وقفات (لله وللتاريخ)
بقلم / د. محمد البلتاجي
محتويات
أين الأمة من حصار غزة؟
غزة في حصارٍ متواصلٍ حتى من قبل 26 يناير 2006م، فلا مطارَ ولا ميناءَ ولا تواصلَ مع العالم الخارجي إلا من خلال البوابات الصهيونية والتصاريح الصهيونية، ثم زاد الحصار بعد نجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية (يناير 2006م) وتشكيلها للحكومة الفلسطينية فتوقفت المساعدات الدولية الأوربية منها، والعربية (؟؟!!) ثم منعت التحويلات البنكية إلى غزة فتوقفت حتى المساعدات الأهلية والأسرية، وكذا منعت الرواتب عن موظفي غزة.
ثم زاد الحصار بعد سيطرة حماس على الأوضاع في غزة والحسم العسكري ضد الفلتان الأمني الذي كان يقوده دحلان وأعوانه- (في يونية 2007م) فلم يعد يسمح بدخول طعام ولا دواء ولا وقود ولا كهرباء ولا خروج المرضى للعلاج.
ثم زاد الحصار بعد العدوان البربري الصهيوني على غزة في 27 ديسمبر الماضي فهدمت البيوت ودمرت المدارس والمساجد، ولم يسمح للناس- حتى اليوم- بدخول الأسمنت، بل ولا حتى الزجاج لترميم ما تهدَّم، وليمنع الناس حتى من حق الإيواء.
إلى هذا النحو استمرَّ الحصار الظالم والمهين، ليس لمليون ونصف المليون من البشر المحاصرين فحسب، بل للكرامة الإنسانية التي تتخذ من حقوق الإنسان في هذا العصر عنوانًا لها، ويستمر الحصار الظالم ويبحث المحاصرون المظلومون عن الجار ذي القربى يستنجدون به فيجدونه قد أحكم الباب دونهم، بل أحكمه عليهم
يا قوم: إن وصول المشتريات الأساسية من طعامٍ ودواءٍ وضرورات الحياة لإخواننا من خلال الأنفاق- وبأعلى الأسعار- جريمة وظلم من ذوي القربى.. فماذا يكون إذا هُدمت الأنفاق على مَن فيها؛ لمنع وصول الضرورات مع استمرار إحكام إغلاق المعابر؟!.
في مثل هذه المرحلة في السنة العاشرة للبعثة أفرزت جاهلية الشرك في مكة رجالاً شرفاء (هشام بن عمرو- المطعم بن عدي- أبو البحتري بن هشام- زمعة بن الأسود) أبت ضمائرهم- وهم على الكفر- إلا أن يتحركوا لإنهاء الحصار الظالم على المسلمين في شعبِ أبي طالب، وأقسموا ألا يذوقوا طعامًا حتى تنتهي جريمة الحصار.. وفعلوا... فهلا تحرَّك الشرفاء؟؟؟.
بدون تعليق!!
نقلت إلينا الصحف المصرية- غير الرسمية طبعًا- أخبار مشاركة مصريين رسميين في الاحتفال بالعيد الستين لتأسيس "إسرائيل", كما نقلت إلينا نص برقية تهنئة أُرسلت للسيد شيمون بيريز بهذه المناسبة جاء فيها (... يسرني أن أُعبِّر عن تهانيّ بعيد الاستقلال!!..)، ونقلت إلينا وكالات الأنباء صورة وخبر سفير مصر في القدس(؟؟؟) وهو يصافح ليبرمان، مؤكدًا أن العلاقات المصرية- الإسرائيلية طيبة، وأن الخلاف أمرٌ طبيعي بين الإخوة (؟؟؟!!!)
هذا، وقد صار مؤكدًا زيارة السيد نتنياهو لمصر في النصف الأول من مايو الجاري؛ استجابةً لدعوة السيد الرئيس مبارك، وسيبارك المعبد اليهودي في قلب القاهرة (علمًا أنه لن يصطحب السيد ليبرمان في زيارته لا لشيء إلا لأن كل رؤساء الوزراء السابقين جاءوا بمفردهم ولم يصطحبوا معهم وزراء آخرين؟؟؟).
