نكتة " تمرد " بقلم : د. محمد عبد اللطيف
أهل العلم يقولون : من أتى بالهزل في موطن الجد فقد جهل .. وكان أبو عبد الله محمد بن كليب الخولاني فقيها فاضلا ، ومن روائع أقواله : أرى زمنًا يدني الرفيع ، ويرفع الوضيع ، ودهرًا يخلط الجد بالهزل .. وحركة "تمرد" تكريس للهزل الذي يمارسه المعارضون للرئيس مرسي منذ توليه السلطة ، ولهذا أرى أن تسميتها بـ " نكتة تمرد " أنسب من تسميتها بـ " حركة تمرد " لأن نكات هذه الحركة كثيرة جدا .
فمن نكات حركة "تمرد" أنها تبشر المصريين بآلية جديدة في التغيير لم تعرفها الديمقراطيات الحديثة .. ففي مراحل تاريخية متعددة أثبتت استطلاعات الرأي في أمريكا أو فرنسا أو غيرهما انهيار شعبية أحد الرؤساء هناك ، ولم تلجأ المعارضة إلى الهزل في مواطن الجد ، بل كانت المسالك الدستورية والقانونية هي الفيصل في بقاء الرئيس من عدمه .
ومن نكات حركة "تمرد" أنها تستهدف جمع خمسة عشر مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس ، وهي تزعم أنها تستند إلى ضعف أداء الرئيس وانهيار شعبيته وشعبية الفصيل الذي ينتمي إليه ..
ولو كان هذا صحيحًا لكان الوقت في صالح هذه الحملة ، ولكان الأولى بدعاتها أن يصبروا حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية ليحصدوا تصويت هذه الملايين وزيادة ، بحيث تتم إزاحة الرئيس بنفس الآلية التي جاء من خلالها ، وتمسك المعارضة بزمام السلطة ، وتتولى إدارة مؤسسات الدولة على نحو يضمن احترام كافة الفصائل والقوى السياسية لقواعد الديمقراطية التي قبل الجميع أن يتحاكموا إليها .
ومن نكات حركة "تمرد" أن أنصارها يطلبون من الشعب المصري أن يقوم بالتوقيع لهم ، وهم الذين اتهموا هذا الشعب عقب كل انتخابات جاءت نتيجتها في غير صالحهم بأنه شعب أمّيٌّ يسهل التغرير به ، ويتمّ شراء أصواته بزجاجة من الزيت أو بكيس من السكر ..
ونحن نعرف في أنصار هذه الحملة وفي دعاتها من طالبوا بإسقاط حق ملايين المصريين الدستوري في التصويت .. فهل استعاد المصريون أهليتهم ونزاهتهم ، وهل أصبحوا أكثر رشدًا في نظر القائمين على هذه الحملة ؟! .
ومن نكات حركة "تمرد" أنها تطلب من المصريين أن يوقعوا على استمارات لا رقابة للقضاء عليها ، ولا مجال للثقة فيها ، وتتوهم الحركة أنها يمكن أن تمحو بتلك التوقيعات نتيجة وأثر توقيع المصريين وتصويتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، وهو التصويت والتوقيع الذي تم تحت إشراف القضاة ، وبضمانات الحبر السري ، وتحت سمع وبصر وسائل الإعلام ، وفي ظل رقابة منظمات المجتمع المدني من داخل مصر وخارجها .
ومن نكات حركة "تمرد" أن تجد في أنصارها كتف عضو الحزب الوطني المنحل في كتف عضو بجبهة الإنقاذ ، وأن يحمل استمارتها شاب من شباب الثورة بجانب عضو في مجموعة البلاك بلوك ، وأن يدعمها سياسي لا وجود له في الشارع ولا أمل له في نيل ثقة الناس بجانب إعلاميين يسكنون القصور ويتقاضون الملايين ، ويروجون لإسقاط الرئيس الذي ما زالت أسرته تسكن شقة بالإيجار .
ومن نكات حركة "تمرد" أن يدعوني إمام مسجد أعرفه إلى دعم هذه الحركة ، وأن يسعى كي يشارك الناس في هذه الحملة ، ليس لأنه يؤمن بأن توقيعهم له اعتباره القانوني والأخلاقي ؛ ولكن لمجرد أنه يكره جماعة الإخوان ، ويتمنى عودة الرئيس المخلوع ..
ومن يعرف هذا الرجل لا ينسى أنه قد خرج أيام الثورة مع مجموعة من المنتفعين والطامعين والمغرَّر بهم للهتاف ببقاء الرئيس المخلوع واستمرار نظامه الغاشم .. بل إن الرجل يعلم منذ سنوات أن الناس في الحي الذي يقع فيه مسجده قد كفروا بإمامته .
وهجروا مسجده بعد أن سئموا خطبه ، وملَّ معظمهم من المطالبة برحيله ، لكنه يصر على البقاء جاثما على أنفاس جمهور المسجد حتى يبلغ سن المعاش ، وهو في الوقت ذاته يرفض أن ينال الرئيس المنتخب حقه الدستوري في إكمال مدته التي لا تزيد عن أربع سنوات .
لقد هزُلت حتى بدا من هزالها
- كُلاها و حتى سامها كل مُفلس
المصدر
- مقال:نكتة " تمرد " بقلم : د. محمد عبد اللطيف موقع: إخوان الدقهلية