أبو الأعلى المودودي داعية تحكيم الشريعة في العصر الحديث
بقلم:محمد سيد بركة
محتويات
مقدمة
نتيجة لشهرة المودودي واتساع دائرة تأثيره الفكري في العالم الإسلامي، دعاه المفكر والفليسوف محمد إقبال في سنة (1356هـ/1937م) إلى لاهور؛ ليمارس نشاطه الإسلامي البارز بها، فلبى المودودى دعوة إقبال.
رأى المودودي أنه لابد من عمل جماعي منظم فبدأ حركته الإسلامية التي تهدف إلى تعميق الإسلام لدى طبقة المفكرين المسلمين والدعوة إلى الإسلام حتى أسس الجماعة الإسلامية في لاهور فى كتاب "التفسير السياسي للإسلام "الصادر فى رمضان 1398هـ يناقش الأستاذ أبو الحسن الندوى بعض أفكار أخيه المودودى ،فيترجم إعجابه الكبير بمقالته القيمة التي كان يكتبها في مجلته الغراء" ترجمان القران "
أبو الأعلى المودودي علم من أعلام الإسلام المعاصرين، ومفكر من مفكريه، وداعية من دعاته، أتاه الله الحكمة وبعد النظر، والعمق في الفهم، والصبر على العلم ،والتأمل في الواقع ،والدراسة الميدانية للأفكار الرائجة، والأوضاع السائدة، والتتبع لمصادر المعرفة وتمييزها وتوثيقها، والنقد الموضوعي لحضارة الغرب، بأخذ الصالح منها وطرح الضار، وتقديم الإسلام كحل لمشكلات الحياة في جميع جوانبها.
مولده ونشأتهينتمي أبو الأعلى المودودي إلى أسرة تمتد جذورها إلى شبه جزيرة العرب فقد هاجرت أسرته منذ أكثر من ألف عام إلى جشت بالقرب من مدينة هراه ثم رحل جده الأكبر "ضواجه مودود "إلى الهند في أواخر القرن التاسع الهجري .
وكان أبوه سيد احمد حسن مودود الذي ولد في دلهي بالهند سنة (1266هـ=1850م) واحدا من طلاب جامعة عليكرة ثم عمل مدرسا ،ثم عمل بالمحاماة ،وفى(3من رجب 1321هـ=25من سبتمبر 1903م) رزق بابنه "أبو الأعلى المودودي "،وبعد ذلك بنحو عام اعتزل الأب الناس ،ومال إلى الزهد ،فنشا أبو الأعلى في ذلك الجو الصوفي وتفتحت عيناه على تلك الحياة التي تفيض بالزهد والورع والتقوى .
وقضى ابو الأعلى طفولته الأولى فى مسقط رأسه فى مدينة "اورنك أباد الدكن "بمقاطعة حيدر أباد ،وكان أبوه هو معلمه الأول ،وقد حرص أبوه على تنشئته تنشئه دينيه،واهتم بتلقينه قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي ،وكان يصحبه الى مجالس أصدقائه من رجال الدين والعلماء ، فتفتحت ملكاته وظهر نبوغه وذكاؤه منذ حداثة سنه ،ونال إعجاب أساتذته منذ سنوات دراسته الأولى .
وحرص أبوه على تعليمه اللغة العربية الفارسية بالإضافة الى الفقه والحديث ،واقبل المودودى على التعليم بجد واهتمام حتى اجتاز امتحان مولوى ،وهو ما يعادل الليسانس .
وفى هذه الأثناء أصيب الأب بشلل ،وأصبح قعيدا بلا حراك ،وضاقت سبل العيش بالأسرة والأبناء ،فكان على المودودى ان يكافح من اجل لقمة العيش ،وقد وهبه الله ملكة الكتابة التي صقلها بالقراءة والمطالعة ،فقرر أبو الأعلى أن يجعل من قلمة وسيلة للرزق وكان أخوه الأكبر "سيد أبو الخير "مديرا لتحرير جريدة مدينة بجنور فعمل المودودى محررا بالجريدة ،الا انه لم يستمر طويلا بها ،فقد أغلقت الحكومة الجريدة ،فانتقل بعد ذلك إلى جريد تاج التي كانت تصدر أسبوعيا من جبلبور ،ثم أصبحت تصدر يوميا .
وكان من نتيجة عمله بالصحافة أن سعى المودودى إلى تعلم اللغة الإنجليزية حتى أتقنها وصار بإمكانه الاطلاع على كتب التاريخ والفلسفة والاجتماع ومقارنة الأديان فى الإنجليزية دون أي صعوبة في فهمها واستيعابها .
وما لبثت الحكومة ان أغلقت تلك الجريدة ،فعاد المودودى إلى"دلهي "واشترك مع جمعية علماء الهند فى إصدار جريدة مسلم ،وصار مديرا لتحريرها لمدة ثلاث سنوات حتى أغلقت عام (1341هـ=1922م)فانتقل إلى بهوبال ،ثم عاد مرة أخرى الى دلهي سنة "1342هـ=1923م)،حيث تولى الإشراف على إصدار جريدة تصدرها جمعية علماء الهند تحمل اسم الجمعية ،وظل يتحمل وحدة عبء إصدارها حتى سنة (1347 هـ=1928م ) .
ويعد أبو الأعلى المودودي نموذجًا فريدًا للداعية الإسلامي المجتهد الذي أوقف حياته على الدعوة إلى الإسلام، وجعل رسالته في الحياة إعلاء كلمة الحق، والتمكين للإسلام في قلوب أتباعه قبل ربوعه وأوطانه.
وكان لإخلاصه في دعوته واجتهاده في رسالته أكبر الأثر في التفاف الكثيرين حوله، وانضوائهم تحت لواء فكره الذي تخطى حدود القومية ونطاق المكان وتجاوز آثار اللغة، فترجمت إلى معظم لغات العالم؛ لتظل ينبوعًا متجددًا لعطائه الفكري والد عوي الذي تجاوز مرحلة الدعوة باللسان والتنظير الفكري إلى مجال التطبيق العملي للتشريع الإسلامي حكمًا وقيادة ومعاملات .
أبو الأعلى المودودي والفكر السياسي
لقد أدى تراكم غبار الزمان وحملات المدنية الغربية إلى اختفاء كثير من الجوانب الحياتية للإسلام والمعارف الإسلامية؛ حتى بالنسبة للمسلمين أنفسهم؛ فحرمت فئة كبيرة منهم من ينبوع الوحي الخالد فبحث المودودى عن النظريات السياسية في الإسلام التي ينبغي أن ندرك كنهها ولا نغفل عنها أبدًا، فالإسلام ليس بمجموعة من الأفكار المبعثرة والطرق المتفرقة للعمل،حشدت فيها من هنا وهناك أشياء لا صلة لبعضها بالبعض الآخر بل هو نظام جامع محكم أسس على مبادئ حكيمة متقنة.
وتحدث المودودى عن قضايا مهمة مثل مفهوم الإله والرب وعن تأليه الناس للناس ومهمة الأنبياء الحقيقية في التصدي لذلك ، ثم تكلم عن الخصائص الأولية للدولة الإسلامية ومن أهمها: الحاكمية المطلقة لله؛ فليس لفرد أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب التشريع لأنه من خصائص الألوهية، والتشريع أيضًا من عند الله، والدولة الإسلامية لا تستحق طاعة الناس إلا من حيث إنها تحكم بما أنزل الله وتنفذ أمره تعالى فى خلقه.
وقد قام أبو الأعلى المودودي بشرح نظرية الإسلام وهديه في السياسية والقانون والدستور، وبين أن على الدولة أن تعمل على توكيد ما بين مسلمي العالم من أواصر الأخوة والاتحاد، وأن تسعى للمحافظة على وحدة الأمة الإسلامية وتكفل الدولة الحاجات اللازمة للإنسان كالمآكل والملبس والمسكن والعلاج والتعليم، ويتمتع أهل البلاد في حدود القانون بجميع الحقوق التي منحتها إياهم الشريعة الإسلامية .