في نفس الأسبوع الأخير من إبريل طالعتنا الصحف المصرية- الرسمية- بما يشبه إعلان حالة الحرب على قوى إقليمية قيل لها بوضوح (إننا واعون لمخططاتكم، وسنكشف تآمركم وسنرد كيدكم في نحوركم, كفاكم تمسحًا بالقضية الفلسطينية.. احذروا غضبة الشعب المصري.. إن شعبنا لن يتهاون مع هذه القوى ولا مَن يُساندهم في الداخل والخارج ويلتمس لهم المبررات والأعذار... أقدار الشعوب لا يصنعها مَن يتاجرون بالإسلام والمقاومة.).
أستشعر أننا في مرحلة منعطف تاريخي خطير ولعلها لا تقل عن تلكم اللحظات من عامي 1977-1978 التي قدم فيها وزراء الخارجية المصرية الثلاث( إسماعيل فهمي, محمد رياض, محمد إبراهيم كامل ) استقالاتهم لاستشعارهم خطورة المنعطف التاريخي.
وقفة مع قضية خلية حزب الله
أؤمن أن هذه الدوائر الثلاث (مصر الوطن- وحدتنا العربية- أمتنا الإسلامية) يكمل بعضها بعضا ويقوي بعضها بعضًا وننتمي إليها جميعًا, بينما المغرضون يضعونها في مقابل بعضها البعض وعلى حساب بعضها البعض, ومن ثم تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضها ببعض.
أستشعر مكانة مصر ومسئوليتها نحو الأمة وحقوق مصر علينا فأقول نعم مصر أولاً، ولكن لن نرضى أبدًا أن تكون مصر أولاً وآخرًا.
ومن ثم رأينا في الأزمة الأخيرة أن الأمن القومي المصري الداخلي خط أحمر لا يجوز المساس به ولا العبث فيه... فقلنا إنه إذا ثبت من خلال التحقيق النزيه أن هناك (خلايا تنظيمية لبث الفوضى وتنفيذ تفجيرات وإضرار بالمصالح أو ممارسة جاسوسية أو دعوة للتشيع...) فهذا العبث بالأمن القومي المصري يستوجب الحزم والمعاقبة الشديدة لكل من تثبت مشاركته في ذلك ..هذا موقفنا بكل حزم لكن لأننا لا زلنا أمام مذكرة تحريات مباحث أمن الدولة وتحقيقات النيابة التي تمثل الاتهام,, فلنأخذ الأمر مأخذ الجد، نعم، لكن دون تهويل ولا تضخيم (يهدف أصحابه إلى توظيف الموضوع لتشويه صورة المقاومة والإساءة إلى سمعة رموزها وخلط الأوراق لأجل الوصول إلى محاصرة ثقافة المقاومة وتجريم دعمها وحرمان المقاومة من الزخم الجماهيري الضخم الذي اكتسبته في المرحلة السابقة).
وحين نطالب بالموضوعية وعدم التهويل لا نقصد أن يعامل حزب الله بالعفو والتسامح كمعاملتنا لإسرائيل حين أرسلت بشبكات الجاسوسية التي أدانها القضاء وحُكِمَ على أفرادها ثم لاعتبارات سياسية!! أفرجنا عن جواسيسها (عائلة مصراتي ثم عزام عزام)، رغم ثبوت إدانتهما ورغم وقاحتهما في التعامل مع القضاء المصري، ولا أقصد أيضًا التجاهل وغض الطرف على النحو الذي تعاملنا به مع تصريحات وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان (الذي سب السيد رئيس الجمهورية وهدد بقصف وتدمير السد العالي)، ولا التغاضي الذي تعاملنا به مع انتهاكاتٍ صهيونية لحدودنا وقتل وإصابة مواطنين وجنود وأطفال مصريين- على الحدود- واختراق قذائف ووصولها لرفح المصرية أثناء الحرب على غزة بل وتصدع عشرات البيوت والمنازل المصرية من جرَّاء القاذفات والقنابل الارتجاجية.
لكن أن يتم التعامل مع التهديدات- بل والانتهاكات- الصهيونية للأمن القومي المصري بالتغافر والتسامح الذي بدا من خلال الزيارات والمقابلات والتنسيقات والدعوات لزيارة مصر- حتى لليبرمان- بينما نتعامل مع أحداث لم يبت فيها القضاء بعد بإعلان حالة الحرب، فهذه ازدواجية لا يستوعبها مفهوم صحيح للأمن القومي.
نؤمن بحق كل شعب احتلت أرضه في الكفاح المسلح (الجهاد) لتحرير الأرض، وأن كافة الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين قد شرعت هذا، بل ونؤمن بوجوب دعم المقاومة الفلسطينية بكافة أشكال الدعم, ومن أجل هذا كانت معارضتنا لكامب ديفيد لتقييدها لشعبنا في حقه في نصرة أهله في فلسطين بكافة أشكال النصرة.
ولا زلنا نطالب بفتح معبر رفح ليتاح لشعبنا تقديم الدعم والمساعدات لإخواننا بكافة أشكال الدعم، ونرى أن دعم المقاومة الفلسطينية لتبقى شوكةً في ظهر العدو الصهيوني- تقض مضاجعه وتوقف مشروعاته التوسعية الاستيطانية- هو من دعائم الأمن القومي المصري، ونرى أن العلاقة المصرية المتينة مع المقاومة وفصائلها- وحمايتها وتأمينها- ركيزة رئيسة في صراعنا الإستراتيجي مع العدو الصهيوني، من هنا كانت تظاهراتنا ضد مواقف الحكومات والأنظمة، ولكل صور الضغوط والتضييق على المقاومة وسلاحها وفصائلها.
لكنا حين نتحدث عن دعم المقاومة لوجستيًّا من طرف ثالث عبر الأراضي المصرية فلا نتصور اختراق الأرض المصرية من خارجها دون تنسيق مواقف، أو في الحد الأدنى التأكد من التوافق الذي يتيح مساحة من غض الطرف لتحقيق هذا الدعم، وقد قامت مصر بمثل هذا الدعم للمقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وللمقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي بل بعملية إيلات ضد الصهاينة (1969) مرورًا بالأراضي الأردنية, لكنا نتصور أنه حين أخطأ حزب الله بخطاب أمينة العام وقت العدوان على غزة- والذي ناشد فيه القيادات العسكرية المصرية بالتحرك لفتح المعبر فوقع في خطأ- ما كان له أن يقع فيه- إذ لا يجوز له ولا لغيره التدخل في الشأن الداخلي المصري ولا مخاطبة المصريين إلا من خلال مؤسسات الدولة - وتوترت بلا شك العلاقات المصرية مع حزب الله، ومن ثَمَّ كان عليه أن يُدرك أنه لا تنسيق ولا غض طرف يتيح له في مثل هذه الأجواء نجاح إتمام وتمرير أي عمليات دعم لوجيستي للمقاومة الفلسطينية (مع عظيم تقديرنا لنبل الهدف وشرف المهمة بل واستحقاقها للتضحية).
والحقيقة أن التزامات ملاحق كامب ديفيد واتفاقيات ليفني- رايس وأمثالها ليست بعيدة عن أسباب التوترات المتكررة بين (فصائل المقاومة والأطراف الداعمة للمقاومة من جانب)، وبين (الأطراف التي صار خيارها الإستراتيجي السلام مع العدو- ومن ثَمَّ أصحبت المقاومة عبئًا عليه) من جانبٍ آخر.
وقفة مع (الموقف من الشيعة)
حضرت العام الماضي في لندن في يومين متتاليين مؤتمرين: أحدهما عن (الوحدة الإسلامية وضرورة التقارب السني- الشيعي)، والثاني كان حول الحوار الإسلامي- المسيحي، وقدمت ورقة للمؤتمر الأول قلت فيها (مخاطبًا الحضور من علماء السنّة والشيعة):
"إذا كان يجمعنا جميعًا الإيمانُ بالله ربًّا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً.. يجمعنا جميعًا التزامُنا جميعًا بالأحكام العملية الواحدة: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج.. يجمعنا جميعًا التسليم بكل ما جاء من عند الله، وإذا كان لا يخالف سنيٌّ ولا شيعيٌّ في أن ما جاء بين الدفتين من الفاتحة إلى سورة الناس هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا كله فضلاً عن وحدة العقيدة ووحدة الشريعة ووحدة الحضارة ووحدة الأمة ووحدة دار الإسلام، فإنه يكفينا؟!
كما أن معركتنا الواحدة مع الاستكبار العالمي، والاستبداد الداخلي، والعلمانية الجاحدة لربها؛ تفرض علينا إعادة ترتيب أولوياتنا، لتكون الأولوية للصراع ضد هؤلاء.. ضد الذين يؤازرون ويتعاونون أو يهيئون الطريق للاحتلال العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي لنهب خيراتنا ولطمس هويتنا، ولو كانوا من بني جلدتنا وأبناء طائفتنا ومذهبنا السني أو الشيعي، وضد الذين يستبقون حالة الاستبداد السياسي، وما يصاحبه من استئثار، واحتكار لخيرات الأمة، بعيدًا عن العدالة، والحرية التي جاء بها الإسلام، وضد الذين ينشرون الفساد الأخلاقي ويتبنَّون التقليد الأعمى للغرب، ويسعون لإزاحة الدين عن مواقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها.
نريد الفرز في أمتنا على أساس الموقف من أعداء ديننا وأمتنا:
- الموقف من الاستكبار العالمي ومشروع الهيمنة الأمريكية والصهيونية على مقدرات الأمة.
- الموقف من استبداد الحكومات ومصادرة الحريات ومنع الحقوق والعدالة التي كفلتها شريعة الإسلام.
- الموقف من تهميش دور الدين في الحياة العامة، وإزاحة شريعة الله عن منظومات الحياة، وقصر الدين على العلاقة الخاصة بين العبد وربه.
وحين يحدث هذا الفرز سندرك أن في صفوف كلتا الطائفتين من هم أعداء الأمة.
لن يختلف السنّة مع الشيعة حول حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفداهم ?إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى? (الشورى: من الآية 23)، وعلى علماء السنة إطلاق مبادرات تحرير حب آل بيت النبي (عليه الصلاة والسلام) من القيود والحساسيات، وكذلك على علماء الشيعة الإنكار الشديد على الوالغين في مسألة سبِّ الصحابة؛ إذ لا يمكن التقارب بين من يقول عن الخلفاء الراشدين: "رضي الله عنهم" وبين من يقول "لعنهم الله".
نؤكد أن التقريب ينطلق من تمايز هذه المذاهب، لكننا ننشد التعايش بينها وتقوية المشترك، وهو كثير، ولن يحسم التقارب قضايانا الخلافية في الأمور الجوهرية والمختلفة (الإمامة- العصمة- التقية). ودعونا نتفق أن التقريب لا يعني التذويب ولا الاستغفال فضلاً عن التغليب والإزاحة.
أخيرًا.. وإن كانت المواقف الميدانية السياسية على الأرض في الكثير من المواقع مؤلمةً وتحتاج إلى تصحيح ولا يغفل عن تفاصيلها أحد؛ لكن علينا ألا نجعل من المعالجة لها مزيدًا من تقطيع أواصل الأمة الواحدة.. ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)? (الأنبياء)... "انتهى الاقتباس من كلمة المؤتمر"
لا ينبغي أن نصنع عداوات ولا أن نستبدل بعدونا الصهيوني عداوات أخرى، ولا بد لنا أن نفرز الساحة العالمية فنحدد من أقرب إلينا وأكثر تجاوبًا مع قضايانا ومن أبعد عنا وأقرب لعدونا. هكذا فهم المسلمون الأول وهكذا قرأوا خريطة العالم السياسي من حولهم. ولم يقفوا على الحياد، ولا غابوا عن الصراع الدولي البعيد كل البعد عنهم وقتها لكن كما قال ابن عباس وابن مسعود- رصي الله عنهم- في قول الله تعالى ?الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)? (الروم)، (كان المشركون يحبون أن تظهر فارس- على الروم- لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم- على الفرس- لأنهم أهل كتاب وهم أقرب لدينهم), وساء المسلمين خبر انتصار الفرس على الروم وبشر الله المؤمنين بنصره القادم للروم- الذين هم أقرب لمنظومتهم الحضارية والقيمية- على الفرس الذين هم أقرب للمنظومة الحضارية والقيمية لعدوهم.... ?........ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ.....? (الروم: من الآيتين 4 و5).
