"اجتماع أنابوليس"... هل من جديد؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
"اجتماع أنابوليس"... هل من جديد؟

بقلم : د/ عبد الوهاب المسيري

رغم الضجيج الإعلامي الذي سبق انعقاد "اجتماع أنابوليس" وصاحبه وأعقبه، سواء في الأوساط الأميركية أو الصهيونية أو العربية، ورغم الآمال الجسام التي علقها البعض على هذا الاجتماع فيما يتعلق بالتحرك نحو إيجاد تسوية للقضايا المعقدة التي ينطوي عليها الصراع العربي الصهيوني، ولاسيما القضية الفلسطينية، فمن الواضح أن النتائج التي تمخض عنها الاجتماع لم تفلح في إقناع المتشككين بأن ثمة تحولاً ولو طفيفاً قد حدث، وبأن مرحلة "ما بعد أنابوليس" تختلف في شكلها أو مضمونها عن المرحلة السابقة عليه.

وليس أدل على ذلك من تراجع الولايات المتحدة عن مشروع القرار الذي كانت تعتزم تقديمه إلى مجلس الأمن، بعد أيام قلائل من انفضاض "اجتماع أنابوليس"، بغرض تعزيز نتائج الاجتماع بقرار دولي، على حد قول المندوب الأميركي في الأمم المتحدة، وذلك بعدما قُوبل مشروع القرار بمعارضة شديدة من جانب الدولة الصهيونية التي ترى أنه ليس هناك ما يدعوها إلى الالتزام بأية قيود أو جداول زمنية فيما يتعلق بمسار المفاوضات مع الطرف الفلسطيني أو بالقضايا التي تدور حولها المفاوضات.

فهذا التراجع الأميركي السريع يلقي ظلالاً كثيفة من الشك حول وجود أية نتائج يمكن التعويل عليها مستقبلاً، بل ويثير شكوكاً أكبر حول الدور الأميركي نفسه، خاصةً أن الولايات المتحدة هي التي تبنت الدعوة لعقد الاجتماع واعتبرته أحد إنجازات الرئيس بوش وإدارته قبل انقضاء مدة ولايته، ومارست ضغوطاً شتى على مختلف الأطراف من أجل المشاركة فيه، وبدت وكأنها عازمة على تحقيق انفراج ما في وضعٍ يرى الكثيرون أنه وصل إلى مرحلة الشلل الكامل.

وبغض النظر عن التصريحات المتفائلة التي يطلقها الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس من حين لآخر عن وجود آفاق للتوصل إلى تسوية النزاع فيما يُسمى "منطقة الشرق الأوسط"، فمن الواضح أن سحب مشروع القرار الأميركي يعني صراحةً تسليم الولايات المتحدة بأن ظروف هذه التسوية لم تتوفر بعد، بل وبأن الدخول في مفاوضات جديِّة ذات إطار زمني محدد لبحث هذه التسوية، ما زال أمراً بعيد المنال، كما أنه يعني ضمناً إدراك الولايات المتحدة أن الأوضاع الراهنة في الساحة السياسية داخل الدولة الصهيونية لا تتيح المضي في سبيل التسوية، ناهيك عن إنجاز أي تقدم حقيقي في هذا الصدد.

"... إذا كان بوسع أولمرت القول بأنه أصبح هناك أخيراً شريك فلسطيني، فواقع الحال أنه ليس هناك شريك إسرائيلي!".

وقد كانت هذه الأوضاع تحديداً، في نظر كثير من المحللين داخل الكيان الصهيوني، هي العنصر الحاسم في عجز "اجتماع أنابوليس" عن تحقيق أية نتائج ملموسة بخصوص التسوية، بل وذهب بعض هؤلاء المحللين إلى الحديث عن فشل الاجتماع حتى قبل انعقاده.

فمثلاً، كتب "تسفي بارئيل" (صحيفة هآرتس، 18 نوفمبر 2007) مؤكداً أن "اجتماع أنابوليس انتهى قبل أن يبدأ"، وهو يستند في رأيه هذا إلى عدد من التطورات على الساحة السياسية في الدولة الصهيونية، والتي كان من شأنها أن تجهض أية احتمالات للنجاح في "اجتماع أنابوليس"، فيقول الكاتب ساخراً: "لم تتم المداولات المثيرة ولم تُتخذ القرارات المدوية في مدينة أنابوليس الأميركية، وإنما في الكنيست الإسرائيلي.

فهاهي الأنباء تتواتر عن تصديق الكنيست على تعديل قانون مكانة القدس، بحيث أصبح أي تغيير في وضع القدس يتطلب موافقة 80 من أعضاء الكنيست...