كما تكلم بإسهاب عن أهل الذمة فى الإسلام، وبين أنهم يتمتعون في ضمن حدود القانون بحرية تامة في ديانتهم وعبادتهم وثقافتهم وتعليمهم الديني، وكذلك يكون من حقهم أن يطالبوا بالقضاء في أحوالهم الشخصية حسب قانونهم الديني أو رسومهم وتقاليدهم.
ونتيجة لشهرة المودودي واتساع دائرة تأثيره الفكري في العالم الإسلامي، دعاه المفكر والفليسوف محمد إقبال في سنة (1356هـ/1937م) إلى لاهور؛ ليمارس نشاطه الإسلامي البارز بها، فلبى المودودى دعوة إقبال.
حيث أنه في عام 1928 تم كتابه (الجهاد في الإسلام )الذي حقق عالمية وانتشاراً، وقد كتبه ردًا على مزاعم غاندي التي يدعي فيها أن الإسلام انتشر بحد السيف.
وفى عام (1351هـ/1932م) أصدر صحيفة ترجمان القرآن من حيدر آباد الركن، وكان شعارها :
(احملوا أيها المسلمون دعوة القرآن وانهضوا وحلقوا فوق العالم )
وكان تأثير المودودي عبر ترجمان القرآن من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار التيار الإسلامي في الهند، وزيادة قوته وقد تبلور ذلك في حزب الرابطة الإسلامية، وتأكد ذلك في دعوته في المؤتمر الذي عقد في لنكو سنة (1356هـ=1937م) إلى الاستقلال الذاتي للولايات ذات الأغلبية الإسلامية.
وكان شاعر الهند الكبير محمد إقبال من المعنيين كذلك بكتابات المودودى، وكتب ذات مرة إن هذا الشيخ يعرض دين الرسول "صلى الله عليه وسلم" بقلم مداده الدم ) أما المودودي فيقول: "كان بيني وبين إقبال انسجام كبير في الآراء، والمخطط الذي كان في ذهني؛ كان نفسه في ذهن إقبال".
حتى أن المودودى حين بلغته وفاة إقبال بكى قائلاً: "فقدت أكبر سند لي في الدنيا بموت هذا الرجل العظيم ".. وبعدها بوقت قصير ذهب إلى لاهور وقبل عرضًا من كلية "حماية الإسلام "بأن يكون محاضرًا شرقيًا، وألقى محاضرات عن الإسلام لمدة عام كما ألقى محاضرات في عدة جامعات أخري .
وعندما توفي إقبال في العام التالي (1357هـ/1938م) تاركًا فراغًا كبيرًا في مجال الفكر والدعوة؛ اتجهت الأنظار إلى المودودى ليملأ هذا الفراغ الذي ظهر بعد رحيل إقبال.
وبلغت شهرته آفاق العالم الإسلامي فممن قرنوا به دائما سيد قطب الذي رأى الكثيرون تشابها في أفكارهما ؛حتى أن المودودي ذاته أكد على هذا التشابه ،فقد روى الشيخ "خليل الحامدي" سكرتير الشيخ المودودى عنه ذلك قائلا :في أحد أعوام الستينات بمكة المكرمة دخل شاب عربي مسلم على الأستاذ المودودي وقدم له كتاب "معالم في الطريق " لمؤلفه "سيد قطب " وقرأه الأستاذ المودودي في ليلة واحدة وفى الصباح قال لي كأني أنا الذي ألفت هذا الكتاب وأبدى دهشته من التقارب الفكري بينه وبين سيد قطب ثم استدرك يقول "لا عجب ؛فمصدر أفكاره و أفكاري واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" وكان سيد قطب رحمه الله يسمى المودودي(المسلم العظيم) .
وأما عن علاقة الحب والإخاء التي كان يكنها المودودي لقطب رغم بعد المسافة بينهما فيحكى خليل الحامدي قائلا :غداة تنفيذ حكم الإعدام بالشهيد بإذن الله سيد قطب دخلنا على المودودى في غرفته ،وكانت الصحافة الباكستانية قد أبرزت الخبر على صفحاتها الأولي ،ألا انه لم يكن قد قرأه بعد فسبقنا وقص علينا المودودي كيف انه أحس فجأة باختناق شديد ولم يدرك لذلك سببا ثم عرف أنه وقت إعدام الشهيد بإذن الله سيد قطب .
رأى المودودي أنه لابد من عمل جماعي منظم فبدأ المودودى حركته الإسلامية التي تهدف إلى تعميق الإسلام لدى طبقة المفكرين المسلمين والدعوة إلى الإسلام حتى أسس الجماعة الإسلامية في لاهور وتم انتخابه أميرا لها في (3 من شعبان 1360هـ=26 من أغسطس 1941م) وبعد ذلك بعامين في (1362هـ=1943م) نقلت الجماعة الإسلامية مركزها الرئيسي من لاهور إلى دار السلام إحدى قرى بتها نكوت –وكان المودودي طوال هذه الفترة لا يكف عن الكتابة والتأليف ،فأصدر عدة كتب من أهمها :المصطلحات الأربعة في القران ،والإسلام والجاهلية ودين الحق والأسس الأخلاقية الإسلامية وغيرها.
ومع إعلان قيام دولة باكستان فى (11من شوال 1366هـ=28من أغسطس 1947م)،انتقل المودودى مع زملائه الى لاهور حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية بها وفى صفر 1367ه =يناير 1948م بعد قيام باكستان بنحو خمسة عشر اشهر ألقى المودودى أول خطاب له فى كلية الحقوق وطالب بتشكيل النظام الباكستاني طبق للقانون الإسلامي .
وظل المودودي يلح على مطالبه الحكومة بهذا المطلب وقد ألقى خطابا أخر في اجتماع عام بكراتشى في ربيع الآخر 1367هـ=مارس 1948م) تحت عنوان "المطالبة الإسلامية بالنظام الإسلامي " .
هذا النشاط الدءوب اقلق الحكومات حيث بدأت الجماعة الإسلامية فى الضغط على الحكومة ومجلس سن القوانين للموافقة على المطالب التى قدمها المودودى بجعل القانون الأساسي لباكستان هو الشريعة الإسلامية ،وان تقوم الحكومة الباكستانية بتحديد سلطتها طبقا لحدود الشريعة .
وحينما عجزت الحكومة عن الرد على تلك المطالب قامت في غرة ذي الحجة 1367هـ =4من أكتوبر 1948مباعتقال المودودى وعدد من قادة الجماعة الإسلامية ولكن ذلك لم يصرف المودودى وبقية أعضاء الحركة من الاستمرار في المطالبة بتطبيق النظام الإسلامي وإظهار الأهداف التي يحدد الوجهة الإسلامية الصحيحة لباكستان في(13من جمادى الأولى 1368هـ =12من مارس 1949م ) وبعد ذلك بنحو عام (11من شعبان1369 هـ =28من مايو1950 م)اضطرت الحكومة الى إطلاق سراح المودودى وزملائه .
وبدأت الجماعة الإسلامية دراسة قرار الأهداف الموضوعة في حيز التنفيذ وفى الوقت نفسه كانت الحكومة -التي أقلقها مطالب الشعب-تسعى إلى وضع مقترحاتها الدستورية قد
أعطت لنفسها سلطات واسعة للسيطرة على الرعية فقام المودودى بإلقاء خطاب في اجتماع عام بلاهور في(3من المحرم1370 هـ=14من اكتوبر1950 م) قام فيه بتوجيه النقد إلى تلك المقترحات التي تمهد الطريق للديكتاتورية ،فثار الرأي العام مما اضطر الحكومة إلى التراجع وتحدث إلى علماء الجماعة الإسلامية أن يجتمعوا على ترتيب مسودة دستور إسلامي وقبل العلماء التحدي فاجتمع (31) عالما يمثلون المذاهب المختلفة في (13من ربيع الآخر 1370هـ =21من يناير 1951م )بمدينة كراتشى واشترك المودودى معهم فى صياغة النقاط الدستورية التي اتفقوا عليها ولكن الحكومة قابلت المقترحات الدستورية التي تقدمت بها الجبهة الإسلامية بالصمت ،وإزاء ذلك قامت الحركة الإسلامية بعقد عدة اجتماعات شعبية فقامت الحكومة بإعلان الأحكام العسكرية في لاهور في (20من جمادى الآخر 1372هـ =6من مارس 1953م) .
