من «رؤية» بوش إلى «اقتراحات» أولمرت .... أسباب للقلق والخشية...!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
من «رؤية» بوش إلى «اقتراحات» أولمرت .... أسباب للقلق والخشية...!
ليفنى.jpg

بقلم : فيصل علوش

التحركات الدبلوماسية النشطة التي شهدتها وتشهدها المنطقة أخيراً، تشيع أجواءً توحي وكأن اهتمام الأطراف الفاعلة المعنية، بات ينصب جدياً، هذه المرة، للوصول إلى حل للقضية الرئيسية فيها، أي الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

فهاهو الرئيس الأميركي بوش يعيد التأكيد مجدداً على «رؤيته» بشأن دولة فلسطينية «ذات حدود متصلة وقابلة للحياة، وتعيش بسلام مع إسرائيل». ويدعو إلى عقد «اجتماع دولي للسلام في المنطقة» في الخريف القادم، للبحث في قيام هذه الدولة، ومجموعة نقاط أخرى مثل المستوطنات واللاجئون، على أن ترأسه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وأن يضم «الدول التي تدعم حل الدولتين وتنبذ العنف، وتعترف بحق إسرائيل في الوجود، وتلتزم بسائر الاتفاقات بين الأطراف».

وبالمقابل، وباستثناء تحفظ سوري، رحب وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم الذي التأم في القاهرة (30/7) بـ«الجوانب الإيجابية» في مبادرة بوش، وأكدوا، في الوقت ذاته، على أن يكون «المؤتمر الدولي شاملاً لكل المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، بما يعني حضور كل الأطراف المعنية» مشددين على موقف الدول العربية الداعي إلى «تحقيق السلام العادل والشامل وفقاً لمبادرة السلام العربية» ومحذرين من إضاعة الفرصة الحالية لتحقيق السلام.

وحسب مندوب سورية لدى الجامعة العربية، الذي حضر الاجتماع نيابة عن الوزير وليد المعلم، فإن التحفظ السوري على الترحيب بمبادرة بوش مردّه الاعتقاد بأن «مناقشة الوضع الفلسطيني في ظل حالة الانقسام الفلسطيني القائمة من دون معالجة هذا الوضع إنما تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية».

وفي الوقت الذي كان فيه وزيرا خارجية مصر والأردن يزوران إسرائيل للترويج لمبادرة السلام العربية، التي أعادت القمة العربية الأخيرة في الرياض احياءها وتفعيلها، سربت صحيفة «هآرتس» العبرية أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراء مفاوضات بشأن «اتفاق مبادئ» لإقامة دولة فلسطينية على نحو 90% من أراضي الضفة الغربية، وكل قطاع غزة، على أن يتم لاحقاً التقدم نحو محادثات في المسائل السياسية الجوهرية العالقة، أي قضايا الوضع النهائي.

ويشتمل اقتراح أولمرت على «مقايضة أراض تعوض للفلسطينيين الأراضي المقامة عليها الكتل الاستيطانية» إضافة إلى الربط بين الضفة والقطاع بنفق يمنح الفلسطينيين تواصلاً جغرافياً «...» و«إيجاد طريقة تمكن الفلسطينيين من عرض أجزاء من القدس الشرقية على أنها عاصمة لدولتهم».

وقد عقب أولمرت على ما نشرته «هآرتس» بقوله: «ثمة فرصة لنضوج عملية تفاوضية تبحث بشكل عملي في مراحل إقامة دولة فلسطينية».

حركة محمومة

وإلى ذلك، شهدت المنطقة حركة محمومة على صعيد الزيارات المتبادلة بين مسؤولين عرب وأميركيين وغربيين، من أبرزها زيارة توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، إلى الأردن وإسرائيل والضفة الغربية، في أولى مهماته، ممثلاً للجنة الرباعية الدولية، للبحث في سبل إحياء «عملية السلام»، وقيام الملك الأردني بزيارة إلى واشنطن التقى خلالها الرئيس بوش وأركان إدارته في وزارتي الخارجية والدفاع، ونقل أن «وضع خطوات تمهيدية لمؤتمر السلام المرتقب في الولايات المتحدة» كان في صلب محادثات الجانبين الأردني والأميركي. كما ذكر أن المحادثات بحثت في «سبل مساعدة السلطة الفلسطينية وتحسين عمل الأجهزة الأمنية».

كما زار واشنطن أيضاً رئيس المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان، حيث استغرقت زيارته أسبوعاً كاملاً، وقالت مصادر مصرية إن زيارته «كانت ناجحة وإيجابية، وكان هو مستبشراً ومعنوياته عالية».

وبأنه تم «طرح أفكار جديدة حول الوضع الفلسطيني» في إطار «التنسيق المصري ـ الأميركي في هذا الشأن» وأضافت المصادر أن «مصر هي المدخل والبوابة لحل القضية الفلسطينية، ولا يمكن لأي أحد يريد أن يتعامل مع القضية الفلسطينية أن يغفل الدور المصري».

لكن لعل الزيارة الأهم هي تلك التي بدأتها وزيرة الخارجية رايس برفقة وزير الدفاع روبرت غيتس إلى المنطقة (30/7) والتي شملت كلاً من مصر والسعودية وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، للبحث في التحضير للمؤتمر أو الاجتماع الدولي المقترح، وفي قضايا أخرى مثل الأزمة العراقية والمساعدات العسكرية التي ستقدمها واشنطن لإسرائيل ومصر، وصفقة الأسلحة إلى السعودية وخمس دول خليجية أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه، بعد هذا كله، هو هل غيرت الإدارة الأميركية وتل أبيب جلدهما وسياساتهما، وباتا على استعداد جدي وحقيقي لتلبية استحقاقات السلام، وإعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 كاملة؟

وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من تبيان السياق السياسي العام الذي تتم فيه هذه التحركات، ولا بد كذلك من الخوض في كثير من التفاصيل (حيث الشياطين تكمن) للوقوف على حقيقة الأهداف المطروحة ومآلات تطور الأمور. وما يلاحظ في مبادرة بوش هو إسرافها في التفاصيل والدقة حين يتعلق الأمر بالشروط التي يتعين على الفلسطينيين تنفيذها للحصول على دولتهم، في حين أنها تسرف في الغموض والإبهام والعموميات لدى تطرقها إلى العناصر التي يتوجب على إسرائيل تنفيذها والالتزام بها للوصول إلى هدف السلام.

نوايا ووقائع

قد يفكر الرئيس بوش مع اقتراب رحيله من البيت الأبيض والإخفاق المدوي لمشروعه في العراق والمنطقة، ومع اشتداد الضغوط الداخلية عليه، من الكونغرس والرأي العام للانسحاب من العراق، في تحقيق إنجاز ما يغطي به على فشله، ويرمم شيئاً من الخسائر التي لحقت بإدارته وبحزبه، لكن ما طرحه في دعوته، والأهداف التي حددها للاجتماع المزمع، وأسس المشاركة فيه، والتي تلزم المشاركين بالتطبيع مع إسرائيل حتى قبل الشروع بالمفاوضات، وما انطوت عليه من إمكان استبعاد مشاركة بعض الدول (سورية) حتى لو استحال تحقيق السلام من دونها، ذلك كله لا يساعد أبداً في تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، (حتى بافتراض صدق النوايا وجدية التوجه، وهذا أمر مشكوك به بكل تأكيد) فالسعي في سبيل السلام يفترض انعقاد «الاجتماع» تحت رعاية الأمم المتحدة، وأن تكون قراراتها ذات الصلة بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي، هي المرجعية، بما يضمن إزالة الاحتلال، واحترام حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وكاملة السيادة على كامل أراضيه المحتلة عام 1967 أما حين تصر إدارة بوش وتقرر منفردة على أن تترأس الوزيرة رايس هذا الاجتماع، وتحدد وحدها جدول الأعمال والأهداف، وحين يجري خفض سقف التوقعات بعد ساعات من إعلان بوش لمبادرته،

فيصبح الأمر متعلقاً بـ«اجتماع» وليس «مؤتمراً» كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض، الهدف منه «بحث سبل إقامة مؤسسات أساسية للفلسطينيين تتيح لهم إدارة شؤونهم بأنفسهم، والحصول على الديمقراطية» حينذاك كله يصبح طبيعياً وبديهياً أن يرتاب المرء في الأهداف والمآلات، التي يمكن أن تختزل لـ«دعم سلطة عباس حصرياً» مستغلين انقلاب « حماس » في غزة ، وما ترتب عليه من شرخ فلسطيني، وثمة الكثير من المؤشرات والوقائع التي تدل على أن النوايا الأميركية والأوروبية والإقليمية، تمضي في هذا الاتجاه فقد تضمنت مبادرة بوش ذاتها تعهداً أميركياً بتقديم 190 مليون دولار لحكومة عباس في السنة المالية الحالية، يخصص منها 50 مليون دولار لـ«دعم الديمقراطية وبناء المؤسسات الفلسطينية، وتطوير القطاع الخاص» كما يجري تدبير إرسال 86 مليون دولار لإصلاح قوات الأمن التابعة للرئيس عباس. هذه بتلك

أما إذا كان الرئيس بوش يفكر في كسب معركته في العراق، من خلال تحقيق إنجاز معين في فلسطين على طريقة «هذه بتلك» فدون ذلك عقبات وصعوبات شتى، تجعل المهمة شبه مستحيلة، ويكفي لتوضيح ذلك تبيان حجم الفروقات بين وضع إدارة بوش الأب، حين دعا لمؤتمر مدريد 1991 ، من موقع المنتصر، الذي يريد استكمال انتصاره العسكري وحصد نتائجه السياسية، بينما بوش الابن يغوص في أوحال العراق ، ويستنجد بـ«اجتماع سلام» لعله يخرجه من مأزقه العراقي، وفي واقع الحال سيكون عاجزاً، بسبب ذلك بالضبط عن الضغط على إسرائيل لتحقيق التوازن المطلوب، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية هي الأخرى ضعيفة ولا تستطيع دفع استحقاقات التسوية المنشودة، ويضاف إلى ذلك كله، غياب الإجماع العربي والموقف الموحد حيال القضايا المطروحة فالجانب العربي يبدو ناقداً للفاعلية ولا يمتلك زمام نفسه، لا في فلسطين ولا في العراق، ولا في أي مكان آخر.