وبعد ذلك، دعا عضو الكنيست أفيجدور ليبرمان إلى إلزام الفلسطينيين بالاعتراف بأن إسرائيل دولة يهودية باعتبار ذلك شرطاً لانعقاد اجتماع أنابوليس.

ولا يتعلق الأمر هنا بوضع شرط للتوقيع على اتفاق للسلام، بل بمجرد البدء بالتفاوض... وبعد ذلك، صدر وعد مثير عن رئيس الوزراء إيهود أولمرت بإزالة البؤر الاستيطانية غير القانونية وتجميد البناء في المستوطنات.

وهذا أمر لا يقبل أكثر من تفسير أولي مستمد من (مخزن الخردوات) الذي يُسمى خريطة الطريق، والتي تحرص إسرائيل على تطبيق كل بنودها، تماماً مثلما يحرص الفلسطينيون! لكن عن أية حواجز يتحدث أولمرت؟ عن تلك التي نالت شرعيةً حتى الآن أم تلك التي ستنالها لاحقاً؟ وأي بناء يخطط لتجميده؟ هذا الذي بدأ ويوشك على الانتهاء أم القائم فعلاً في المستوطنات التي يوجد إجماع على بقائها تحت سيطرة إسرائيل بعد الانسحاب؟.. وهل سيتم التجميد بعد أن ينفذ الفلسطينيون أوامر خريطة الطريق بشأن وقف الإرهاب، أم قبل ذلك، أم بالتزامن معه؟ وما المقصود بتصفية الإرهاب؟".

ويمضي الكاتب ملقياً الضوء على جانب آخر من الإجراءات الإسرائيلية التي تجعل أي حديث عن السير نحو التسوية مجرد لغو فارغ، ألا وهو الاعتداءات المستمرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة والحصار الخانق الذي يفرضه على سكانه ويحرمهم من أبسط متطلبات الحياة اليومية، مما يجعل من المستحيل إقناع الفلسطينيين عموماً، وسكان القطاع خصوصاً، بأن الدولة الصهيونية جادة في الإقدام على خطوات كبرى من قبيل إخلاء البؤر الاستيطانية أو الإقرار ببعض الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

ويخلص الكاتب في النهاية إلى أن القيادة السياسية الحالية في الدولة الصهيونية عاجزة عن أن تكون شريكاً حقيقياً في أي مسعى حقيقي للتسوية

فيقول: "من الممكن النظر إلى المشاركين في الاجتماع باعتبارهم ممثلين في مسرحية يُعاد عرضها كل عدة سنوات على أمل أن تحظى كل مرة بإخراج أكثر نجاحاً... وإذا كان بوسع أولمرت القول بأنه أصبح هناك أخيراً شريك فلسطيني، فالواقع للأسف أنه ليس هناك شريك إسرائيلي".

وبالمثل، يرى "يوسي فيرتر" (صحيفة هآرتس، 16 نوفمبر 2007) أن الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها الدولة الصهيونية، وما يترتب عليها من نزاعات سياسية، تجعل من الصعب على حكومة أولمرت المضي في طريق التسوية، أو حتى الشروع فيها.

ويتساءل الكاتب بدايةً: "كيف عرقل أفيجدور ليبرمان وإيلي يشاي... رئيس الحكومة وحولا اجتماع أنابوليس من حدث تأسيسي في تاريخ الشرق الأوسط إلى مجرد لقاء آخر؟"، ثم يمضي موضحاً الدوافع الكامنة وراء المواقف المتشددة التي أطلقها حزبا "شاس" و"إسرائيل بيتنا" بصفة خاصة، قبيل انعقاد "اجتماع أنابوليس"، وتأثير هذه المواقف على الائتلاف الحكومي الهش الذي يتزعمه أولمرت، ليصل الكاتب إلى نتيجة مؤداها أن هذا الائتلاف أعجز من أن يصمد في وجه التحديات الداخلية، ومن ثم فهو أكثر عجزاً في مواجهة التحديات الأعمق المتعلقة بالمفاوضات والتسوية، فيقول: "خلال الأسبوع الأخير بدت ظاهرة مثيرة للاهتمام في الكنيست.

فائتلاف أولمرت، الذي حقق عدة إنجازات خلال الأسابيع الخمسة الأولى من دورة الكنيست، دخل مرحلة التفكك والتحول إلى تحالفات فرعية".

وقد كانت تلك الوقائع وغيرها واضحةً للعيان قبل انعقاد "اجتماع أنابوليس" بفترة طويلة، وكان واضحاً أنها ستحول دون التوصل إلى نتائج ملموسة في الاجتماع، فهل كانت خافيةً على أولئك الذين تسابقوا إلى تلبية الدعوة الأميركية لحضور الاجتماع؟ وإن لم تكن خافيةً فلماذا ذهبوا أصلاً، وبماذا عادوا؟