وثيقة حوار القاهرة وأولويات حرجة!
أعلنت القاهرة المسودة الأولى للمصالحة الفلسطينية، وقوبلت بحالة من الارتياح النسبي من كافة الفصائل مع بعض التحفظات- وهذا أمر وارد ومتوقَّع- التي سيتم التشاور حولها حتى يصل الجميع للتوافق المنشود؛ لأنه من المحال أن تأتي متطابقةً مع رغبة كافة الأطراف.
والأمر يحتاج إلى قدر كبير من التفاهم والمرونة بل والتنازل؛ بشرط عدم المساس بالثوابت الفلسطينية، ومع محاولة إشاعة أجواء من التفاؤل والإيجابية حول الوثيقة المصرية؛ إلا أن هذه الأجواء لم تمنع التخوُّفات التي قد تُفرَض على الجميع، فتسمِّم المناخ، وتُلهِب المشاعر، وتخلط الأوراق بصورة سريعة؛ لدرجة يصعب السيطرة عليها؛ فيعود الجميع مرةً أخرى ليس للمربع رقم واحد؛ بل لما هو أخطر من ذلك!.
ومع مطالبة الجميع بآليات واضحة ومحددة وفق جدول زمني معلَن، وكذا ضمانات التنفيذ، وإلزام الأطراف بما تم الاتفاق عليه.. إلا أن هناك أمرًا يرى البعض أنه لا يقلُّ أهميةً عن الآليات والضمانات؛ ألا وهو جملة الإجراءات الوقائية التي يجب على فتح وحماس التعاطي معها بهدف تفويت الفرصة على المتربِّصين بهذا الحوار وهذه المصالحة؛ لأن هناك تيارًا داخل الساحة الفلسطينية يسعى وبكل ما يملك لإفساد التوافق المنشود، وهذا ليس بجديد، فالسوابق شواهد في اتفاق القاهرة "مارس 2005 م" ومكة " فبراير 2007 م" وصنعاء "مارس 2008 م"، وقد ورد في مسودة الوثيقة المصرية طرفٌ منها؛ تمثَّل في وقف التلاسن الإعلامي وكذا الاعتقال السياسي المتبادل، مع الفارق في العدد والمعاملة غير الإنسانية التي يمارسها أمن سلطة عباس ضد معتقلي حماس بهدف تصفية الحسابات من جهة، وإيجاد حالة من الاستفزاز والتوريط والإحراج من جهة أخرى، إلا أن البعض يخشى مما هو أبعد من ذلك.
فمن المتوقع محاولة التصفية الجسدية لأيٍّ من قيادات الحركتين بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ بهدف إحداث حالة من الفوضى ونسف الحوار.. "أعلنت صحيفة (الرأي) العمانية معلومات تفيد بتورط الجنرال توفيق الطيراوي في اغتيال الرئيس عرفات"، أو إحداث ما يخرق التهدئة مع الكيان الصهيوني بصورة مدبَّرة، فيحدث ما لم يكن في الحسبان في ظل الوضع الراهن أو إحداث بعض المشاغبات على الساحة المصرية، تُنسب زورًا لحماس ويوظِّفها التيار التحريضي الفلسطيني والعلماني المصري، فتتسمَّم الأجواء، ويتوقف الراعي الرسمي للحوار عن مواصلة المسير.
لذا وجب على جميع الأطراف قراءة المشهد بوعي ويقظة، والأخذ على يد المتربِّصين والمناوئين لمشروع المصالحة، هناك أيضًا أولوية حرجة يجب التعاطي معها بحرفية في جودة المضمون وسرعة الوقت، وهي "أزمة الشرعية" التي باتت تهدِّد منصب رئيس السلطة خلال الشهور القليلة الماضية، وسوف تهدد المجلس التشريعي نفسه إذا طال الوقت وهو متوقَّع؛ بسبب كثرة بنود المسودة، وتعدُّد الفصائل، وكمّ الملاحظات؛ مما يهدد النظام السياسي الفلسطيني نفسه، ويُدخل الجميع في فراغ سياسي ودستوري وقانوني، ويُهدر الرصيد السياسي للجميع.
لذا وجب توفير جملة من الأولويات؛ منها: الإجراءات الوقائية والتنفيذية؛ كالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين لدى كافة الأطراف؛ لتنقية الأجواء، وإظهار حسن النوايا، وجدية الإرادات، وسرعة تشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة لتسير الأعمال، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعيدًا عن سلطة عباس وحكومتي هنية وفياض، ورعاية إقليمية ودولية فاعلة؛ بشرط إبعاد الدول ذات الرصيد السلبي في الفساد والشفافية وكذا تحذير كافة الأطراف- خاصةً في فتح- من مغبَّة أي إجراء من شأنه إفساد الحوار أو تسميم الأجواء، وأيضًا التأكيد المصري على الكيان الصهيوني بعدم افتعال أي أزمات من شأنها تعطيل الحوار، ويسبق هذا وذاك الفك الفوري للحصار المفروض على شعب غزة؛ كبادرة جدية وحسن نية من مصر ودول الجوار العربي.
وأخيرًا قد يكون الأمر صعبًا.. لكن فلسطين تستحق أن نركب لها الصعب بوعي عالٍ وإرادة قوية.
المصدر:نافذة مصر