ياسر الزعاترة يكتب : الشعب لم يكن مغيبًا ولم يخدعه المهرجون
بقلم: ياسر الزعاترة
فاجأ الشعب المصري كل المراقبين الذين كانوا يقيّمون ما يجري من خلال فضائيات التهريج، والتي اعتقدوا أنها أفلحت في العبث بالضمير الجمعي إلى درجة تصديق أكاذيب الانقلاب.
بعزوفه عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وجّه الشعب المصري صفعة ساخنة للانقلاب ورموزه، وأثبت أن جولات الانتخاب الخمس التي سبقت الانقلاب كانت أكثر تعبيرا عن ضمير غالبيته، وأن ما جرى بعد ذلك لم يغير كثيرا في منظومة الانقسام الموجودة في المجتمع، والتي لا ينكرها أحد، لكن ذلك شيء، وجعل 2 مليون تظاهروا في كل مكان في مصر يوم 30 يونيو.. جعلهم 30 مليونا شيء آخر، فضلا عن قول قائد الانقلاب إن «مشكلة الإخوان مع الشعب المصري وليست معه».
قلنا غير مرة: إن بوسع إعلام التزوير أن يلعب بمشاعر الناس وقناعاتهم بهذا القدر أو ذاك، لكنه يبقى عاجزا عن تزوير الوعي الجمعي؛ إذ إن الغالبية تبقى عصيّة على تزوير وعيها، لأن مخزونها الثقافي والفكري لا يمكن العبث به بسهولة، فيما رأى كثيرون غير ذلك، والأمر هنا لا يتعلق بفقط بالشعب المصري وحده، وإنما بكل الشعوب العربية والإسلامية.
ولو كانت وسائل الإعلام تعبث بالرأي العام على النحو الذي يروّجه البعض، لما قامت ثورات، ولكانت الأنظمة مقدسة في وعي الشعوب، بخاصة حينما لم يكن الناس يستمعون لغير إعلامها، فكيف وهم الآن يجدون متنفسا كبيرا في وسائل إعلام شتى، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي؟!
من تابع الهستيريا التي أصابت فضائيات التهريج، ورموزها بسبب هزال التصويت في الانتخابات، وتلك الموجة الرهيبة من الشتائم التي تلقاها الشعب؛ لا بد أنه أدرك حقيقة الصفعة التي تلقاها النظام، بكل رموزه، بل حتى بالمتحالفين معه، ومن ضمنهم حزب النور الذي اعتقد بسذاجة أن بوسعه وراثة الشعبية التي كانت للإخوان في الشارع بسبب بالتدين، ونسي مواقفه البائسة التي يرفضها الوعي الجمعي للمتدينين ممن ينبذون هذا اللون من الانتهازية التي تابعها في سلوكهم منذ ما قبل الانقلاب ولغاية الآن.
لم نكن نخط في الرمل حين قلنا منذ اليوم الأول للانقلاب: إننا إزاء نظام سيؤسس لدولة بوليسية في الداخل، إلى جانب تضييع قضايا الأمن القومي، وقضايا الأمة في آن، ذلك أننا إزاء نظام قام على الكذب والتزوير من جهة، كما أراد أن يغيب القوة السياسية الأكبر في المجتمع من جهة أخرى، وما كان له أن يفعل من دون أن يعسكر المجتمع برمته، ويضعه تحت طائلة الخوف والترهيب. وحين يفعل أي نظام ذلك، فإن من الطبيعي أن يدفع من جيب قضايا الأمة من أجل تسويق نفسه في الخارج.
هي دولة البوليس التي كانت مضطرة إلى شيء من الديكور الديمقراطي، فجاءت تبحث عن ذلك من خلال برلمان تصنعه على عينها، فكان أن قام جهاز الأمن بترتيب قائمة سماها «في حب مصر»، هي في واقع الحال «في حب السيسي» كما سمّاها كثيرون، وكان المطلوب، أن تغدو بمثابة غطاء للزعيم الأوحد الذي لم يكن يريد البرلمان، لكنه اضطر إلى ذلك، ولن ينسى الناس إعلانه الرغبة في تغيير الدستور من أجل أن لا يشكل البرلمان قيدا عليه، حتى وهو يؤسس لبرلمان تابع لا أكثر.
لقد قال الشعب كلمته، وأعلن استخفافه بهذه اللعبة، وكما لو أنه يقول للسيسي: إذا أردت أن تكون الجنرال الأوحد، فكن كما تشاء، لكن من دون أن تخدعنا بديمقراطية ديكور كاذبة، وانتخابات لا تعبر بأي حال لا عنا، ولا عن توجهاتنا.
إنه شعب عظيم يمنحنا من جديد الأمل في أن يستعيد ثورته، ولو بعد وقت قد يطول، والسبب بالطبع أننا إزاء نظام يُجمع العالم على دعمه، ويحظى بمؤسسة أمنية تابعة وقوية، ومؤسسة عسكرية تملك البلد برمته، ولا ينازعها أحد، بخاصة بعد أن جرى سحق القوة السياسية الأكبر في المجتمع، مع التذكير بأن السحق الأمني شيء، والشعبية الجماهيرية شيء آخر.
هذا المقال لا يعبر إلا عن رأي كاتبه
المصدر
- مقال:ياسر الزعاترة يكتب : الشعب لم يكن مغيبًا ولم يخدعه المهرجون موقع:إخوان الدقهلية