدالة. إنه ينافق لأنه يعلم يقينا أن الكفاءة لا تؤدى بالضرورة إلى النجاح، والعمل الجاد لا يؤدى بالضرورة للترقي، والتعليم الجيد ليس شرطا للحصول على الوظائف، وأن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء، أما "الأكابر" فإن القوانين يتم تغييرها لحمايتهم. المصريون يعلمون أن كلمة الحق أصبح ثمنها باهظا وهم غالبا غير مستعدين لدفعه.
وتابع أن المذيع الذى ينافق السيسي يعلم أن مستقبله ورزق عياله في أيدي أجهزة الأمن المتحكمة في الإعلام، ولو أنه قال الحق أو قصر في نفاق السيسي فإنه سيفقد عمله فورا وهناك مئات المذيعين المنافقين يحلمون بأخذ مكانه.
الصحفية التى تشكو من أن السيسي خطف قلبها تعلم جيدا أن كلامها سيجلب عليها احتقار الناس لكنه سيجلب أيضا رضا السلطة الذى سيفتح أمامها أبواب المستقبل على مصراعيها.. في الدول الديمقراطية لا يحتاج المواطن إلى ممارسة النفاق لأن القواعد عادلة والأسباب تؤدى إلى النتائج.
وقال الأسواني:
إن النفاق ليس مجرد نقيصة أخلاقية، وإنما ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالنظام الحاكم. من السذاجة أن نتصور أننا سنتخلص من النفاق عن طريق المواعظ الدينية والأخلاقية لأن النفاق ليس هو المرض وإنما هو أحد أعراض مرض الاستبداد. عندما نتخلص من الاستبداد ونقيم نظاما ديمقراطيا حقيقيا لن يحتاج المصريون إلى ممارسة النفاق لأنهم سيعيشون في حماية القانون وسيحتكمون جميعا إلى قواعد عادلة تحترم الكفاءة والجهد وتمنح كل ذي حق حقه.
المصدر
- تقرير: أرض النفاق.. رواية عسكرية لصناعة مشايخ السلطان وجيل مشوه بالكذب بوابة الحرية والعدالة