هكذا تكلم السفير شاش..!
بقلم : معتصم حمادة
استنادا إلى خلاصة السفير شاش فإن إسرائيل دولة لا ترغب بالسلام..
وهذا يعني أن على الفلسطينيين أن ينتزعوا من بين براثن العدو حقوقهم الوطنية بالقوة.
والخطوة الأولى على طريق امتلاك القوة هي في استعادة الوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام.
السفير المصري طاهر شاش، دبلوماسي عريق.
معروف بجدارته الدبلوماسية للقاصي والداني، وبشكل خاص لمن تابع إنجازاته في الخارجية المصرية.
هو واحد من الفريق المصري إلى مفاوضات كامب ديفيد في زمن السادات. وهو، أيضا، واحد ممن خاضوا غمار المفاوضات حول طابا، بعد أن حاولت إسرائيل ابتلاعها. وله في هذا المجال كتابات تفصيلية.
وهو ـ إضافة لهذا كله ـ المستشار الخاص بالفريق الفلسطيني إلى مفاوضات أوسلو.
يقول، في أحد كتبه، أن الفريق الفلسطيني استدعاه في اللحظة الأخيرة وعرض عليه مسودة اتفاق أوسلو، وطلب رأيه به، على أن يكون جاهزا خلال ثلاث ساعات كحد أقصى.
للسفير طاهر شاش كتابات عديدة منها قراءة في الإرهاب الصهيوني، ومراجعات تاريخية لطبيعة المشروع الصهيوني نفسه، من هيرتزل حتى شارون. وبالتالي هو واحد من أهم الخبراء العرب في فهم العقلية الصهيونية، ليس نظريا فقط، بل وبالممارسة العملية.
ومع أن السفير شاش قضى القسم الأكبر من خدمته في التفاوض مع الإسرائيليين إلا أن أهم خلاصة سياسية توصل لها هذا الدبلوماسي المصري العريق هي أن إسرائيل دولة لا تريد السلام، ولا تستطيع، تاليا أن تصنع السلام. فالمشروع الصهيوني قام، أساسا، على العدوان والاغتصاب.
مهاجروه الأوائل قدموا إلى فلسطين، وبنوايا عدوانية، ينتزعون الأرض من أيدي أصحابها الحقيقيين، بأساليب ملتوية.
ويعترف شمعون بيريس، في مذكراته، أن هؤلاء المهاجرين (الغزاة) كانوا يمارسون أعمال الزراعة، وفي الوقت نفسه يتدربون على استعمال السلاح ضد الفلاحين والبدو الفلسطينيين، بعد أن رأت الصهيونية في هؤلاء أعداء لها ولمشروعها.
وعندما رضخت الجمعية العامة للأمم المتحدة للضغوط الدولية، لصالح إقامة دولة إسرائيل، لم يجد أصحاب هذا المشروع سوى العدوان والمجازر، سبيلا لبناء «الأساس» الضروري لهذه الدولة.
واصلت إسرائيل عدوانها «داخل» الدولة (كفر قاسم 56/ يوم الأرض76/ وما بينهما.. وما بعدهما..) وخارج الدولة، في قطاع غزة، والضفة، من قبل أن يسقطا تحت الاحتلال في حزيران (يونيو) 67.
وبعد هذا التاريخ صار الموقف الإسرائيلي معلنا: الاستيلاء على الأرض، و«التخلص» في الوقت نفسه من أصحاب هذه الأرض، «داخل» الدولة، وخارجها.
مناسبة هذا الكلام، وبشكل خاص، الحديث عن السفير شاش، وعن خلاصته السياسية حول موقف إسرائيل من السلام حدثان هما: تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وذهاب الفلسطينيين إلى القاهرة لإدارة الحوار الداخلي.
- لم يكن لنتنياهو أن يحظى بمنصب رئيس الحكومة لولا تزكية أفيغدور ليبرمان، زعيم «إسرائيل بيتنا» له (صاحب الدعوة العلنية لطرد الفلسطينيين خارج أراضي «الدولة») ومواقف نتنياهو معروفة من الحل على المسار الفلسطيني، حيث يرفض حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، بحدود الرابع من حزيران، كما يرفض حق اللاجئين منهم في العودة إلى ديارهم داخل «الدولة».
