"عيوب" سياسة
بقلم : خالد معالي
قضت طبيعة الحالة الفلسطينية أن تتفاعل الأحداث السياسية فيها بسرعة فائقة؛ مشكلة حالة نادرة في عالم اليوم، وفوارق سياسية مختلفة عن تجارب كثيرة حولها؛ إلا أنها في السياق العام لا تخرج عن السنن الكونية، والجدلية التاريخية، التي قضت بزوال الطارئ الدخيل، وبقاء الأصيل المتجذر، القوي بعلمه وإرادته، وإيمانه بحقه.
من غرائب و"عيوب" السياسة الفلسطينية، مع أن هناك من لا يعترف بوجود العيب في السياسة أصلا ولا في غيرها؛ هو الخروج عن منطق الأشياء والمنهجية العلمية في تفسير وتحليل الأحداث، من قبل بعض المحسوبين على قوى سياسية معينة.
من حق أي فرد، أو أي فصيل فلسطيني أن يناظر ويحاجج، ويدعم أفكاره بالأدلة والشواهد؛ ولكن أن يصل به الأمر إلى لي عنق الحقيقة، وتحريف الكلام، والاستخفاف بعقول الناس؛ فهذا أمر غير مقبول إطلاقا، وغير لائق.
"عيوب" السياسة الفلسطينية متنوعة ومعقدة، والهدف من طرحها ليس نشر الغسيل؛ بل هي محاولة متواضعة لتسليط الضوء عليها، عل وعسى تخف حدتها وتأثيرها السلبي في مجريات الأحداث.
نجد مثلا قوى سياسة فلسطينية يلفها التعصب والانغلاق، ولا تعمل إلا بنظرية الكهف؛ فهم منغلقون على أنفسهم ومتقوقعين، ولا يعرفون الحلول الوسط ويتصورون – أو يصورون لأنفسهم- أنهم على الحق المطلق، وغيرهم باطل مطلق، فليس لديهم إلا أبيض أو أسود، ويتناسون وجود ألوان كثيرة ما بين اللونين.
نرى في الحالة الفلسطينية، كثيرا ما يتم قلب الحقائق وتطويعها قصرا؛ خاصة إذا خالفت مصالح أو توجهات قوة معينة. التبعية، والتواطؤ، وقصر النظر؛ هي وغيرها تهم جاهزة وسريعة دون تبصر بالعواقب، عدا عن تصيد الأخطاء والهفوات، والتركيز على السلبيات والعثرات، وترك الايجابيات والانجازات.
المتتبع للثورات العربية، يرى أن بعض القوى الفلسطينية باركتها في بدايتها، ومن ثم انقلبت، وأخذت تتهمها بالرجعية، والتبعية لأمريكا، فكيف يستقيم هذا؟ وحتى أن بعض كتابها ذهبوا بعيدا باتهامها بالعمالة، وهم أيضا من يثيرهم أي لقاء قريب للمصالحة، ومن ثم يأخذوا بالحديث عن "المحاصصة".
ترى كاتب أو محلل أو حتى قيادي لدى فصيل معين، يكتب أو يحلل أو يصرح حول قضية معينة ترتبط بفصيل آخر؛ ويأخذ بالتلاعب بالألفاظ والعبارات، مستخفا ومستهترا بالقارئ أو السامع، ويصل به الحد إلى قلب الحقائق؛ وكأن القارئ من "كوكب آخر" ولا ينعم بنعمة العقل والتمييز، والقدرة على فهم الأمور.
كل من يقوم بخطوات مدروسة علميا، ضمن خطط وبرامج محددة مسبقا، وأهداف قادرة على التحقيق، وواقعية، ينجح ويصل، وان طال الزمن؛ وبالتالي لا يهمه ولا يلتفت لنقيق الضفادع من حوله مهما بلغ ضجيجها.
الضعيف المتباكي- في عالم اليوم لا يحترمه أحد - لا يقدر على تحقيق أهدافه، ومن الطبيعي أن يبحث عن مصادر القوة حتى ينجح في تحقيقها. في الحالة الفلسطينية من الجنون وغير المعقول بقاء حالة الانقسام وعدم المصالحة الحقيقية؛ كون الفرقة والاختلاف وعدم الالتقاء على برنامج وطني موحد؛ تزيد من حالة الضعف والهوان، ويثير شهية "نتنياهو" لالتهام المزيد.
في المنطقة حالتان متناقضتان: حالة دولة الاحتلال التي تتفق وتلتقي ضمن خطوط عريضة لمصلحتها، رغم تنوع واختلال القوى السياسية فيها؛ والحالة الفلسطينية التي لم تتفق القوى السياسية فيها لحد الآن، على برنامج موحد وخطوط عريضة وعامة للنضال نحو الدولة الفلسطينية، وهو ما يؤرق ويوجع قلب كل حر وشريف.
أحيانا قد يختلف المرء مع نفسه حول كيفية اتخاذ قرار صائب في قضية معينة تخصه، ويبحث عن بدائل وحلول أخرى وأقوى لأي مشكلة تواجهه؛ فكيف بنا بمشكلة احتلال ينهش صباح مساء الأرض والإنسان الفلسطيني ويستهدف الجميع.
مع اللقاء المرتقب بين قيادات الشعب الفلسطيني، ومع طول التجربة السابقة، وكل هذا التنكر والصلف الأمريكي والغربي للدولة الفلسطينية المنشودة؛ صار لا بديل عن الوحدة سريعا، والعمل المشترك البناء، وتعزيز قيم التعاون، ضمن برنامج وطني يجمع الجميع ويقود لكنس الاحتلال، وليسجل التاريخ بعدها صفحة مشرقة بعد طول غياب.
المصدر
- مقال:"عيوب" سياسةموقع:الشبكة الدعوية