أحمد ديدات رمز دعوي فريد

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أحمد ديدات رمز دعوي فريد


بقلم : إخوان أون لاين

فُجعت الأمةُ الإسلامية صباح اليوم بخبر وفاة الداعية الإسلامي الشيخ "أحمد ديدات"- رحمه الله- كأحد الرموز الكبار للدعوة والفكر الإسلامي في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين.. هذا الرجل الذي أثرى العقل الإسلامي والدعوة بالكثير من الكتب والمناظرات والندوات التي تعتبر علامةً على الفكر الإسلامي المعاصر ومسيرة الدعوة الإسلامية في القرن العشرين، وستظل باقيةً مع كل مسلم يسعى ويبحث في شئون دينه ودنياه.

مَن هو "أحمد ديدات"؟

وُلد الداعية الإسلامي الراحل "أحمد حسين ديدات" في قرية "تادكشينار" بولاية "سوارات" الهندية في عام 1918م، وكان والده السيد "حسين ديدات" يعمل خياطًا، وقام بالهجرة إلى جنوب أفريقيا ضمن مجموعات أخرى كبيرة العدد من الهنود في مطلع عقد العشرينيات من القرن المنصرم بسبب الظروف المعيشية السيئة والأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في الهند في ذلك الوقت مع عدم توافر ظروف الدراسة الملائمة هناك بفعل سياسات الاحتلال البريطاني هناك في ذلك الوقت.

وقد عمل العلامة الراحل منذ مستهل حياته على دراسة الدين الإسلامي وحفظ القرآن الكريم، معطيًا أهمية خاصة في دراساته الإسلامية لسيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع الرد على شبهات المستشرقين والكُتَّاب المسيحيين الغربيين حول الرسول- صلى الله عليه وسلم- والدين الإسلامي بوجهٍ عام، ثم ارتحل إلى باكستان عام 1949م وازدادت وتيرة طلب العلم لديه هناك لا سيما عندما عثر على كتاب "إظهار الحق" لأحد المؤلفين الهنود ممن عاشوا في المدينة المنورة؛ حيث اتخذه منطلقًا لأفكاره للرد على كتابات المستشرقين وأباطيل الكُتَّاب المسيحيين في الغرب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وكان لدوره الدعوي دورٌ كبيرٌ في دعم عملية دخول أعداد كبيرة من المسيحيين للإسلام، وقد أصبح كثير من هُدوا إلى الإسلام على يد ديدات من أهم الدعاة في بلادهم وفي الغرب بوجهٍ عام.

وفي مطلع عقد الخمسينيات أصدر كُتيبه الأول بعنوان "ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟" ثم نشـر بعد ذلك أحد أهم كتبه وكان بعنوان: "هل الكتاب المقدس كلام الله؟" وفي عام 1959م توقف الشيخ "أحمد ديدات" عن كتابة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر نفسه لها وهي الدعوة إلى الإسلام والرد على أباطيل خصومه من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات، وفي سعيه هذا قام بزيارة الكثير من دول العالم وآخرها كان أستراليا، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي ومن بينهم "كلارك جيمي سواجارت".

وقد أسس عددًا من المعاهد والمؤسسات التعليمية والدعوية ومن أهمها "معهد السلام لتخريج الدعاة" و"المركز الدولي للدعوة الإسلامية" بمدينة "ديربان" الجنوب أفريقية، وقد قام الشيخ الراحل بتأليف نحو عشرين كتابًا وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي طبع بعضها، وقام أيضًا بإلقاء عدد كبير من المحاضرات في جميع أنحاء العالم، وقد مُنِحَ الشيخ "أحمد ديدات" لجهوده هذه جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986م وأُعطي درجة "أستاذ".

