"الإفلات من السقوط" مبادرة "محسوب" لكسر الانقلاب
كتب:هيثم العابد
(04/02/2016)
مبادرات عدة وأطروحات متباينة ودعوات متفاوتة حاولت فى الآونة الأخيرة كسر حالة الجمود السياسي الذى تعيشه مصر منذ استولي العسكر على السلطة فى 3 يوليو 2013، وتجاوز المربع الصفر عبر طرح أفكار تعبر بصدق على الثورة وإيجاد طريقة لخلخلة الانسداد المخيف فى الأفق السياسي، ما ينعكس بطبيعة الحال على وضعية الدولة المصرية على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وينذر بانهيار عام يضرب مفاصل الدولة ويضر بكل مكونات الوطن.
الحديث هنا ينحصر بطبيعة الحال على تلك الأطروحات الثورية التى تبحث شتات رفاق ميدان التحرير وتحاول إيجاد أرض مشتركة وصلبة بين شركاء الأمس من أجل كسر الانقلاب العسكري واستعادة الدولة المصرية من براثن العسكر، لا تلك التى ترسخ الانبطاح وتبحث عن ممر آمن للسلطة الفاشية وتعمل –عن عمد أو جهل- شرعنة النظام الانقلابي ومنحه مقعد على طاولة مفاوضات لن تزيد الوطن سوى اختناق داخل نفق الدولة العميقة المظلم.
ومع وضوح رؤية أكثر المناهضين لحكم العسكر برفض أى أطروحات يكون طرفًا فيها قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي أو تتجاهل الشرعية وعودة الرئيس المنتخب، سقطت مبادرات هزلية فى مهدها ولم تر النور أو يتم بحثها لافتقادها أهم مطالب الأحرار، إلا أن د.محمد محسوب –وزير الشئون القانونية فى حكومة هشام قنديل- حاول إلقاء حجر جديد فى الماء العكر، من أجل إعادة "الاصطفاف" حول مبادئ واضحة ومحددة لكسر الانقلاب العسكري بمبادرة لازالت -تحت التأسيس- تفتقر بين بنودها أهم مطلب ثوري يتجسد فى عودة الرئيس الشرعي محمد مرسي.
تنامي حالة الغضب فى الشارع المصري كنتاج طبيعي وحتمي لحالة الانهيار العام الذى ضرب مفاصل الدولة والخراب الذى عشش على كافة مناحي الحياة وخيم بظلاله على واقع معيشي مأساوي يكتوي تحت وطأته المواطن بنيران غلاء الأسعار ورفع الدعم وتزايد الضرائب إلى لائحة طويلة من جرائم العسكر بحق الشعب، وتمسك الثوار باستكمال الحراك النضالي حتى استعادة كافة مكتسبات الثورة ونجحوا فى توصيل رسائل قوية وحاسمة لا تقبل المساومة أو التأويل خلال مسيرات إحياء ذكرى الثورة أو حشد الأولتراس فى ذكرى مذبحة استاد بورسعيد، أعاد إلى الواجهة الحديث عن مبادرات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
مبادرة محسوب والتى حملت عنوان "الإفلات من السقوط"، ونوه فى مطلعها على أنه تدوال الحديث عن بنودها مع عدد من الوطنيين، أعلن مع طرحها أنه يهدف إلى استطلاع واسع حول تلك الأطروحة بالتعليق والتنقيح والرد والتعديل، وهو ما يمنحها ميزه افتقدها الكثيرين، إلى جانب الثقل الذى اكتسبته ابتداء من اسم صاحبها، حدد خلالها 8 مبادئ عامة فى انتظار اشتراك كل المتطلعين للحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة المواطن.
وطرح القيادي بحزب الوسط –عبر صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك"- 11 خطوة عملية من أجل الشروع فى تنفيذ المبادرة على نحو يحقق استقرار الوطن ويحول دون تراشق سياسي أو انشطار فى الرؤي فى مرحلة ما بعد الانقلاب، الذى تمسك على أن عصابته ليست طرفا فى الحل ويستلزم زوال الحكم الاستبدادي.
وجاءت بنود المبادرة على النحو التالي:
- يستند المشروع الوطني إلى ضرورة زوال الحكم الاستبدادي وليس التعايش معه أو التصالح مع مكوناته.
- التسليم بأن الوضع القائم لا يجوز أن يستمر لأن نهايته مريرة للجميع، شعبا ودولة وقوى سياسية ومؤسسات.
- السيسي ليس طرفا في أي مسار للحل فقد وضع نفسه خارج نطاق أي عمل وطني في اللحظة التي سمح فيها بقتل الآلاف من شعبنا مدنيين وجنودا.
- عزل المتطرفين من كافة الأطراف، فإذا كان السيسي وفريقه هم على رأس المتطرفين في مؤسسات الدولة، فإن الداعين لهدم الدولة أو تفكيك الجيش ومؤسسات الشعب تحت أي ادعاء لا يقلون عنه تطرفا وخطرا على الوطن.
- تجنب شعارات الإقصاء ونظريات المؤامرة والتسليم بأن كل القوى والفئات هي جزء أصيل من الجماعة الوطنية لا يجوز بتره أو فصله أو قتله.
- تجنب تقييم الأطراف على أساس مواقفهم السابقة منذ يناير 2011 حتى يوليو 2013، فحجم الأحداث كفيل بإعادة تشكيل الأفكار وتعليم الدروس وتغيير بنية ورؤية الكيانات.
- التسليم بأن أحدا لا يملك وحده البديل للمنظومة القائمة، وإنما يتشكل البديل من الجميع دون إقصاء، وكل ما يطرحه أي طرف هو جزء مكمل لتشكيل صورة نهائية لبديل وطني شامل.
- تفهم لأوضاع الإقليمية والدولية والخلل الواضح في موازين القوى، والسعي للتعامل معها دون الانكسار أمامها.
ووضع محسوب خطوات عملية من أجل تنفيذ المبادرة من خلال رؤية واضحة:
- الإقرار بالشراكة الوطنية الشاملة كضرورة قصوى لتجاوز حال الخطر الذي تمر به مصر.
- تقدير كل التطلعات وتطمين كافة المخاوف لدى كافة الأطراف هو المرحلة الأهمّ في بناء علاقات ثقة بين الجميع.
- إنشاء جمعية وطنية تكون مظلة جامعة للتواصل والتحاور وفض الاشتباكات وتبني المواقف المشتركة.
- تسليم مهمة تكوين الجمعية وإدارتها والتواصل مع الجميع لجيل الشباب الذي يقدم التضحيات.
- إشراك الشعب بكل فئاته في مؤسسات الجمعية الوطنية بتفعيل وسائل المشاركة المتاحة وهي كافية لتجاوز القيود التي تضعها السلطة الدكتاتورية (وثمة رؤية تفصيلية لذلك).
- دعم الحراك السلمي المشترك لكافة القوى الوطنية على الأرض لرفض استمرار منظومة الاستبداد القائمة، مع تبني رؤية متدرجة تضع أولويات للعمل على أن يكون الهدف النهائي هو التخلص الكامل من الاستبداد وتبعاته.
- أن يكون على رأسي الأولويات قضية المعتقلين والمختفين قسريا والذين يجري تصفيتهم بالسجون أو في الطرقات باعتبارها إحدى أولويات العمل الوطني. مع تجنب التمييز بين ضحايا القمع.
- فضح الفساد الذي يُبدد ما تبقى من مقدرات الشعب المصري والتخاطب (من خلال الجمعية الوطنية) مع الدول لكشف ما جرى ويجري تهريبه من أموال الشعب وتجميد ما يجري تهريبه والإبقاء على تجميد ما هو محتجز منذ 2011.
- - وضع رؤية واضحة لما بعد زوال الاستبداد هو أحد مهام الجمعية الوطنية بالتواصل مع الجميع، وباستطلاع رأي الشعب بكافة الوسائل (مع تقديرنا لكافة الاجتهادات فالمطلوب رؤية مشتركة بين الجميع).
- أن تعتمد تلك الرؤية خصوصا: الإقرار بمرحلة تشاركية طويلة يجري فيها تثبيت دولة القانون وقيم الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. - رؤية لبرنامج واضح للعدالة الاجتماعية يشعر به المواطن عاجلا. - تصورا متماسكا للعدالة الانتقالية.
- أن يُدرك الجميع أن التغيير سيأتي إما بالتسليم بضرورته وبالتالي انتقال سلس لمرحلة ديموقراطية بعد إقصاء الذين يُشكلون عائقا ويستحلون قتل واعتقال وتعذيب المصريين، أو بالثورة التي لاتزال مستمرة وسيخيب رهان من ظن أنها انكسرت.
التعاطي جاء حتى حين إيجابيا مع المبادرة باعتبارها أطروحة تحت التأسيس -كما بين صاحبها- رغم تأصيل البعض على أن دعوة محسوب للتشاور حولها أعفاها من حرج تجاهل الرئيس الشرعي محمد مرسي كأحد مسلمات البحث عن حل للخروج من الأزمة، فيما بدا واضحا تفاوت التناول حول بعض البنود فى إطار نقاش عقلاني من أجل الخروج من عنق الزجاجة وطرق الحل، فى ظل التوافق على أنها لم تسلم بوجود العسكر أو قائد الانقلاب في المشهد السياسي، والإعلان بوضوح رفض القوى الاستئصالية التي تسعى إلى قتل المجتمع أو مكوناته الرئيسة بصورة فاشية.
![]() |
---|
المصدر
- تقرير: "الإفلات من السقوط" مبادرة "محسوب" لكسر الانقلاب موقع بوابة الحرية والعدالة