نبذ العنف مطلوب وممارسة اللاعنف تهمة!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
نبذ العنف مطلوب وممارسة اللاعنف تهمة!


بقلم : فهمي هويدي

في حين رحبت القاهرة بمبادرة وقف العنف التي صدرت عن قادة الجماعة الإسلامية. فان احكاما قاسية بالسجن صدرت بحق نشطاء اللاعنف من اعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الامر الذي يثير اسئلة عديدة حول دوافع ومقاص هذه المفارقة.

خلال الشهر الماضي افردت مجلة «المصور» الاسبوعية المصرية صفحاتها الافتتاحية لحوارات اجراها رئيس تحريرها المقرب من دوائر السلطة، الاستاذ مكرم محمد احمد، نقيب الصحافيين السابق. وتركزت تلك الحوارات حول المراجعات وعملية نقد الذات التي مارستها قادة الجماعة الإسلامية، التي كان لها دورها ـ مع جماعة الجهاد ـ في اذكاء العنف ومحاولات الاغتيال التي بدأت باغتيال الرئيس السادات في عام 79، وبلغت ذروتها خلال عقد التسعينيات.

هذه «التوبة» عن العنف امتدحها رئيس تحرير المجلة القومية، واعتبرها موقفا شجاعا جديرا بالحفاوة والترحيب، وكان واضحا من سلسلة الحوارات والتقارير التي نشرتها «المصور» حول الموضوع ان الاجهزة الامنية شجعت هذا التطور، والاغلب انها اسهمت في حدوثه، اذ هي التي رتبت لقاءات رئيس تحرير المصور مع قادة الجماعة الإسلامية، الذي امضى اغلبهم عشرين سنة في السجن ـ منذ ادانتهم في قضية اغتيال السادات ـ وهي التي رتبت اتصال اولئك القادة واجتماعهم مع عناصر الجماعة الموزعين على عدة سجون في اقاصي مصر، كما ان هذه الاجهزة كان لها دورها في ظهور كتب «المراجعات» الاربعة، التي صدرت في بداية العام الحالي، وكان اولئك القادة قد عرضوا فيها رجوعهم عن افكار العنف وادانة المجتمع ومفهوم الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من مكونات المنظومة التي سوغت لهم الاقدام على ما فعلوه خلال العقدين الماضيين.

ايا كانت خلفيات المراجعات أو التوبة، فالقدر المتيقن ان ما تم على ذلك الصعيد يعد خطوة الى الامام، الترحيب بها واجب، وتشجيعها اوجب، ولا يقلل من شأن ما جرى ان يكون لاجهزة الامن دور فيه، بل انني ازعم انه اذا تأكد ذلك الدور، فانه يمثل نجاحا لتلك الاجهزة، يحسب لها في كل الاحوال، اذ حين لا يقف جهد الاجهزة عند حد ملاحقة جماعات التطرف واجهاض عملياتها، وانما يتجاوز تلك الحدود الى الاشتراك في اقناع قادة الجماعات بخطأ موقفهم الفكري حيث يحدث ذلك فانه يعبر عن دور ناضج ومتقدم للاجهزة المعنية، وعن كفاءة عالية في الاداء، تسهم في استئصال جذور الارهاب، ولا تكتفي بمعالجة اثاره ونتائجه.

ينبغي ان نسجل في الوقت ذاته ان هذا الدور ما كان له ان يحقق اهدافه بدون ان يكون لدى اولئك القادة استعداد لاجراء تلك المراجعة ومن حقهم ان نسجل لهم انهم ـ للبعض ان شئت الدقة ـ اطلقوا مبادرة وقف العنف لاول مرة في منتصف التسعينيات، حيث كنت احد افراد المجموعة التي تحركت في خارج السجون لتفعيل تلك المبادرة، لكن ظروفا معاكسة لم تمكن تلك المجموعة من مواصلة مهمتها، الامر الذي ادى الى تجميد وساطتها انذاك.

وما يعنينا في هذه القصة هو التطور الفكري الذي طرأ على قادة الجماعة الإسلامية، والذي تم تشجيعه رسميا، بحيث جرى بمقتضاه اقلاع الجماعة الإسلامية عن فكرة العنف ونبذها لاساليبه، وهو التطور الذي استقبل بدرجة عالية من الارتياح والترحيب على مختلف المستويات في مصر بل في مختلف دوائر الناشطين الاسلاميين الداعين الى الانخراط في العمل السياسي، والمدافعين عن التغيير السلمي والديمقراطي.

غير ان ما لفت الانظار حقا هو ذلك التزامن بين بوادر طي صفحة العنف لدى الجماعة الإسلامية وبين الحملة التي جرى شنها في مصر ضد عناصر جماعة الإخوان المسلمين، التي لم يعد يختلف احد على انها نبذت العنف، وتحاول منذ ثلاثة عقود على الاقل ان تشارك في العمل العام من خلال مؤسساته الشرعية والعلنية.

احدث حلقات تلك الحملة وقعت في الاسبوع الماضي، حين اصدر القضاء العسكري احكاما بالسجن على 16 من اعضاء تلك الجماعة، فيما عرف بمجموعة «الدكاترة» لان بينهم سبعة من اساتذة الجامعات وثلاثة من الاطباء، ورجل اعمال ومحاسب وموظف سابق بوزارة التربية والتعليم، تجاوز سن الستين! ـ وقد حكم على خمسة من هؤلاء بالسجن خمس سنوات، بينما حكم على الباقين بالسجن 3 سنوات (ستة اخرون صدرت بحقهم احكام بالبراءة).

غير هذه المجموعة فهناك 250 عضوا اخر من جماعة الإخوان محتجزون تحت ذمة تحقيقات وقضايا اخرى، تدور التهم فيها حول محاولة احياء جماعة محظورة مناهضة للحكم، واحراز منشورات، وبلبلة الرأي العام، واختراق مؤسسات الدولة لتجنيد بعض عناصرها لصالح الجماعة، وغير ذلك من التهم المتعارف عليها، التي تردد في القضايا المماثلة.

ومعروف ان هذه الحملة بدأت في اعقاب حوادث سبتمبر (ايلول) التي اعقبتها تطورات اخرى كان لعناصر جماعة الإخوان دورها البارز فيها، ومنها تصاعد الانتفاضة الفلسطينية، وتنشيط عملية المقاطعة ضد اسرائيل والمعركة الانتخابية في مدينة الاسكندرية التي اشترك فيها اثنان من مرشحي الإخوان، وهو ما يرجح وجهة النظر القائلة إن الغاء القبض على العناصر الناشطة في الجماعة، واصدار احكام بالسجن ضد افرادها، وجعلهم من النخب عالية المستوى الثقافي والمهني، هو بمثابة رسائل تحذيرية من تفعيل دور الجماعة أو اثبات حضورها في المجالات والمناسبات العامة، وقد كان ذلك هو ما دفع جريدة «الحياة» اللندنية الى نشر خبر الاحكام العسكرية التي صدرت بسجن 16 من عناصر الجماعة تحت عنوان يقول: القاهرة تسعى الى استئصال نمو الإخوان.

جدير بالذكر في هذا الصدد انه في حين يحاكم اولئك النفر من اساتذة الجامعات والمعنيين بتهمة احياء جماعة محظورة، فان السلطة والجميع يعرفون في مصر ان للجماعة «مرشدا عاما» ونائبا للمرشد، أي ان للجماعة رأسا معترفا به عمليا، وسياسيا احيانا، بدليل ان مرشد الجماعة ونائبه دعيا الى المشاركة في استقبال الرئيس حسني مبارك في مطار القاهرة، اثر نجاته من محاولة اغتياله في اديس ابابا، للتأكيد ان كل القوى السياسية المصرية اسعدتها نجاة الرئيس من المحاولة، وحتى الآن فان الجماعة لا تفوت حدثا عاما الا وتصدر بيانا تعلن رأيها فيه، وكثيرا ما تشير الصحف الى مضمون تلك البيانات.

وجه الملاحظة هنا ان عناصر الجماعة تحاكم عسكريا وتسجن بين الحين والاخر، بينما رئيس الجماعة ونائبه يواصلان نشاطهما في العلن، ولم يمس احد منهما بسوء! ـ كأنما المراد هو الابقاء على الوجود الرمزي للقيادات التقليدية من شيوخ الجماعة، خصوصا انه لا يتوافر حتى الان بديل عن الإخوان مقنع في مصر، مع الحرص على استئصال العناصر الناشطة والصاعدة في الصفين الثاني والثالث.

مفارقة الترحيب بنبذ الجماعة الإسلامية للعنف وتحولها الى اللاعنف، وفي نفس الوقت الحرص على اجهاض واستئصال كوادر جماعة الإخوان، التي طوت صفحة العنف منذ اكثر من ثلاثة عقود تجسد حقيقة الحاجة الى توسيع نطاق الديمقراطية في مصر، حتى لا يفهم ان المقصود ليس نبذ العنف فحسب، وانما نبذ العمل السياسي بالكلية، بحيث تظل ابوابه مفتوحة لتيارات بذاتها، وموصدة في وجوه قيادات الإخوان، الامر الذي يعني ان الامر ليس موقفا من التيار الاسلامي ـ وان بدا كذلك على السطح ـ ولكنه موقف من الديمقراطية ذاتها.

ومن مفارقات المشهد ان سجن 16 من عناصر الإخوان، واحتجاز 250 اخرين تمهيدا لتقديمهم الى المحاكمة العسكرية، كل ذلك لم يكن له صدى يمثل عشر معشار صدى الحكم الذي صدر بسجن استاذ علم الاجتماع المصري الدكتور سعد الدين ابراهيم، إذ في حين تجاهلت مختلف المنظمات الدولية الخطوة الاولى، فان وزارة الخارجية الامريكية والمفوضية الاوروبية اعربتا في بيانين مختلفين عن «خيبة الامل» و«الفزع» ازاء الحكم الذي صدر بحق الدكتور ابراهيم.

ربما يقال في تبرير ذلك ان الدكتور ابراهيم يحمل الجنسية الامريكية فضلا عن المصرية، ولكن هذه الحجة تثير سؤالا مباشرا حول ما اذا كان من الضروري ان يحمل المرء الجنسية الامريكية حتى تثار قضية مظلوميته ويجد من يدافع عنه في الاوساط الدولية.

ترى، هل كتب على الناشط في بلادنا ان يظلم مرتين، مرة لانه ناشط ومرة ثانية لانه لا يحمل الجنسية الامريكية؟

المصدر