"لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ"
سُجن ولكنه لم يكن من الصاغرين، وإنما استمرَّ (في محبسه) ، يدعو إلى الله، وينبِّه إلى الصواب، ويبشر بالخير، ويقدِّم المعروف، ثم لما أراد الله أن يسرِّي عنه خرج من ضيق السجن إلى رحبة السلطان، ونعمة الحرية، خرج بريئًا من كل عيب، بل واعترف الجناةُ بذنبهم، وأعلنوا مسئوليتهم عن التزوير والتزييف والبطش، خرج ليتحمَّل مسئولية الحكم والإعاشة لهؤلاء الذين ظلموه، والذين قدّر لهم دائمًا أن يتحمَّلوا وطأة الظلم وشدة البطش "أهل مصر" .
وهذا هو الفساد في كل الأزمنة والعصور، غشوم جائر، لا يرعوي بملَّة أو خلق، ولا يأبه إلا لإزاحة كل مَن يستشعر خطره على إفساده وسوء تصرفاته، وهو لا يرى إلا نفسه ضمينًا لخير شعبه، بل والبشرية جميعًا "مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)" (غافر: من الآية 29).
وها هم أربعون يوسف خلف القضبان ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا "رَبُّنَا اللَّهُ" (فصلت: من الآية 30) ، والعالم كله يقف مكتوف الأيدي في تضامن متوقَّع، وبلادة معهودة؛ لأن الضحية هنا رجال مسلمون، اتخذوا الإصلاح نهجًا، والشريعة سياجه، ونشروا الفضيلة وأصبح لهم فيه أعوان.
أربعون من خيرة رجال هذا البلد قد احتوتهم بلا رحمة زنازين السجون المقرورة، والتقارير المزيفة وجلسات المحاكمة التي يضيَّق عليهم فيها، وقد أحيلوا إلى غير قاضيهم الطبيعي، والأيام تمر بخيرها وشرها، وهم يجنون الأجر على هذا الحبس الظالم، ويجني خصمهم الملل والحسرة يوم لا ينفع الندم.
رجال هم وغيرهم رجال كثير على نفس الطريق لا يغمطون حقَّهم، وكلُّهم يعاني هذا الظلم البيِّن وإن اختلف وضْع هؤلاء لأنهم أمام قاضٍ لا علاقة له بقضيتهم إلا بقرار أُقحم إقحامًا ليحرمَهم من حماية القانون الطبيعي والقاضي الطبيعي للمدنيِّين، وهذا ما أدى إلى لفت أنظار العالم إلى قضيتهم بهذه الشدة، وهم في هذه المعاناة وذلك القهر لمجرد أنهم "أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" (الأعراف: من الآية 82) ، ولأنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.
هذه الكتيبة التي أصبحت مهوى حب الشعوب والأمة جميعًا في كل مكان يعملون فيه، وهنا بيت القصيد، وهذا ما يجب أن يطرحه المتأمل ليزيل الغبش ويرفع الغموض
المصدر
- مقال: "لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ" موقع إخوان برس