ولا يعني هذا أن المسلمين الأول اعتقدوا أن عقيدتهم وعقيدة الروم سواء ولا بقوا مع الروم في خندق واحد لم يتغير، ولم يكن هذا منهم بالتلون ولا بالبراجماتية ولكنها نسبية المواقف والمواقع بحسب قرب الأطراف، وبعدها من مبادئنا وقيمنا العليا ومنظومتنا الحضارية، وهذا من واقعية المنهج الإسلامي.
نحن مصريون مسلمون سنيون عرب، ولنا قضية مركزية محورية هي فلسطين، وعدونا الرئيسي فيها هو الاحتلال الصهيوني ومن يدعمه, ونتعاون في هذه القضية المركزية مع كل من يناصر قضيتنا ويتفق معنا في الموقف من عدونا.
ندرك ونفهم بطبيعة الأمور أن هناك مشروعًا شيعيًّا ينافح عنه أصحابه (وفي المقابل يجب أن يكون لنا مشروعنا السنّي)، وندرك أيضًا أن هناك مشروعًا فارسيًّا (وفي المقابل يجب أن يكون لنا مشروعنا العربي)، ندرك ونعي هذا جيدًا لكن لا يعني هذا أن معركتنا وصراعنا المركزي صار شيعيًّا- سنيًّا ولا فارسيًّا- عربيًّا بل نحتاج في مشروعنا الإسلامي للتقارب والتعاون مع كل من يناصر قضايانا، وكم مددنا أيدينا لقوى في العالم تساند قضايانا فاتجه عالمنا العربي لروسيا وللكتلة الشرقية ولأمريكا اللاتينية، وقد نتجه للصين وغيرها في مواجهة هيمنة وعدوان واستكبار المشروع الصهيو-أمريكي في غير غفلة أن لكل من هؤلاء أيضًا مشروعه وأولياته.
أدركت هذا كله الجماعة الإسلامية في لبنان وأمينها العام فضيلة الشيخ فيصل مولوي، وهي التي تمثل فكرة الإخوان المسلمين في الساحة اللبنانية فوقفت في خندق المقاومة جنبًا إلى جنب مع حزب الله في حربه ضد الصهاينة، لكن حين انفضت المعركة كان للجماعة الإسلامية رؤيتها وموقعها الذي يدرك أن خندقه السياسي والدعوي والجماهيري غير الخندق الذي يقف فيه حزب الله بل قد يكون أقرب لخصومه السياسيين، لأن الجماعة بالضرورة تعبر عن المشروع السياسي والدعوي لأهل السنة في لبنان وليس لغيرهم.
ومن ثم انتقدت الجماعة بشدة موقف حزب الله حين استخدم سلاح المقاومة في الساحة السياسية- ونزل بقواته ورجاله إلى قلب العاصمة بيروت- في العام الماضي، حدث هذا رغم أن موقف الجماعة الإسلامية من المقاومة والدعم والتنسيق مع حزب الله في مواجهة الكيان الصهيوني لم ولن تتغير.
وهكذا سنقف إلى جوار حزب الله متى كانت معركته مع الصهيونية البربرية وسنقف في غير خندقه في أوقات أخرى ولكن لن تنحرف بوصلتنا السياسية فسيظل عدونا المشترك هو ذلك الاحتلال الصهيوني حتى يزول وتعود حقوقنا ومقدساتنا وأرضنا وشعبنا.
المصدر : نافذة مصر