وفى (13من رجب 1372هـ =28من مارس 1953 م )تم اعتقال المودودى للمرة الثانية مع اثنين من زملائه دون توضيح أسباب هذا الاعتقال ثم أطلق سراحهم بعد نحو شهر ونصف في(23من شعبان 1372هـ=7من مايو 1953م)ولكن ما لبث ان تم اعتقالهم مرة أخرى فى اليوم التالي مباشرة .
وحكم علية بالإعدام ..فبعد أربعة أيام فقط من اعتقاله حكم عليه بالإعدام وهو ما أدى إلى حدوث ثورة من الغضب الشديد في معظم أنحاء العالم الإسلامي وتوالت البرقيات من كل مكان تشجب هذا الحكم حتى اضطرت الحكومة الى تخفيف حكم الإعدام والحكم عليه بالسجن مدى الحياة ولكن ردود الفعل الرافضة لهذا الحكم أدت إلى إصدار حكم بالعفو عن المودودى فى (1374هـ=1955م)
ومع بداية عام (1375هـ=1956م) رضخت الحكومة لمطالب الشعب بإصدار دستور إسلامي للبلاد ،ولكن ما لبثت أن أعلنت عن دستور جديد فى (1382هـ =1963م) .
ثم أصدرت قرارا بحظر نشاط الجماعة وتم اعتقال المودودى و(63)من زملائه ولكن القضاء اصدر حكما ببطلان الحظر والاعتقال وأطلق سراح المودودى وزملائه فى (جمادى الآخر 1384هـ =أكتوبر 1964م) .
وعندما قامت الحرب بين باكستان والهند فى (جمادى الأولى 1385 هـ =سبتمبر 1965 م ) كان للمودودى والجماعة الإسلامية دور بارز فى الشحذ المعنوي للجماهير ومساعدة مهجري الحرب كا ساهمت الجماعة بشكل إيجابي فى الإمداد الطبي فأقامت نحو 20 مركزا للإمداد الطبي فى أزار كشمير ألقى المودودى عدة خطب عن الجهاد .
وفى رمضان 1386هـ=يناير 1967 م قامت الحكومة باعتقال المودودى لمدة شهرين وبعد ان أطلق سراحة ظل يمارس دوره الدعوى فى شجاعة وإيمان فكان من ابرز دعاة الحرية والوحدة وظل يحذر الشعب من مساندة الجماعات الانفصالية حتى لا ينقسم الوطن ويقع في حرب أهلية لا يعلم مداها الا الله .
والمودودى هو صاحب فكرة ومشروع إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وبعد إنشائها صار عضوا في مجلس الجامعة وكان عضوا مؤسسا فى المجلس التاسيسى لرابطة العالم الإسلامي وفى رمضان 1392هـ=نوفمبر1972 م بعد نحو ثلاثين عاما من الكفاح الطويل –طلب المودودى إعفاءه من منصبه كأمير للجماعة الإسلامية لاسباب صحية وانصرف الى البحث والكتابة فاكمل كتاب ( تفهيم القران) وشرع فى كتابة سيرة النبي "صلى الله عليه وسلم ".
وفى 1399هـ =1979م فاز المودودي بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام فكان أول من حصل على تلك الجائزة تقديرا لجهوده المخلصة في مجال خدمة الإسلام والمسلمين .:
أبو الحسن الندوى ونقد المودودى
فى كتاب "التفسير السياسي للإسلام "الصادر فى رمضان 1398هـ يناقش الأستاذ أبو الحسن الندوى بعض أفكار أخيه المودودى ،فيترجم إعجابه الكبير بمقالته القيمة التي كان يكتبها في مجلته الغراء" ترجمان القرآن "فى نقد الحضارة الغربية ونظام الحياة الغربية التي تتميز بأسلوبها الهجومي ونقدمها اللاذع لحركة التقدمية والتجدد وفكرة القومية المتطرفة التي نجمت وباضت وفرخت فى حضن الثقافة الغربية وكذلك موضوعات وقضايا فى صميم الشريعة الإسلامية وما سطر من قلمه مقالات قوية مؤثرة معضدة بالدلائل أمثال "الربا" و"الحجاب" و"الجهاد" و"الأضحية"والرق "و"حجية الكتاب والسنة" و"الأحوال الشخصية"
وما إليها من المسائل الهامة "حتى انتهى الندوي الى القول بأنه "سيكون من الإجحاف الكبير ألا نوفيه حقه من الاعتراف بما لعبته مقالاته هذه ومؤلفاته ووسائله المستقلة من دور رائع فى اعادة الثقة الى الطبقة الذكية المثقفة ثقافة غربية بالإسلام وبقيمه وتصوراته وفى تخليصها من مركب النقص ونفسية الهزيمة الداخلية حيال الإسلاموتعاليمه مما جعل بعض الكتاب يدعونه "متكلم الإسلام " .
من ثم يقف على بعض النقاط التى يرى شذوذها عن الخط الذي يطريه فى كتابات المودودى فيقول" ان الأستاذ المودودى من خلالها " يمارس عملا آخر نستطيع ان نسميه " الصياغة الجديدة للفكر الإسلامي "او "الصياغة الجديدة للإلهيات الإسلامية ويشرح ذلك بانه يعنى كتابه "المصطلحات الأربعة فى القران " الذي فسر فيه تلك المصطلحات تفسيرا خاصا يتميز بالطابع السياسي ويدور حول "حاكمية الإله " و" سلطان الرب" يحدد علاقة العبد بربه فى حدود "تأسيس "الحكم الإسلامي "و"إقامة الحكومة الآلهة "فحسب والمصطلحات الأربعة التى يدور حولها كتاب الإمام المودودى هى :الإله والرب والدين والعبادة وخلاصة ما ذهب إليه بشأنها هو انها المحور الذي
يدور حوله الكيان الإسلامي كله وان مفهومها الصريح الواضح فى الحقب الأولى قد تغير في تصور المسلمين اللاحقين تغيرا افقدها روحها وفاعليتها حتى باتت العقيدة في الألوهية والربوبية محدودة الأثر في حياة جماهير الأمة بل اقرب الى الموت لا تحرك ساكنا لتنفيذ شريعة الله وبذلك استحالت العبادة حركات لا مردود لها فى نطاق الطاعة الواجبة لأوامر الله ونواهيه .
فالمسلم في عبادته الخالية من روح الوعي لحقائق الإسلام و العمل بها شانه كشان الخادم الذي يكتفي من تعظيم مخدومه بترديد اسمه و القيام بين يديه دون ام يقوم بتنفيذ أي من تعليماته الحاسمة و في تمثيل آخر يشبهه بالمريض الذي كتب له الطبيب الحاذق و صفة شافية لكنه بدلا من استعماله الدواء الموصوف اكتفي بقراءة الوصفة و ترديد كلماتها .
و لكي يتم القيام بمضمون المصطلحات الأربعة بنظر المودودي لا بد من الجمع بين التلبس بالعقيدة السليمة في الألوهية و الربوبية و التزام العبادة الحقة مع النهوض بواجب التنفيذ لأوامر الله التي في رأسها السعي لاقامة حكم الله في الأرض و إزالة ظلمات الشرك عن عباده حتي ليجعل أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين مقررات تدريبية لتحقيق هذا الهدف .
و مآخذ سماحة الشيخ ابي الحسن الندوي علي هذه الأفكار المتحدة عند المودودي و سيد قطب انها تفرغ العبادة من صفتي الذل و الحب التي يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية إنها العبادة "تتضمن معني الذل و معني الحب اذ تتضمن غاية الذل لله تعالي بغاية المحبة له " و هو مأخذ لا مندوحة من النظر إليه لان تجربة المؤمن الذاتية بل اليومية تؤكد له ان علاقته بربه قائمة علي الرغبة و الرهبة أما ثناء الندوى على المودودي:يقول أبو الحسن الندوي عن المودودي و تأثيره في الجيل المسلم : ( إنني لا اعرف رجلا اثر في الجيل الإسلامي الجديد فكريا و عمليا مثل المودودى ،فقد قامت دعوته على أسس علمية ،أعمق وامتن من أسس تقوم عليها دعوات سياسية ،وردود فعل للاستعمار الأجنبي وكانت كتاباته وبحوثه موجهة إلى معرفة طبيعة هذه الحضارة الغربية وفلسفتها في الحياة وتحليلها تحليلا علميا قلما يوجد له نظير في الزمن القريب ولقد عرض الإسلام ونظم حياته وأوضاع حضارته وحكمة سياساته وصياغته للمجتمع والحياة وقيادته للركب البشرى والمسيرة الإنسانية في أسلوب علمي رصين وفى لغة عصرية تتفق مع نفسية الجيل المثقف وتملا الفراغ الذي يوجد في الأدب الإسلامي من زمن طويل ) .
مؤلفات الإمام المودودى
خلف المودودى تراثا علميا ضخما بلغ اكثر من سبعين مؤلفا من ابرزها :
-الجهاد فى الإسلام وقد الفه سنة (1347هـ=1928م) .
-الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ..الحضارة الإسلامية (أصولها ومبادئها ) :وقد كتبه سنة (1350هـ=1932م) ..
-نظرية الإسلام السياسية :كتبة سنة (1358هـ=1939م) .
-تجديد واحياء الدين كتبه سنة (_1359هـ=1940م) .
-المصطلحات الأربعة الأساسية في القران :كتبه سنة (1360هـ=1940م) .
-الإسلام والجاهلية كتبه سنة (1360هـ=1941م) .
-الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية :كتبه سنة (1364هـ=1945م) .
-الدين الحق : كتبه سنة ( 1366 هـ=1947م ).
-نظام الحياة الإسلامي : كتبه سنة (1367هـ=1948م) .
-حقوق أهل الذمة كتبه سنة (1367هـ=1948م).
-مطالب الإسلام تجاه المراه المسلمة :كتبه سنة (1372هـ=1953م) .
- القاديانية:كتبه سنة (1372هـ=1953م)
-تفسير تفهيم القران :ويقع فى ستة أجزاء وقد بدا كتابته سنة (1360هـ=1941)،أتمه في سنة (1392هـ =1972م) .
-سيرة النبي "صلى الله عليه وسلم" وقد شرح فى تأليفه سنة (1392هـ=1972م)أتمه قبيل وفاته ،وهو آخر مؤلفاته .
وقد حظيت مؤلفات المودودى بشهرة عريضة في جميع أنحاء العالم ولقيت قبولا واسعا في قلوب المسلمين في شتى البقاع ،فترجم الكثير منها إلى العديد من اللغات ،حتى بلغ عدد اللغات التي ترجمة مصنفات المودودى إليها ستة عشر لغة ،ومنها :الإنجليزية ،العربية ،والألمانية ،والفرنسية،والهندية ،والبنغالية ،والتركية ،والسندية ..،ونالت استحسان ورضا المسلمين على شتى مستوياتهم واتجاهاتهم وانطفا المصباح .
وفى غرة ذي القعدة 1399هـ=22من سبتمبر 1979م انطفأت تلك الجذوة التي أضاءت الطريق إلى الرشد والهداية للكثير من المسلمين ورحل المودودى عن عالمنا إلى رحاب ربه ولكنه بقى بأفكاره وتعاليمه ومؤلفاته الجليلة ليظل قدوة للدعاه على مر العصور ونبعا صافيا من منابع الإسلام الصافى والعقيدة الخالصة
مصادر الدراسة :
-أبو الأعلى المودودي فكرة ودعوته :سمير عبد الحميد –دار الأنصار –القاهرة:1399هـ=1979م.
-أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية :د.محمد عمارة –دار الشروق القاهرة :1407هـ=1987 م .
-النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين :د.محمد رجب البيومى (الجزء الثالث )-سلسلة البحوث الإسلامية :السنة 13 الكتاب الأول :مجمع البحوث الإسلامية –القاهرة :(1402هـ=1982م) .
-مجلة الأمة القطرية –العدد التاسع –السنة الأولى –1401هـ /1981م
المصدر
- مقال:أبو الأعلى المودودي داعية تحكيم الشريعة في العصر الحديث موقع : لواء الشريعة