كرم أولمرت

وفي حال تفحص فحوى ومضمون اقتراح أولمرت الذي نشرته «هآرتس» سنجده يقول أن «لا مجال للخوض في جزئيات التسوية الدائمة» الآن فوفقاً لمقاربته «من الصعب جداً التوصل إلى اتفاق حول المسائل الجوهرية الثلاث: الحدود و القدس ومسألة اللاجئين التي يجب تركها للمرحلة النهائية من المفاوضات» كما ذكرت «هآرتس» بأن أولمرت رفض اقتراح وزيرة الخارجية الأميركية رايس التوصل إلى «اتفاق رف» بوساطة أميركية، أي إلى اتفاق حول التسوية الدائمة على أن يتم إرجاء تطبيقه.

وكانت إسرائيل أعلنت عن رفضها كذلك لتدخل بلير في مفاوضات الوضع النهائي ورأت أن مهمته الرئيسية تنحصر في بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية، وحشد المساعدات المالية الدولية لها.

وقد شكك مصدر مصري بأن يكون أولمرت يستطيع الانسحاب من 90% من أراضي الضفة الغربية، مرجحاً بأنه لا يمكنه الانسحاب من أكثر من 42% كما سبق وطرح سلفه أرييل شارون، مشيراً إلى أن هذه الأيام هي «العصر الذهبي لإسرائيل» لسبب ما جرى في غزة وفي كل الأحوال فمن حق المرء أن يرتاب بهذا الكرم المفاجئ الذي يغدقه إيهود أولمرت؟!

وستتضح الصورة أكثر عندما نتمعن بالأهداف المباشرة والحقيقية لزيارة رايس وغيتس إلى المنطقة، وخصوصاً اجتماعهما في شرم الشيخ مع وزراء الخارجية في الدول الخليجية + مصر والأردن، أو ما بات يعرف بـ(6+2+1) حيث يتضح جلياً أن الهدف الحقيقي والعملي المباشر للزيارة وهذه الاجتماعات، هو دعوة معسكر «الاعتدال» العربي للاصطفاف والوقوف في وجه معسكر «التطرف» وفق التصنيف الأميركي، فـ«المساعدات العسكرية» كما قالت رايس، هدفها «موازنة التأثير السلبي لكل من القاعدة وحزب الله ودمشق وطهران، ولمواجهة تهديد التطرف وتعزيز دور القاهرة والرياض الريادي في المنطقة من أجل السلام في الشرق الأوسط ولضمان استقلال لبنان وحريته».

فالاستراتيجية الأميركية إذاً تقوم على دعم «المعتدلين» العرب، وإقامة شراكة عسكرية عربية ـ إسرائيلية، في مواجهة «الخطر الإيراني» وهذا ما يفسر غياب المعارضة الإسرائيلية لتعزيز القدرات العسكرية العربية، فهي في غاية الاطمئنان إلى أن هذه الأسلحة لن تستخدم ضدها قطعاً.

كما أن «المساعدات العسكرية» التي تتحدث عنها رايس، ستكفل، أقله، الشروع بسباق تسلح في المنطقة، على أمل أن يسهم ذلك في استنزاف إيران ، كما حصل سابقاً مع الاتحاد السوفيتي، ومن هنا جاء الانتقاد الإيراني للسياسة الأميركية القائمة على إثارة الخوف للتمكن من بيع وتصدير أسلحة إلى المنطقة، مع الحفاظ دائماً على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل,

ولكن الإدارة الأميركية لا تريد هذا فحسب، بل ترغب بدفع العواصم العربية، وخصوصاًُ الرياض والقاهرة، للتعاون الكامل في الملف العراقي، إذ أنها أبدت مؤشرات عدة لخيبتها من الدور العربي (السعودي خصوصاً) في العراق، فالرياض، حسب بعض التصريحات لمسؤولين أميركيين (زلماي خليل زاد مثلاً) لا تبدي تعاوناً كاملاً مع حكومة نوري المالكي، وتحرض العرب السنة على اتخاذ موقف رافض للعملية السياسية في العراق ، والحال، ففي ظل ضعف النظام العربي وتمزقه، وفي ظل الاستقطاب الفلسطيني والشرخ الحاصل بين « حماس » والسلطة، وفي ظل المسعى الأميركي والإسرائيلي لاستئصال جذوة المقاومة، وتحطيم أي شكل من أشكال الممانعة لمشاريعهما في المنطقة، فإن الاحتمالات التي تنطوي عليها المبادرات والاقتراحات المطروحة، من بوش إلى أولمرت، أدعى إلى الخشية على مصير القضية الفلسطينية أكثر من الاطمئنان على مقدمات ودواعي حلها، والسلام.#

المصدر