كما أن مواقفه من الحل على المسار السوري، هي أيضا معروفة: لا عودة إلى خطوط الرابع من حزيران 67، ومع تحويل الهضبة السورية إلى منطقة حرة،سورية ـ إسرائيلية، تقام فيها المنتجعات السياحية، ومزارع التفاح والعنب والفواكه الأخرى، ومعامل إنتاج العصير والخمرة وتصنيع المنتجات الزراعية للهضبة، برؤوس أموال إسرائيلية ـ سورية، مشتركة.
ويرغب نتنياهو بتشكيل حكومة تضم الأطراف كلها، (ولم لا) في الكنيست، خاصة الأحزاب الفاعلة، رغبة منه في تجميع كل عناصر القوة الإسرائيلية، في مواجهة الاستحقاقات السياسية المقبلة على إسرائيل في الأعوام القادمة، وبما يوفر لحكومته عامل الاستقرار حتى نهاية الولاية القانونية للكنيست الإسرائيلي.
ويدرك نتنياهو أن الاستحقاقات القادمة على المسارين السوري والإسرائيلي من شأنها أن تقرر مصير الدولة العبرية ومحيطها الإقليمي، لعقود إلى الأمام، بل ربما تضطرها إلى إعادة صياغة بعض مرتكزاتها السياسية والأمنية.
لذلك يريد حكومة «إجماع وطني» توفر أساسا لإجماع سياسي إسرائيلي.
دون أن ننسى نصيحة السفير شاش وخلاصته السياسية، أن إسرائيل دولة لا تريد السلام ولا تستطيع أن تصنع السلام مع جيرانها العرب، حتى ولو وقعت معهم معاهدات سلام على غرار كامب ديفيد وودادي عربة وأوسلو وغيرها.
- القسم الثاني من المشهد، تقاطر الوفود الفلسطينية إلى الحوار في القاهرة، لتشكيل اللجان المعنية بدراسة الملفات قيد البحث (م.ت.ف/ الحكومة/الانتخابات/الأجهزة الأمنية/ المصالحات الوطنية.) وقد استبق المفاوضات سلسلة من المنغصات التي أوحت وكأن موعد الحوار مرشح لأن يؤجل هو الآخر، لعدم توفر الإرادة الكافية، والنوايا الحسنة لدى الجهات المعنية، خاصة لدى كل من فتح وحماس.
إذا، وبلا مواربة، لابد من القول أن في فتح، وفي حماس، تيارا لا يريد المصالحة الوطنية، وقد استمرأ الانقسام، لأنه رأى فيه مصالحه الخاصة.
هذان التياران، كل من موقعه، يجتهد ـ للأسف ـ في ابتداع العراقيل والمعوقات إما لتعطيل الحوار، وإما لتأجيل الوصول إلى اتفاق حتى أبعد مدى زمني ممكن. وهذا يعني أن على الأطراف المعنية، بمن فيها فتح وحماس، أن تحاصر هذين التيارين، وأن تكشف حقيقة مواقفهما، وأن تعزلهما،..
هذا في حال توفرت ـ كما قلنا الإرادة الكافية والنوايا الحسنة لإنجاز الحوار وإنجاحه، وإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية.
وعلى ضوء قناعاتنا وثقتنا بخبرات السفير شاش وخلاصته السياسية، وعلى ضوء قراءتنا لسياسة حكومة نتنياهو نتوجه، إلى الوفود الفلسطينية في القاهرة بالإشارات التالية:
1) إلى المشاركين في لجنة م.ت.ف.: هل وضعتم نصب أعينكم، وأنتم تدخلون إلى قاعة العمل الخاصة بلجنة م.ت.ف، أن المطلوب منكم هو وضع صيغة تحول منظمة التحرير إلى جهة وطنية متحدة، لكل القوى الفلسطينية، على اختلاف اتجاهاتها، بمن في ذلك التيارات والشخصيات الوطنية المستقلة..
وليس البحث عن مكاسب فئوية ضيقة، كالتنازع على الحصص في مقاعد المجلس الوطني، واللجنة التنفيذية والمجلس المركزي واللجان البرلمانية وغيرها.
هل نسيتم أن العقلية الاستئثارية هي التي قادت المنظمة إلى الوضع الذي تعيشه حاليا.
وهل وضعتم نصب أعينكم أن من شروط تحويل المنظمة إلى جهة وطنية متحدة، لكل الشعب، أن تتبنى برنامجا وطنيا يستجيب للحقوق الوطنية لكل فئات الشعب وشرائحه، وأن وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة قواه السياسية تتمثل في وحدة حقوقه الوطنية وفي عدم التفريط بأي منها أو المقايضة بينها وفق حسابات تنازلية.
2) إلى المشاركين في لجنة الحكومة: هل وضعتم نصب أعينكم، وأنتم تبحثون في تشكيل حكومة جديدة أن المطلوب، ليس الصراع على رئاسة الحكومة، وعلى المقاعد الوزارية فيها بل المطلوب حكومة تستطيع أن تتحمل مسؤولياتها، في تهيئة الجو لتنظيم انتخابات جديدة، رئاسية وتشريعية، في وقت متزامن، وفق أسس ديمقراطية (التمثيل النسبي بالنسبة للتشريعية) وتهيئة الجو لإنهاء الانقسام، والأهم..
نعم الأهم تهيئة الجو لإطلاق مشروع إعادة إعمار قطاع غزة المنكوب بثلاث نكبات وهي، الغزو الإسرائيلي، الحصار، والانقسام..
وبالتالي إذا كان المطلوب تنازلات من حقائب الفصائل لصالح حكومة فاعلة ومنتجة فلتكن هذه التنازلات. إن أخطر ما يواجه لجنة الحكومة أن يذهب الأطراف وفي بال كل منهم مبدأ الاستيزار ولو على حساب مصالح الناس.
3) إلى المشاركين في لجنة الانتخابات: هل وضعتم نصب أعينكم ضرورة العمل لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني المشلول، بفعل حالة الاستقطاب الثنائي (فتح ـ حماس) والتي تطورت وأصبحت انقساما مدمرا.
إن أهم خطوة يمكن أن تخطوها لجنتكم هي أن تعتمد مبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية والبلدية، وفي انتخاب المجلس الوطني الجديد.
التمثيل النسبي الكامل هو الحل لقضايا الوحدة الوطنية وهو الأساس لوحدة وطنية راسخة وعلى أسس ديمقراطية لأن التمثيل النسبي الكامل هو ما يعطي لكل طرف ما يستحقه استنادا إلى الانحياز الشعبي في صندوق الاقتراع، في ظل أجواء نزيهة وشفافة ونظيفة.
4) إلى المشاركة في لجنة الأجهزة: هل غاب عن بالكم أن المطلوب ليس فقط إعادة بناء الأجهزة على أسس مهنية ووطنية وبعيدا عن الانحيازات والولاءات الحزبية والعشائرية والجهوية بل إن المطلوب أيضا أن يكون للسلطة أجهزة أمنية تشتق مهماتها من البرنامج السياسي الذي تعتمده الفصائل والقوى السياسية، والمؤسسات التشريعية وهو البرنامج الوطني.
أي أن الأجهزة معنية ليس فقط بضمان الأمن الداخلي، بل كذلك أمن المواطن من العدوان الإسرائيلي. وإلا فإن نظرة المواطن لهذه الأجهزة ستبقى نظرة شك وعدم تقدير.
5) أخيرا.
إلى المشاركين في لجنة المصالحات: ندرك جيدا أن الجسم المجتمعي قد أثخنته جراح الاقتتال والتصفيات التعسفية.
إن إجراء مصالحات وطنية شاملة، شرط ضروري لطي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة، وإلا فلا معنى للوحدة الوطنية إذا لم تستند، فيما تستند إليه، إلى وحدة مجتمعية.
وبالعودة إلى السفير شاش، نقول، إن الاستحقاقات القادمة على الحالة الفلسطينية شديدة التعقيد، وأهمها أن إسرائيل لا ترغب بالسلام، أي أن على الحركة الوطنية الفلسطينية أن تنتزع الحقوق الوطنية الفلسطينية بالقوة. والخطوة الأولى على طريق امتلاك القوة هي استعادة الوحدة الداخلية.
المصدر
- مقال:هكذا تكلم السفير شاش..!المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات