5 حزيران (يونيو) مقلوباً... «وخللي السلاح صاحي»
بقلم : عبد العال الباقوري
لا يحتاج المرء إلى متابعة الإعلام في الكيان الصهيوني، ولا إلى قراءة تصريحات وبيانات كبار المسؤولين في هذا الكيان، ولا إلى رصد تحركات وحركات و«عمليات» القوات الإسرائيلية، لا يحتاج المرء إلى شيء من هذا كي يرى أن العدو يستعد لجولة قتال جديدة، وتبدو وشيكة.
وهذه الجولة قد تكون عملية استعراضية أو حتى «بهلوانية» يصدرها الجيش الإسرائيلي إلى مقاتليه ومواطنيه ليقول لهم إنه في صحة وعافية، وإنه أكبـر من الهزيمة التي لحقت به في حرب الثلاثين يوماً ضد مقاتلي حزب الله.
فمن المؤكد فعلاً أن القوات المسلحة الإسرائيلية «أكبـر» كماً ونوعاً من أن تتحمل الضربة التي تلقتها وأضاعت هيبتها كقوة رادعة...
ودعك هنا من الحديث عن أن العدو لم يستخدم كامل قوته، أو «قوته العادية»، لأنه مقطوع الصلة عما جرى في أرض الواقع وفي ميادين القتال، مما كشف جميع عورات وجوانب الضعف في الكيان الصهيوني وفي ممارساته العدوانية، وكل هذا يعترف به الإسرائيليون أنفسهم
مما يدفعهم إلى التفكير والتخطيط والإعداد للجولة القتالية المقبلة، ويكاد هذا يطغى على أصوات أخرى تتعالى وتتصاعد وتدعو في الوقت نفسه إلى البحث في فتح أبواب التفاوض على الجبهات الثلاث: الفلسطينية واللبنانية والسورية.
إذن على القوى العربية الحية، قوى المقاومة، وعلى رأسها قوات حزب الله التي خاضت جولة قتال مظفرة، وكل قوة يمكن أن تضاف إليها، عليها أن تضع الأصابع على الزناد وأن «تخلي السلاح صاحي»، وعلى الأغنية التي بـرعت قناة «المنار» التلفزيونية في التقاطها وإحيائها وإذاعتها، في لفتة تؤكد لن يحتاج إلى تأكيد أن انتصاراتنا متكاملة، يأخذ كل منها من الآخر، ويبني عليه، مما يثبت بيقين أن انتصار حزب الله في «الجولة السادسة» أو في «حرب الثلاثين يوماً» أو «حرب الكاتيوشا» أو «حرب يونيو المجيد»، ولك أن تختار الاسم الذي يروق لك، هذا الانتصار لم ينبع من فراغ، بل إنه استكمال وتتمة لـ«حرب الممانعة» العربية ضد الكيان الصهيوني، وضد الاستيطان والمستوطنين ابتداء من أول يوم أقيمت فيه بالغصب والعدوان أول مستوطنة، صهيونية فوق أرض فلسطين.
وظلت راية الممانعة قائمة منذ ذلك الوقت رافضة الاعتراف بالاغتصاب الصهيوني، وتعددت المحطات والمواقف التاريخية: رفض «وعد بلفور»، رفض «سايكس بيكو»، رفض الانتداب البـريطاني، وصولاً إلى الهبات الفلسطينية المتوالية، التي توجتها الثورة الكبـرى من 1936 إلى 1939، عام قيام الحرب العالمية الثانية، حيث أخذ الوضع الدولي بعدها مساراً أفضى إلى قرار التقسيم، وتلاه إعلان إقامة الكيان الصهيوني، ثم جولة 1948، والهدنة، وتوالت المعارك والجولات، إلى أن وقعت هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) 1967، التي حسبها العدو «انتصار الانتصارات».
ورداً عليها ارتفع في الواقع العربي شعاران هما: إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن المقاومة الفلسطينية من أنبل ظواهر ما بعد الخامس من حزيران (يونيو).
ويوم ارتفع هذا الشعاران كانا مقدمة عملية لحرب الاستنزاف ولحرب العبور المجيدة في السادس من تشرين الأول (أكتوبـر) 1973، وهي حرب أبلى فيها المقاتلون أحسن البلاء، وأجادوا بتفوق استخدام أسلحتهم ومعداتهم، وكادوا يلحقون بالعدو هزيمة كبـرى لولا الدعم الأمريكي، والإدارة السياسية الخاطئة لما بعد الحرب.
فقد كان الوفاء لدماء الشهداء، ولعطاء الرجال يستحق إدارة أخرى أفضل ومختلفة عما جرى على يد الرئيس السادات..
ويذكر المرء أنه في إطار استعدادات الرئيس السادات لخطوات التصالح التي أقدم عليها، بدأً منذ 1975 يتحدث عن أننا صدرنا الهزيمة إلى إسرائيل، وتخلصنا من عار هزيمة 5 حزيران (يونيو)، وتعليقاً على أحد خطاباته في هذا الشأن، كتب رد على صفحات «الجمهورية» أن هذا لم يحدث، في إشارة إلى الأداء السياسي بعد الحرب، وأن الأمر أصبح يحتاج إلى أكثر من جولة على طراز أكتوبـر المجيدة كي نتخلص من سلبيات الخامس من حزيران (يونيو)..
وبعدئذ، في ظل مفاوضات الرئيس السادات بعد زيارته المشؤومة إلى القدس المحتلة وقعت جولتان في لبنان في 1978 وفي 1982، وتلت ذلك انتفاضتا الحجارة، والمقدسات، أي أن العدو الإسرائيلي ظل في حالة حرب وقتال، استنزفته وأرهقته وقادته إلى أن يقع في حرب الثلاثين يوماً في الأخطاء نفسها التي ارتكبناها نحن في الخامس من حزيران (يوليو) 1967.
وتكشف المقارنة الدقيقة هنا من أوجه تشابه غريبة بين أخطاء العرب في جولة مضت، وأخطاء العدو في جولة تموز (يوليو) المجيدة، سواء من حيث ضعف أجهزة الاستخبارات في جمع المعلومات وتحليلها، أو في ضعف التدريبات، أو الأخطاء في إعداد الاحتياط. فضلاً عن الأخطاء في القتال وفي إدارة المعارك، وفي استراتيجية الحرب نفسها.
وكل هذا أصبح متداولاً وتنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية والتي تتحدث كما تحدثنا عن «إعادة بناء الجيش»، وتطالب بالقصاص ممن ارتكبوا كل هذا، كما يطالب بعضها بالاستعداد لجولة جديدة وسريعة.
ألا يذكرنا هذا بمحاكمة قادة الطيران بعد هزيمة حزيران (يونيو)؟.
التي لا تكاد تختلف نتائجها عربياً عما تعيشه «إسرائيل» اليوم بعد حرب تموز (يوليو)، سوى أن الحرب الأخيرة لم يكسب فيها العرب أرضاً تعادل ما فقدوه في جولة تموز (يوليو)، وما بين حزيران (يونيو) 1967 تموز (يوليو)2006.
تتعدد الدروس المستفادة، التي يجب أن تجنبنا نحن العرب الوقوع في أخطاء الإدارة السياسية السيئة لحرب العبور، بحيث تكون أوراق اللعب في أيدينا وليس في أيدي العدو أو من يساندونه، من موقع إدراك أن من تحدثوا عن آخر الحروب قد خسروا الحروب دون أن يخوضوها، أما الذين يستعدون للحرب والقتال فيجدون أنفسهم في غنى عن خوضها..
ومن هنا، يجب أن يكون «السلاح صاحي» كي يردع العدو عن التفكير في عدوان جديد، وإن كان العدو أضعف من أن يتلقى «هزيمة تموز (يوليو)» دون أن يرد عليها في مسعى إلى أن يقلل من تأثيراتها عليه، حاضراً ومستقبلاً.
- المصدر :5 حزيران (يونيو) مقلوباً... «وخللي السلاح صاحي»موقع:المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات