ممدوح الولي يكتب: التجربة المصرية مع التطوع الرسمي
25-06-2014
محتويات
مقدمة
خلال عملية انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من سيناء قامت بتدمير مستعمرة ياميت، ولإعادة بناء تلك المستعمرة قامت مؤسسة الأهرام بفتح باب التبرعات للجمهور حتى تم جمع أكثر من ثمانية ملايين جنيه وقتها، ومرت السنين دون أن يعرف أحد مصير المبلغ في ضوء عدم إنشاء أرض الفيروز التي وعدوا بها.
وبعد غزو أفغانستان دعت الجهات الرسمية إلى التبرع لأفغانستان واستجاب الكثيرين للتبرع بالمال والملابس والطعام، ثم تبين أنه لم يصل شيء مما تم جمعه إلى أفغانستان.
وفي ضوء الحرب الصهيونية على غزة تنادي المصريون للتبرع لسكان غزة المحاصرين، بكميات ضخمة من الغذاء والمواد الطبية، ثم تبين أن كميات كبيرة من المواد الغذائية ظلت باستاد العريش حتى فسدت، دون أن يستفيد منها أهل غزه شيئًا.
ومع وقوع الزلزال في مصر قامت بعض الدول العربية بالتبرع لضحايا الزلزال، إلا أنه على المستوى الشعبي كان هناك تشكك في عدم وصول تلك الأموال إلى مستحقيها، مما دعا المصريين لإطلاق النكات على الرئيس مبارك تندرًا على تسرب تلك التبرعات.
صندوق دعم مصر غير معروف مصير أمواله
- وهكذا توجد خبرة سلبية تاريخية وحالة من عدم الثقة لدى كثير من المصريين تجاه دعوات التبرعات الرسمية، ومن هنا فقد ركز كثير من المصريين تبرعاتهم على الفقراء من المجاورين لهم في السكن، والمعروفين لهم أو الأقرباء نسبًا، خاصة مع كثرة ما تنشره الصحف من انحرافات مالية لبعض قيادات جمعيات أهلية.
ولم تنقطع دعوات التبرع القومية، فبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير تبني الشيخ محمد حسان دعوة لجمع التبرعات للاستغناء عن المعونة الأمريكية لكنها وجدت عزوفًا من قبل الإعلام الخاص.
وبعد انقلاب الثالث من يوليو بيومين تبنى صاحب عدد من القنوات الفضائية دعوة لجمع التبرعات لدعم الاقتصاد، وتم تأسيس صندوق باسم صندوق دعم مصر لهذا الغرض، وعمل مجلس أمناء له برئاسة محافظ سابق للبنك المركزي، وحتى شهر يناير من العام الحالي كان الصندوق قد جمع نحو 837 مليون جنيه، من خلال فتح حساب بكل البنوك العاملة في مصر يقبل التبرعات من المصريين بالداخل والخارج.
إلا أن تفاصيل حصيلة التبرعات تشير إلى جمع 300 مليون جنيه من القوات المسلحة، و300 مليون من رجال الأعمال، و230 مليون جنيه من المواطنين من الأفراد والجهات الحكومية. حيث جرى العرف على قيام مجالس إدارات العديد من الهيئات والجهات الحكومية على التبرع بأجر يوم بصرف النظر عن الاستشارة المسبقة للعاملين بخصوص هذا التبرع!
وفي الرابع والعشرين من يونيو دعا رئيس الانقلاب في مصر إلى التبرع لمساندة أوضاع الاقتصاد الصعبة وزيادة حجم الدين العام المحلي والأجنبي لأكثر من تريليوني جنيه، مما دعا البنك المركزي إلى فتح حساب في نفس اليوم لتلق التبرعات، حيث أعلن بعض الرسميين عن تبرعهم بجزء من أجورهم في نفس اليوم، منهم محافظين يترقبون حركة تغييرات بالمحافظين!.
استجابة متوقعة من رجال الأعمال
- وتشير التوقعات إلى توقع حدوث استجابة من قبل رجال الأعمال للتبرع لهذا الحساب، رغم ظروف ركود السوق والضرائب الأخيرة التي تم فرضها عليهم، وذلك لأسباب تعود إلى محاولة التودد لنظام رئيس الانقلاب، خشية غضبة في ضوء التحفظ على أموال أكثر من 300 شركة تخص المعارضين للنظام.
وكذلك خشية المنافسة الضارية التي سيواجهونها من قبل الشركات التابعة للقوات المسلحة، والتي يمتد عملها إلى قطاعات عديدة، إلى جانب خشية غضب الأجهزة الحكومية المتعددة والتي يمكن أن تعطل أعمالهم، من جمارك وضرائب وتأمينات ومرافق.
وبالطبع ستستمر عادة إعلان قيادات شركات وجهات حكومية عن تبرع العاملين بيوم من أجورهم، وستكون المناسبة فرصة للدعاية لم يرغبون في ترشح أنفسهم للبرلمان من رجال الأعمال أو قيادات الجهات الرسمية أو الحزبيين.
ولن تكون الحصيلة ضخمة من قبل رجال الأعمال بسبب ظروف الركود التي يعاني منه السوق، وتعدد المعوقات التي يواجهونها من: نقص للطاقة وقلة تمويل ومطالب عمالية وصعوبة في دفع الالتزامات الحكومية مثل التأمينات والضرائب والمرافق.
وإذا كان البعض من رجال الأعمال يعتبر أن دوره الإنتاج والاستثمار أكثر من التبرع، وأن دفعهم للضرائب خاصة بعد زيادتها إلى 30% هو أفضل سبيل لخدمة الاقتصاد إلا أن كثيرين رغم قناعتهم بهذا الرأي.
لن يجهروا به خشية غضب النظام عليهم، وأمامهم شواهد نتائج غضب النظام في رابعة والنهضة وغيرها من الميادين المصرية، كما أشار إلى وسائل الإعلام التابعة للانقلاب كفيلة بتشويه صورة أي شخص مهما عظمت استثماراته.
حصيلة محدودة من الأفراد
- أما على المستوى الشعبي فلن تكون الحصيلة كبيرة لأسباب عديدة أولها حالة الانقسام المجتمعي، حيث يعتبر كثير من المصريين رئيس الانقلاب مسئولاً عن الدماء التي سالت في العديد من المحافظات، وكذلك آلاف المعتقلين القابعين بالسجون، وبالتالي لن يستجيبوا لدعوته خاصة أنه ذكر أنه سيشرف شخصيًّا على حساب جمع التبرعات!
السبب الأهم هو ميل كثير من المصريين إلى التبرع للجوانب الدينية والإنسانية بشكل مباشر وفي المجال الجغرافي لهم، حيث يفضلون بناء المساجد وعلاج المرضى وبناء المدارس بدرجة أقل.
أما التبرع لحساب حكومي لا يعرفون مصير أرصدته، فهو أمر لا يقبلون عليه في ضوء خبراتهم التاريخية لعدم الثقة في الدعوات الحكومية لجمع التبرعات، وآخرها صندوق دعم مصر الذي لم يفصح عن مصير أمواله التي تعدت الثمانمائة مليون جنيه حتى يناير.
ويضاف لذلك دخول شهر رمضان وتغلب الجانب الروحاني والعاطفي في توجيه مسار التبرع، خاصة للجانب الغذائي في ضوء انتشار سوء التغذية والتقزم، وفي ظل ظروف التحفظ على أموال أكثر من ألف جمعية خيرية من قبل سلطات الانقلاب، إلى جانب حالة الركود بالسوق والارتفاعات المستمرة للأسعار مما يقلل من وجود فوائض لديهم أصلاً يمكن التبرع بجزء منها.
- كذلك سيجد الفرد المصري نفسه محاطًا بالعديد من حسابات التبرع المفتوحة، ما بين ذات الأغراض قومية مثل حساب تطوير العشوائيات التابع لأحد الفنانين، وحساب التبرع لمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وحساب بناء المتحف المصري الكبير وحساب صندوق دعم مصر.
إلى جانب مجموعة من حسابات التبرع الأخرى ذات الطابع الصحي مثل مؤسسة مجدي يعقوب للقلب، ومستشفى سرطان الأطفال والمعهد القومي للأورام ومستشفى نور للعيون، وكذلك حسابات تبرعات أخرى لأغراض إنسانية مثل مؤسسة مصر الخير بما لديها من ستة أغراض منها سداد ديون المعسرين.
وحملة دعم بيت العائلة لترميم دور العبادة، ودار أيتام جمعية الأورمان إلى جانب العديد من الجمعيات الخيرية المنتشرة بأنحاء المحافظات، وجهات المساعدة للفقراء مثل جمعية مصطفى أمين وبريد الأهرام وغيرها.
ويميل كثير من المصريين إلى تفضيل مساعدة أولى القربى من المحتاجين واليتامى والأرامل والمطلقات والمعوقين، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مما يشير إلى أن هوجة حساب التبرعات الجديد التي سيتم تسخير الإعلام الرسمي والخاص للدعاية لها.
ستستمر لبعض الوقت ثم تختف مثل غيرها من الدعوات العامة السابقة للتبرع، ولن تزيد مواردها عن حوالي الملياري جنيه على الأكثر، إلا إذا ساهم فيها بعض رجال الأعمال الخليجيين بضغوط من حكوماتهم. ليظل الإنتاج والاستثمار والتشغيل عوامل حاكمة لحل مشاكل الاقتصاد المصري المزمنة والضخمة، ولتظل التبرعات مجرد مسكنات لعلاج بعض الجوانب الإنسانية.
المصدر
- مقال:ممدوح الولي يكتب: التجربة المصرية مع التطوع الرسمي موقع: إخوان أون لاين