.. وفي اليوم العاشر أغلقوا المعابر!
بقلم : معتصم حماده
المسؤولية الوطنية تملي علينا أن نسأل عن الإستراتيجية السياسية الواجب إتباعها بعد اتفاق التهدئة في قطاع غزة.
هل العمل على «ضبط» المقاومة صونا للاتفاق مع إسرائيل، ومناشدة مصر العمل على إلزام تل أبيب بالاتفاق، والانشغال في الوقت نفسه بقضايا الصراعات الداخلية؟ هذه انشغالات تحول التهدئة إلى عبء على الحالة الفلسطينية وهذا ما يجب أن نتصارح به منذ الآن
.. وفي اليوم العاشر، الذي كان يفترض أن يشكل مقياسا ومعيارا لدى التزام إسرائيل باتفاق التهدئة (كما قال إسماعيل هنية عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وسامي أبو زهري الناطق باسمها) اعترفت قيادة الحركة وعلى لسان أكثر من متحدث أن اتفاق التهدئة شهد في هذا اليوم «انكفاءة»، سببها ضعف الالتزام الإسرائيلي ولجوء سلطات الاحتلال إلى إغلاق المعابر، والعودة بالقطاع إلى ما كان عليه قبل 19/6/2008.
«انكفاءة»، هي عبارة شديدة التهذيب، جرى اختيارها بعناية، وهي خالية من الاستفزاز وفيها تعزية للذات. وبعيدة عن التحريض ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
كان من واجب قيادة حماس أن تعترف أن الإسرائيليين وافقوا على اتفاق ما للتهدئة، نص على عدد من الإجراءات، ولكنهم في التطبيق العملي، «التزموا» فقط، بما يرونه صحيحا، وبما يخدم مصالحهم هم: «تهدئة مقابل تهدئة» ودون إسقاط للحصار عن قطاع غزة.
وإذا كان سامي أبو زهري، قد دعانا، بعد مرور حوالي أسبوع على الاتفاق، ألا نتسرع في الحكم على إسرائيل، وأن ننتظر مرور الأيام العشرة التي نص عليها الاتفاق باعتبارها الفترة الزمنية التي من بعدها تفتح المعابر على مصراعيها، فإن من واجبه أن يعترف أن نصيحته هذه لم تكن في محلها، وأن رهانه على الالتزام الإسرائيلي كان خاسرا، وأن موقفه بدا وكأنه جاهل بحقيقة السياسة الإسرائيلية.
فالإسرائيليون، ومنذ اتفاق أوسلو حتى اليوم، لا يلتزمون باتفاقات ولا بنصوص ولا بأجندات زمنية. ما يلزمهم هي مصالحهم فقط لا غير.
وكان واضحا أن اتفاق التهدئة، الذي ولد قاصرا، ومشوها، يحمل نقاط صفقة في باطنه. وإن الإسرائيليين سوف يتلاعبون به إلى أبعد مدى.
وهذا ما نشهده على المعابر الإسرائيلية إلى قطاع غزة، من فتح ثم إغلاقات، ثم تمرير بالقطارة للمواد الغذائية والوقود والمحروقات والأدوية.
بينما لا تكف المواقف الفلسطينية عن التأكيد على التزامها بالاتفاق وعن مناشدتها القاهرة التدخل لإلزام إسرائيل بما عليها من استحقاقات.
صحيح أن التهدئة تشكل في السياق العام حاجة تكتيكية، لفك الحصار عن القطاع، وسحب الذرائع من يد الاحتلال لوقف عدوانه ضد سكان القطاع وأبنائه.
لكن الصحيح أيضا أن ممارسات سلطات الاحتلال تهدد بتحويل هذه التهدئة إلى عبء على الحالة الفلسطينية وقيدا على حرية حركتها، وسببا من أسباب توتير العلاقات الفلسطينية الداخلية.
إذ بات واضحا أن الجانب الإسرائيلي يدفع بالتطبيق العملي لتحويل التهدئة إلى الصيغة التي دعا لها في البداية «تهدئة مقابل تهدئة» أي وقف العدوان على القطاع مقابل وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على الأهداف الإسرائيلية.
أما مسألة إسقاط الحصار عن القطاع، فتتحول، أيضا بالتطبيق العملي، إلى «تخفيف الحصار» وليس إسقاطه. وذلك عبر فتح المعابر، ثم إغلاقها لأتفه الأسباب، ومنع مرور الكميات الوافرة من البضائع والمواد التموينية والمحروقات.
وفي الوقت نفسه مواصلة العمليات الاستفزازية على أطراف القطاع، من توغلات لدوريات ودبابات، وإطلاق نار عشوائي، ومواصلة انتهاك أجواء القطاع ومياهه، ومنع الحياة فيه من أن تعود إلى طبيعتها، أي إبقاء القطاع، عبر الأساليب المختلفة، رهينة للاتفاق، وإبقاء الاتفاق نفسه عند حافة الهاوية، بحيث يبدو كل يوم وكأنه مهدد بالانهيار.