ديدات الداعية

يعتبر ديدات أحد أهم رجال الدعوة الإسلامية في العقود الأخيرة ليس على غزارة إنتاجه أو تطوافه الواسع حول العالم، والذي شمل كل بلدان الغرب المسيحي تقريبًا بما فيها الولايات المتحدة، ولكن لما تميز به ديدات من قدرة على التحليل والتعمق في النص الذي أمامه بحيث تكمن من أن يمتلك ناصية الحجة بشكل لم يصل إليه الكثير من رجال الدعوة في تاريخنا المعاصر.

هذه الميزة التي انفرد بها ديدات أهلَّته للعب دور كبير في صدد خلق لونٍ جديدٍ من ألوان الدعوة الإسلامية، وهو ما نقصد به فن "المناظرات" الذي يعتمد أكثر ما يعتمد على سرعة وحضور البديهة وألمعية الرجل المتحدث بحيث يمكنه أن يقوم بالرد باستخدام حجة بينة على أي من الادعاءات التي تطلق بحق الدين والرسول- صلى الله عليه وسلم- بشكلٍ مقنع يُسقط حجة من أمامه؛ ولذلك نجح العلامة الراحل "أحمد ديدات" في هداية الكثيرين من المسيحيين وغير المسيحيين.

وعبر حياته الحافلة بالترحال والنشاط الدعوي تقدَّم شيخنا الراحل بنحو "235" مناظرة ومحاضرة فكرية ودعوية، كذلك عقد لقاءات كبيرة مع المبشرين والمنصرين الغربيين لمناقشتهم في أمور دينهم وفتح نقاط القصور والضعف الموجودة في عقيدتهم وكتبهم، ومع تعمقه في دراسة أصول الديانة المسيحية للتمكن من الرد على ما يُروجونه حول الإسلام ولضرب الأسس العقدية لديهم، ولذلك كان شديد الحرص على اقتناء نسخ الأناجيل المختلفة ودراستها.

وقد ركَّز في دراساته هذه على مجموعةٍ من الأصول العقيدية لدى الديانة المسيحية بعد تحريفها على أيدي "بولس الرسول" و"بطرس الرسول" وغيرهما من الآباء الأوائل للمسيحية في صورتها الحالية، ومن بين ما ركَّز عليه قضية "الثالوث المقدس" لدى المسيحيين ومسألة "صلب المسيح"، وهذه المسألة بالذات كانت محل مناظرة ساخنة له جرت وقائعها في بريطانيا مع المبشر الجنرال "واكفيلد".

وأيضًا كانت فكرة تحريف الإنجيل كتاب الله تعالى المقدس على أيدي رجال الدين المسيحيين الأوائل محل اهتمام من جانب شيخنا الراحل؛ حيث دخل في مناظرة مهمة أيضًا له حول هذه المسألة التي أوردها في كتابه الموسوم "هل الكتاب المقدس كلام الله..؟" وكان مناظره هو القس "ستانلي سجوبرج" في العاصمة السويدية ستوكهولم، وجرت وقائعها يوم 27 أكتوبر من العام 1991م.

وإلى جانب هذه القضية فإنَّ مسالة التنصير والنشاط المحموم للغرب في هذا المجال كان أحد أهم المجالات التي اهتمَّ بها الداعية الراحل على مستويين؛ الأول وهو التصدي لأساليب المستشرقين والمنصرين والكشف عنها والعمل على التحذير منها، والجانب الثاني هو الجانب المتعلق بالاتصال بالأقليات والشعوب الإسلامية الموجودة في العالم، وبالذات تلك التي تكون عرضة أكثر من غيرها للنشاط التبشيري ومن بينها الشعوب الإسلامية في جنوب شرق آسيا والأقليات الإسلامية في كل من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا.

ومع الأهمية الثقافية والدعوية التي يمثلها ديدات وحجم الانتشار الذي حققه فإنَّ مكتبه في مدينة "ديربان" الجنوب أفريقية كان يصلها حتى وفاته- رحمه الله- أكثر 500 رسالة يوميًّا يطلب مرسلوها في غالبية الأحوال نسخًا من مناظراته وكتبه، كما أنَّ زوار مسجده الكبير في "ديربان" من الأجانب كان يصل تعدادهم في بعض الأحيان إلى أربعمائة سائح أجنبي يوميًّا يتم استقبالهم وضيافتهم من قبل طلبة الشيخ وتلاميذه، كما يتم إهداؤهم كتبه ومحاضراته ومناظراته التي جاءوا يطلبونها.

ومع أهمية الرسالة التي بدأها فإنه فيما يخص منهجه حاول قبل وفاته أن يقوم بـ"توريث" هذا المنهج لضمان استمرار العملية الدعوية والفكرية الإسلامية بالمناظرة على أهمية هذا الأسلوب فأنشأ 6 وقفيات في "ديربان" من بينها "المركز العالمي للدعوة الإسلامية"، كما أنَّ هناك وقفية أخرى لتشغيل معاهد مهنية لتدريب المهتدين الجدد إلى الإسلام على حرف جديدة مثل النجارة والكهرباء.

ديدات الإنسان

كما يعتبر ديدات أحد أهم رجال الدعوة الإسلامية والفكر الإسلامي المعاصر بجانب رجال عظام من أمثال الإمام الشهيد "حسن البنا" والشيخ "محمد عبده" والشيخ "جمال الدين الأفغاني" وغيرهم فإنه أيضًا يعتبر على الجانب الإنساني من شخصيته- رحمه الله- أحد البشر النادري الوجود في هذا الزمن كأبٍ وزوجٍ.

وللشيخ ديدات- رحمه الله- موقف طريف مع الزواج؛ حيث أفلحت مشروعاته الإنسانية في هذا الشأن بعد نحو 33 محاولة إلى أن منَّ الله تعالى عليه بالزوجة الصالحة السيدة "حواء حسين" التي أنجب منها ولدين وبنتًا، وكان العلامة الراحل يُطلق عليها لذلك لقب "أم الأمهات".

وفي مقالٍ لها عن الشيخ الراحل تقول "داليا يوسف" محررة صفحة ثقافة وفن بموقع (إسلام أون لاين) تُحدِّثنا عن أسرة الداعية "أحمد ديدات" فتقول: "وللشيخ 3 أبناء هم إبراهيم الابن الأكبر وهو مقيم حاليًا بالولايات المتحدة والابنة رقية التي تُوفيت منذ عدة سنوات وتكفل الشيخ في نفس عام وفاتها بابنتها سمية التي تزوجت وتعيش في السعودية ويوسف الابن الأصغر"، ويوسف هذا أصرَّ على مرافقة والده والإقامة معه حتى وفاته، وقال في هذا السياق: "إنَّ والدي يعتبر كل يوم تظل فيه أمي على قيد الحياة يوم ميلادٍ وعيدًا لنا جميعًا".

ديدات وقضايا الأمة

وللداعية الراحل مواقف عديدة في صدد مختلف قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين مع ارتباطها بقضية "القدس" قلب قضايا العالم الإسلامي، ومن مواقفه في هذا الصدد ما ورد على لسانه في حديث له مع عدد من الصحفيين الأمريكيين أتوا إلى زيارته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م ليحاوروه، وكان من بين أسئلتهم له: "ماذا كنت تفعل بعدما حدث لو كنت رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية؟ فأجابه الداعية الراحل وكان المرض قد أقعده: "كنتُ سأعمل على أن تؤدي ربيبتي "إسرائيل" العدلَ تجاه الفلسطينيين.. أوقفوا ما يحدث وكونوا عدولاً".

هذا هو الشيخ العلامة الراحل "أحمد ديدات".. داعية فريدًا ورمزًا إنسانيًّا مُهمًّا، فرحمه الله تعالى وجزاه خيرًا عن كل كلمةٍ قالها وكل نفس دخلت الإسلامَ بسببه وجهوده في خدمة الدعوة.

المصدر