"الجبهة" اللبنانية الداخلية بعد شهر من الحرب
بقلم : فادي شامية
لا تبدو مواقف الفرقاء اللبنانيين بحال مشجعة لمواجهة احتمال استمرار الحرب أكثر، بالأصل لم يكن معظم اللبنانيين بمن فيهم حزب الله يعتقد أن الجبهة الإسرائيلية الداخلية ستكون بهذا التماسك، لهذا لم يكن أكثر المتشائمين يعتقد أن الحرب ستتخطى أسبوعها الثالث، لكنها طالت مخلفة كارثة وطنية، ليس على مستوى الخسائر البشرية والمادية فحسب، وإنما على مستوى العيش الوطني نفسه، وقد ظهرت مواقف متباينة في الأيام الأولى للحرب، لكنها ما لبثت أن خفت حدةً مع انشغال الجميع بالجرح العميق من جهة، ومنعاً لاستغلال هذه المواقف في تبرير العدوان وإطالة أمده من جهة أخرى، لكن مع تخطي الحرب الشرسة أسبوعها الرابع، ومع احتمال تحولها إلى حرب إقليمية بات الأمر مختلفا، وعادت الأصوات التي عارضت ما قام به حزب الله لترفع عقيرتها مطالبة المقاومة بالتراجع وآخذة على الحكومة عدم الحزم.
الحاضنة الشعبية للحزب
قد يكون حزب الله تفاجأ بحجم الرد الإسرائيلي على عملية 12 تموز، لكنه كما يبدو فإن بمقدوره وجمهوره أن يصمدا طويلا، رغم شراسة آلة الحرب الإسرائيلية وهمجيتها، لكن الضغوط الداخلية اللبنانية من حول الحزب تزداد بشدة، ليس فقط من الطوائف الأخرى المختلفة عن طائفة الحزب، بل من الطائفة الشيعية نفسها.
الحزب يبدو حريصاً جداً على تماسك الجبهة الداخلية، وبالحد الأدنى هو حريص للغاية على الحاضنة الشعبية الشيعية، وهذا ما يفسر تفويضه الرئيس نبيه بري التحدث باسمه منعا لأي اختلاف أو تضارب، ويقال إن الأخير هو الذي جعل الحزب يقبل بالنقاط السبع التي طرحها الرئيس فؤاد السنيورة على مؤتمر روما، وهو الذي جعله يقبل بانتشار مفترض للجيش اللبناني في الجنوب حال انسحاب الجيش الإسرائيلي، بعدما أكد أنه سيكون في أول آلية عسكرية تذهب إلى هناك، كما كان له "الفضل" في إقناع الحزب في فصل مساره التفاوضي حول الأسرى عن المسار الفلسطيني، بل يقال إن الرئيس بري أحرج الحزب بعرضه تبادل الأسيرين الإسرائيليين بثلاثة أسرى لبنانيين فقط، بعدما كان الأمين العام لحزب الله يتحدث عن احتمال إجراء تبادل بين حزبه وحماس من جهة، والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى، بحيث يستفيد من هذا التبادل المئات أو الآلاف من الأسرى.
طوائف لبنان
إذا كان لسان حال جمهور حزب الله يطالب بالصمود ويحلم بـ"الانتصار"، فإن باقي طوائف لبنان حالها مختلف، ذلك أن جانباً عريضاً من اللبنانيين يرى أن لبنان قد ُأقحم في حرب لا طائل له بها، وهي ليست حربهم بل حرب الآخرين على أرضهم، وقد قام بها فريق من اللبنانيين بقرار إنفرادي يتحمل الجميع مسؤوليته، "شاؤوا ذلك أم أبوا"... هذا هو موقف غالبية الشارع المسيحي والدرزي وجانب من الشارع السني، وإذا ما تخطينا التقسيم الطائفي إلى التقسيم السياسي فسنجد أن تحالف قوى 14 آذار مجمع على رفض الحرب أو الاستمرار بها، وثمة مواقف "متقدمة جدا" لأقطاب 14 آذار ذهبت إلى حد الترحيب بقوات دولية تعمل بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتنتشر ليس فقط في الجنوب، وإنما على الحدود بين لبنان وسوريا، ويبدو أن البطريرك صفير غير بعيد عن هذا الموقف أيضاً. أما العماد عون فيبدو أنه محرج للغاية بعدما ذهب فريق كبير من المسيحيين بمن فيهم أنصاره إلى تحميله مسؤولية تغطية حزب الله من خلال "تفاهمه" معه، الأمر إلى أدى إلى اندلاع الحرب الحالية.
موقف الحكومة
وسط هذا التضارب تقاتل الحكومة من أجل بقائها ووحدتها، كما أنها تحاول الحفاظ على ما تبقى من مقومات الوطن، والأهم أنها تحاول حماية اللبنانيين من حرب أهلية قد تندلع عقب انتهاء العدوان إذا ما أقدمت الحكومة على "خطوات ناقصة" قد تفجّر الواقع اللبناني الهش.
حجم الضغوط على الحكومة كبير، فثمة فريق يتهمها بالتساهل والخضوع لحزب الله، وثمة فريق آخر ينتقدها على تحالفها وتعاطيها مع الأميركيين الذين يحملهم هذا الفريق المسؤولية الأولى عما يجري، ووسط كل ذلك لا تجد الحكومة نفسها قادرة على فعل الكثير في ظل موازين قوى مختلة على الصعيد الدبلوماسي الدولي، وعجز عربي كامل، وفي ظل تجاذبات خارجية سورية وإيرانية وأميركية معروفة، فضلاً عن أن الحكومة لا تملك القرار في الميدان في الجانب اللبناني، ومن باب أولى في الجانب الإسرائيلي المعادي، وهي فوق كل ذلك مطالبة إغاثيا، ولاحقا ستكون هي المسؤولة عن إعادة إعمار أكثر من 32000 وحدة سكنية مدمرة كلياً، إضافة إلى 165 جسراً – حتى الآن- وأضرار اقتصادية تناهز عشرة مليارات دولار.
خطر تحول لبنان كله إلى أرض محروقة وارد، واحتمال العودة إلى الوضع ما قبل العام 2000 وارد، واحتمال توسع الحرب وتحولها إلى حرب إقليمية يبقى وارداً أيضاً، كما أن حدوث تطورات دراماتيكية من قبيل قصف تل أبيب والرد على ذلك بوحشية غير مسبوقة من قبل الجيش الإسرائيلي أيضاً وارد، لكن الأخطر من كل ذلك أن يتحطم الواقع اللبناني الهش بفعل العدوان، وعندها تقع الكارثة الحقيقية ليس على لبنان فقط وإنما على المنطقة بأسرها.
المصدر
- مقال:"الجبهة" اللبنانية الداخلية بعد شهر من الحربموقع:الشبكة الدعوية