خطورة مثل هذه السياسة، المتوقعة مسبقا، والتي نقرأ ملامحها الآن، أن بعض الفلسطينيين، وخاصة في حركة حماس، يراهن على إدامة اتفاق التهدئة لأطول فترة ممكنة، وتحديدا لما بعد شهر كانون الثاني (يناير) القادم، حيث ستقف الحالة الفلسطينية أمام استحقاق سياسي خطير، يتمثل في الموقف من شرعية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في ظل تحضيرات من حماس، تدعو إلى إنهاء ولايته في 9/1/2009، متجاهلة القوانين الفلسطينية المقرة من قبل المؤسسات المعنية.
ولأن حماس تحتاج إلى «هدوء» على جهة القتال ضد إسرائيل، لصالح التفرغ لجبهة النزاعات الفلسطينية ـ الفلسطينية فإن المتوقع ـ كما نشهد الآن ـ هو أن تواصل «ضبط» الحالة الفلسطينية داخل القطاع لصالح إدامة التهدئة ومنع انهيارها أيا كان الثمن.
مثل هذه السياسة، إن صحت التقديرات، تحمل في طياتها مخاطر عدة، أبرزها أن تنزلق حماس، دون أن تدري، ورويدا رويدا، نحو التحول إلى شرطة تطارد المقاومين الفلسطينيين إن هم حاولوا الرد على استفزازات العدو وانتهاكاته واعتداءاته على الضفة وعلى غزة.
يدفعنا لهذا التنبيه ما بدأنا نلاحظه من انزلاق خطير في التصريحات على لسان أكثر من مسؤول في حماس.
كاعتبار عدم الموافقة على التهدئة بمثابة خيانة وطنية.
الأمر الذي يذكرنا بتصريحات مماثلة كانت تصدر عن ناطقين باسم السلطة الفلسطينية حين كانت تدعو لوقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي.
القول إن من ينتهك التهدئة لا ينتمي إلى المقاومة، هو أيضا يذكرنا ببعض تصريحات السلطة التي كانت ترى في بعض العمليات، وفي فترات زمنية معينة، أعمالا عشوائية لا تنتمي إلى المقاومة بل تهدف إلى التأثير على الوضع الداخلي الفلسطيني.
أي بتعبير آخر نحن بحاجة إلى التنبيه من خطورة أن تتبادل حماس وبعض أطراف السلطة الأدوار، في الموقف من التهدئة.
وبتقديرنا إن الأمور لا تقتصر على العلاقة بين حماس والسلطة بل امتدت إلى العلاقة مع حركة الجهاد نفسها.
ولا نذيع سرا إن قلنا إن قادة الجهاد في القطاع عبروا عن استيائهم الشديد من تصريحات محمود الزهار وسعيد صيام تعليقا على مواقف الجهاد كرد فعل منها على اغتيال اثنين من مناضليها في نابلس.
وما جرى مع الجهاد مرشح لأن يتكرر مع باقي الفصائل. إذ ليس من المتوقع، تحت أي ظرف من الظروف، أن تقف الفصائل الفلسطينية موقف المتفرج، وهي تراقب العدو الإسرائيلي يغتال المناضلين في الضفة الفلسطينية أو يعتقلهم ويزج بهم في السجون.
ولعل عملية القدس الغربية، التي جرت يوم الأربعاء في 2/7/2008، على فلسطيني سائق جرافة في إحدى الورش التابعة للطرق، تدلل على استحالة إحداث قسمة وانفصال قسريين بين الوضع في القطاع والوضع في الضفة وبين الوضع في هاتين المنطقتين، والوضع في داخل مناطق 48.
أي محاولة لخلق انفصال بين هذه المناطق على صعيد المشاعر، والمصير، وردود الفعل إزاء اعتداءات العدو وممارساته، وهم لا يجر أصحابه سوى إلى المربع الخاطئ، وخطورة الانزلاق إلى هذا المربع أن يورط أصحابه بممارسات لا تنتج سوى تعميقا للانقسامات الفلسطينية وسوى فرزا فلسطينيا على أسس خاطئة.
بعد هذا النقاش، والذي يمكن أن يمتد بنا صفحات، يبقى علينا أن نتساءل: ما هي الإستراتيجية السياسية المفترض إتباعها في القطاع، بعد اتفاق التهدئة؟ هل مواصلة العمل على «ضبط» المقاومة ومنعها من أية ردة فعل على ممارسات العدو؟ هل مواصلة مناشدة المصريين العمل على إلزام إسرائيل بالاتفاق؟ هل التحضير لخوض الصراعات مع السلطة الفلسطينية في ظل الانقسام؟ هل التفرغ لتعزيز بنية سلطة حماس في القطاع؟ إذا كانت هذه هي عناوين الإستراتيجية التي تشغل بال أصحاب الاتفاق وأهله، فإن التهدئة هنا ليست استراحة محارب، وليست متنفسا لجولة قادمة مع العدو.
هي هنا تبديل خنادق. وتبديل اتجاهات عمل.
وهذا ما يجب مناقشته بمسؤولية.
فالغوص في القضايا الجزئية، والانجرار خلف الصراعات الداخلية.. كلها انشغالات لا يستفيد منها سوى العدو الإسرائيلي.
وهنا القضية.
وهذا ما يجب التوقف أمامه بوضوح وجرأة.
- المصدر :.. وفي اليوم العاشر أغلقوا المعابر!موقع:المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات