أبعـــد مـــن مجـــرد محاضـــرة
بقلم: الأستاذ عبد القادر الأسمر

أكثر من اشارة ايجابية التقطها حضور المحاضرة التي ألقاها الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان إبراهيم المصري في قاعة الداعية المرحوم فتحي يكن في جامعة الجنان بطرابلس ضمن سلسلة المحاضرات التي تنظمها مؤسسة فتحي يكن الفكرية الإنسانية في الخميس الأول من كل شهر.
لم يكن عنوان المحاضرة «هل الحركة الإسلامية ضرورة؟» عامل الجذب الأول للحاضرين الذين غصت بهم القاعة فحسب، بل إن مجيء الأمين العام للجماعة ملبياً دعوة مؤسسة فتحي يكن كان أيضاً مؤشر رضى الوافدين الى هذه القاعة على هذه المبادرة اللافتة التي أقدمت عليها المؤسسة، أو بالأحرى، رئيسها سالم فتحي يكن بدعوة الشيخ إبراهيم المصري، ما أثلج صدور الحاضرين، ووجدوا في هذه المشاركة رداً مفحماً وصفعة قوية لبعض الذين يصطادون في الماء العكر ويسعون في الأرض فساداً، ويعملون على زعزعة العلاقات بين العاملين في الحركة الإسلامية ويسرهم استمرار حال الجفاء، أو البرود في ما بينهم ويغيظهم أن يلتقوا ويتشاربوا ويتزاوروا ولو في مناسبة.
وقد أكدت الكلمات المتبادلة في مستهل المحاضرة مدى ارتقاء المشاعر والاستمساك بأمر الله الداعي الى ان يكون المؤمنون رحماء في ما بينهم.
وكانت كلمة الترحيب التي قدم بها سالم يكن «الأخ إبراهيم المصري» مفعمة بالود والحرص على التلاقي إنفاذاً لعهد الداعية يكن ودعوته الداعمة الى مثل هذه الأجواء الأخوية التي لا مناص لنا منها امام اجتماع اعداء هذا الدين على اختلاف نحلهم وانتماءاتهم، في ما يبدو من العار والكبر والجهل بمنطوق هذه الشريعة السمحة ألاّ نذلل العقبات ونشذب التواءات ونعمد الى استنباط القواسم المشتركة فيما بيننا - وما أكثرها - حتى نكون كالبنيان المرصوص يشد بعضنا بعضاً.
أما استهلال الشيخ المصري لمحاضرته بكلمة من القلب مؤثرة في استذكار الداعية يكن فقد هذبت افئدة المستمعين في قوله الذي لوحظ عليه التأثر عندما قال: «لا أستطيع ان أبدأ حديثي وأنا في القاعة التي اعتدنا فيها أن نزور الأخ الداعية الفقيد فتحي يكن في المناسبات والأعياد إلا ان أتصوره وهو يستقبلنا ويرحب بنا... أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وان يجزي نجله خير الجزاء ويوفق مساعيه من أجل مزيد من العطاء والقوة لإتمام المسيرة التي بدأها فتحي يكن على مستوى لبنان والعالم العربي..».
ولن ننسى بالتأكيد حضور الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي، (الأمانة العامة) الشيخ بلال سعيد شعبان وما يحمله من دلالات لا يمكن أن يغفلها أحد، فلقد استشعر الحضور أنهم في ازاء مشهد يتمنون ألا يكون عابراً، وأن تستمر مثل هذه اللقاءات تحت أي عنوان، ولو على الأقل في المناسبات والمحاضرات والندوات لكي تتبدد كل شائعة ترمي الى العبث في هذا المجال.
طبعاً لقد عشنا في أجواء نشأة الحركات الإسلامية مع محاضرنا الذي استطاع ضغط احداث قرن كامل في أقل من نصف ساعة لينتقل بنا الى أهمية وجود الحركة الإسلامية التي تحدّ من البلادة والتطرف في آن، منوهاً باجواء الحرية الفكرية في لبنان، الرئة الحرة للحركة.
وأني لأستميح العذر لكل من ابتسم في سره متعجباً - كما يظن - من المبالغة وتضخيم الأمور، لأنه لا يرى في هذه المحاضرة والداعين اليها والحاضرين والمحاضرين ما يدعو الى استدعاء الخيال الواسع لمجرد التقاء حركيين مختلفين في بعض الرؤى السياسية وان الأمر لا يعدو كونه مجرد لياقات تفرضها أجواء هذه المحاضرة.
قد يبدو محقاً - من وجهة نظره - هذا المعترض على توصيفي واستنتاجي ورؤيتي للأمور، وإني لأعذره، ولكني في الواقع لم استطع منع نفسي من التفاؤل والانشراح، والتمني على الله أن تبدأ مسيرة فاعلة وجادة نحو المزيد من التنسيق والتلاقي بين الحركات الاسلامية، من أجل الاتحاد، وانشاء رابطة أو مجلس مشترك يبعث في أبناء الأمة بعض الارتياح والاطمئنان، ويشفي صدور قوم مؤمنين، فيفرح الأخ والصديق ويغتاظ الحاقد والمتآمر.
هل أنا فعلاً «رومانسي» فائق الحساسية وأبالغ في تصوراتي، واشتط بعيداً عن حقيقة ما يجري؟ قد يكون ذلك صحيحاً، وأن كل ما استنتجته لا يحتمل هذا القدر من الاطناب، ولكن أليس من حقي، بل من واجبي، وامنياتي أن أشهد الخطوة الأولى لبدء مسيرة الحركات الإسلامية - الرئيسية على الأقل - في لبنان نحو الحوار والتفهم والتفاهم وتبادل الهموم المشتركة، وطلب الاستنصاح والتشاور، وتبادل العون والرأي والمشورة في القضايا التي تعنيهم جميعاً؟
ولا تستطيع حركة بمفردها التصدي لها ومعالجتها، لذا بات الأمر أكثر إلحاحاً من ذي قبل الى التفكير بعقد لقاءات مشتركة تطرح فيها أسباب هذه الاشكاليات، غير المبررة في معظمها، التي تبعث في نفوس المسلمين التحفظ واليأس من امكانية اجتماع الحركات الاسلامية فيما بينها.
لا ليست مجرد محاضرة فقط، بل هي مؤتمر غير معلن أبدى كل مشارك فيه صدق نيّاته وسلامة طويته، ما يدعونا في هذه المناسبة الى أن نتمنى على المهتمين بتعزيز حضور الحركة الإسلامية ودورها أن يغتنموا هذه المناسبة الثقافية لتؤتي أكلها - بصورة أكيدة - على مختلف الصعد.
نعم إنها أبعد من محاضرة في تلكم الاشارات التي التقطناها من قاعة الفقيد الداعية فتحي يكن يرحمه الله، وان أخطأت فلي أجر على الأقل.
المصدر
- مقال:أبعـــد مـــن مجـــرد محاضـــرةموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان