هل الاحتفال بالغباء مطلوب؟!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
هل الاحتفال بالغباء مطلوب؟!
د. الواعى.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

إذا تحدث الجاهل فيما لا يعلم فإنه يأتي بالعجب العجاب من المضحكات والمبكيات؛ لأنه يقتل العقول، ويدمِّر العلوم، ويحرق الجهود الفكرية، ويخلط أوراق التقدم الحضاري، ويُعيد العصر إلى الجاهليات الأولى، والطفوليات البائدة، والعصر اليوم ليس فيه متسَعٌ لفاقدي العقول والإحساس العلمي، الذين يهرفون بما لا يعرفون أو يعلمون.

وإن أصيب العالم بنشاز من هذا الصنف؛ فإنهم يتسارعون بهم إلى المصحَّات العقلية والنفسية، وكم رأينا في هذه المصحَّات من يقول: إنه أفلاطون! أو بونابرت! أو صلاح الدين!

إنه وزملاءه في المصحة أعقل وأعلم مَنْ في الحياة.. وليس في الإمكان أفضل مما كان، وهؤلاء الجاهلون- فاقدي العقول- لم يفقدوها بجائحة، وإنما يطمسونها باختيارهم وأهوائهم، ويخسرون أول ما يخسرون عزائمهم وقدارتهم على تطويع أنفسهم للفهم والاستنارة، وكثيرٌ من العظماء دأبوا على تعويد طبائعهم على الصبر والمصابرة في النجاح والفشل، وتدريب عقولهم على البحث والاطلاع والإحاطة والاستقصاء، حتى تتغير الطبائع الكسولة، وتتبدل العادات المثبطة، وتستطيع أن تسمو لما تريد في عزم ونشاط ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)﴾ (محمد)، والعمل في حزم وصدق، وعدم اليأس في الخطوب والعقبات، وهذه سُنة كونية وإنسانية أرادها لمن يريد أن ينهض ويسعد ويسود، والأمثلة الإنسانية والحضارية في العصر الحديث على ذلك كثيرة ومهمة في بيان المقصود..

يقول "توماس أديسون" أشهر مخترع أمريكي في التاريخ والذي استطاع أن يغير حياة ملايين البشر باختراعاته التي منها المصباح الكهربائي، ومشغّل الأسطوانات، وسجَّل ما مجموعه 1093 اختراعًا، وحينما أرادوا أن يردوا هذه الاكتشافات إلى عبقريته، قال: لا تمثل العبقرية لهذه الأعمال إلا 1% إلهامًا، و99% جهدًا، فقد وقف أديسون أمام الفشل وحوَّله إلى نجاح، فعندما فشلت 10.000 تجربة له قام بها على اختراع من اختراعاته، حاول أحد أصدقائه أن يواسيه، عند ذلك قال له أديسون: أنا لم أفشل لقد اكتشفت 10.000 طريقة لا تؤدي إلى الهدف المطلوب.

كان العمل رفيقه الدائم، والمتعة العظيمة طوال سنوات حياته، وظل دائمًا يتمتع باستقلال كبير في شخصيته التي حاول أن يطوِّرَها ويطوِّعَها دائمًا إلى الأفضل؛ لتكون على المستوى المطلوب لتوازي تطلعاته، وكان من آخر اختراعاته تصميمه لإحدى المحطات الكهربائية الأولى في العالم، ولهذا قال "بي آرهويدن": "من أفضل المبادئ في الحياة أن تبدأ في إصلاح نفسك قبل إصلاح الآخرين"، وقال: "إن أفضل الانتصارات أن تنتصر على نفسك".

وقال "رادولف ديريكرس": يمكننا أن نغيِّر حياتنا بأكملها، وأن نغيِّر توجُّه مَنْ حولنا ببساطة شديدة إذا غيَّرنا أنفسنا، ألا ترى معي أن هؤلاء أخذوا ما عندنا ونفذوه حرفيًا:﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11) وذُهلنا نحن عنه.

ولا ننسى أن جهاد النفس ليس بالهين، وإنما يستطيعه الإنسان بالإرادة والعزم والإصرار، وصدق أبو بكر الصديق في قوله عند رجوعه من الغزو: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفس".

ولهذا لا نستغرب نهضة المسلمين الذين خرجوا من رحم الجاهلية المظلمة إلى شموس الحضارة، وإشراقات العلم والمعرفة، لماذا؟ لأن الإسلام غيّر هذه النفوس وحوّل ليلها نهارًا، وتيهها استقامة واستقرارًا، وجهلها معرفة وعبادة، فإذا فتحنا نافذةً واحدةً من نوافذ العلم المختلفة، وخذ مثلاً نافذة الطب، نجد أن المسلمين قد نبغوا في الصدر الأول في الطب الجراحي، واخترعوا له آلاته اللازمة التي لم تختلف كثيرًا عنها في العصر الحديث.

ومن إبداعاتهم أنهم أول من استخرج الحصى المثانية من النساء، ونجحوا في إيقاف نزيف الدم، وإجراء العمليات الجراحية في جميع البدن، ومن أولها فتح الحنجرة، وجراحة التجميل في الشفة والأنف والأذن وغير ذلك، وإجراء الجراحات في البطن والمجاري البولية، والولادة القيصرية، وتجبير الكسور، واستعمال التخدير والإنعاش، وألَّفوا في ذلك المؤلفات التي استفاد منها العالم كثيرًا، مثل مؤلفات "الزهراوي"، وأبو الفرج بن يعقوب (ت 685هـ/ 1286م).

وقد نبغوا في جراحة العيون والأنف والأذن والحنجرة، والعظام، واخترعوا لذلك أدوية التخدير "البنج"، عن طريق الحقن والاستنشاق، والحديث عن نبوغ المسلمين في الطب يحتاج إلى مؤلفات في كل فرع من فروعه: الطب الجراحي- طب العيون- طب الأطفال- طب الولادة- الطب النفسي- التشريح- الأمراض- العلاج- المستشفيات- الصيدلية العربية- العقاقير الطبية، هذا عدا العلوم المختلفة المساعدة والمتقدمة، مثل علوم: الكيمياء، الفيزياء، الأحياء، الجيولوجيا، الفلك، العلوم الرياضية، هذا وغيره إضافةً إلى ما ترجموه من حضارات الأمم وعلومها، وأهدوه للبشرية سائغًا شرابه، وما أهدوه لهم من مخترعات، وعلوم نفسية وتربوية، وجغرافية، وفضائية.

وإذا نظرنا إلى الجاهلين لحضارتهم وأنفسهم، لذُهِلْنَا فعلاً بما وصلوا إليه من جهل وقعود وخمول؛ فقد اطّلعت على منتجات الأمم في جانب واحد فقط، وهو الجانب الغذائي، فما وجدت فيه أي دولة عربية لها تصنيف عالمي في إنتاج شيء، مثل: القمح، والذرة والأرز والخضراوات والفواكه والبطاطس، واللحوم والأسماك، والزيوت، والسكر والمحاصيل الجذرية، هذا عدا الصناعات وغيرها، وغيرها.

ومع هذا التأخر وهذه الجهالة يتكلم بعض الجهال بوقاحة منقطعة النظير إذا أشير إلى دعوة الناس إلى ضرورة التغيير إلى مرجعية إسلامية في إصلاح النفوس، وبعث الهمم والعزائم؛ يريدون أن يظلوا فرحين بجراثيم الجهل والعمى والتنطُّع والضياع، وأمراض الفقر والعَوَز والنفاق، ويظلوا في سكرتهم يعمهون، وفي ضلالهم سادرين لا يستحيون أو يعقلون.. فهم خائبون.. خاسرون.. منبوذون من أممهم وتاريخهم.. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)﴾ (الشعراء: 227).

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى