ممدوح الولي يكتب: البورصات لا تنتعش في ظل الانقلابات العسكرية
01-04-2014
مقدمة
الأصل في البورصة أنها مرآة لكل الأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحدث في البلد الذي تقع فيه، بل إنها تتأثر بالأحداث الدولية سلبًا أو إيجابًا حسب أثر تلك الأحداث على أوضاع البلد التي تقع فيها، وذلك في ضوء تشابك الأسواق والعوامل الاقتصادية، ووجود أسهم محلية مدرجة في أسواق أخرى دولية في نفس الوقت.
وكلما زادت الشفافية زادت درجة تعبير البورصة عن أية تغييرات تؤثر في الأوضاع في البلد الذي تنتمي إليه، واستحقت أن يطلق عليها لفظ بورصة كُفأة،.
وهكذا تحتاج البورصة إلى وجود استقرار مجتمعي، فأي توتر اجتماعي ستظهر آثاره سريعًا على شاشة التداول من خلال تراجع مؤشرات الأسعار.
وبعد الانقلاب العسكري الذي قام به وزير الدفاع المصري على رئيس البلاد، وقام بعزله واحتجازه في مكان غير معروف ثم إحالة إلى المحاكمة، كانت تلك الخطوة كافية لتراجع البورصة المصرية بشدة، خاصة مع تعطيل العمل بالدستور وإلغاء مجلس الشورى المنتخب، ثم ارتكاب عدد من المذابح تجاه المتظاهرين المعارضين للانقلاب، وإعلان حالة الطوارئ وتعطيل القطارات.
وتعطل السياحة وعزوف الاستثمار الأجنبي عن القدوم، ومع استمرار المظاهرات الرافضة للانقلاب والتي تعبر عن انقسام مجتمعي، كان من الطبيعي أن تنعكس تلك الأمور على أداء البورصة، إلا أن البورصة لم تكتف بتجاهل تلك الأحداث، .
بل اتجهت للصعود وبشدة، وأصبح الخبراء يتندرون على البورصة بقولهم "اقتصاد ينهار وبورصة تتصاعد"! وأصبحت عناوين نشرات الأخبار استمرار المظاهرات المناهضة ومقتل أعداد من المتظاهرين، واستمرار صعود مؤشر البورصة!.
صعود غير مبرر
وهكذا ارتفع مؤشر أسعار البورصة من 4971 نقطة في الثالث من يوليو من العام الماضي يوم الانقلاب، إلى 5549 نقطة يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة، ثم واصل المؤشر صعوده إلى 5621 نقطة بنهاية سبتمبر، ثم إلى 6783 بنهاية العام الماضي.
واستمر في الصعود خلال العام الحالي ليرتفع الى 7405 بنهاية يناير، ثم إلى 8127 نقطة بنهاية فبراير، ثم استمر في الصعود خلال شهر مارس ليصل إلى 8502 نقطة في الخامس والعشرين من مارس.
وفي ظل الشفافية الغائبة ثارت الشكوك حول الاستعانة بمحافظ البنوك العامة الحكومية لمساندة السوق، وعندما نعرف أن قيمة محفظة استثمارات بنك حكومي واحد بلغت بنهاية يونيو الماضي نحو 108 مليارات جنيه، ومحفظة بنك حكومي آخر بنفس التوقيت 53 مليار جنيه، يمكن أن نتصور إمكانية التأثير على أداء البورصة، خاصة وأنها بورصة غير عميقة وقيمة تعاملها اليومي محدودة.
وامتدت الشكوك الى محافظ التأمينات الاجتماعية والتى سبق استخدامها لنفس الغرض منذ سنوات، كما ثارت شكوك حول المال السياسي من قبل بعض رجال الأعمال، مثل رجل أعمال معروف بمناهضته لحكم الإسلاميين.
- ومع تدهور الأحوال الاقتصادية وتزايد عجز الموازنة وارتفاع نسبة التضخم وزيادة البطالة ، وعزوف البنوك عن اقراض العملاء وارتفاع الدين العام ، وانخفاض نسبة النمو وتراجع التصنيف الائتمانى لمصر ، لم تجد حكومة الببلاوى أمامها سوى صعود مؤشر البورصة تتشبث به كدلالة على الاستقرار ، متجاهلة الشكوك فى كونه صعودا مصطنعا .
وهكذا ظلت الأسعار ترتفع ، حتى أعلن قائد الانقلاب عن عزمه ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية ، وفى صبيحة اليوم التالى لذلك الاعلان اتجهت الصناديق والمؤسسات المحلية لبيع الأسهم ، مما حقق خسارة مدوية بالبورصة فقدت معها نحو 15 مليار من رأس المال السوقى ، وبدلا من الاعتراف بالحقيقة كان الاتهام لمديرى المحافظ بالتآمر والعمالة ، والزعم بتدخل قطرى للتأثير السلبى على الأسعار .
وواصل رأس المال السوقى فقدان نحو 6 مليارات جنيه بالجلسة التالية ، ثم فقدان 12 مليار جنيه بالجلسة الثالثة ، ليفقد رأس المال السوقى نحو 33 مليار جنيه بالجلسات الثلاث.
أسباب اقتصادية للانخفاض
وفى تصورى أن ما حدث من هبوط عنيف للأسعار بالبورصة خلال أول ثلاث جلسات للتعامل بعد اعلان ترشيح السيسي، أمر طبيعي في ضوء إدراك المتعاملين أن ترشيح وزير الدفاع نفسه قد أسقط عنه آخر أوراق التوت، التي كان يغطى بها ما قام به من إجراءات نحو الرئيس المنتخب، وأوصل ترشيحه رسالة واضحة للمستثمرين أن البلاد داخلة على حكم عسكري، وهو حكم طالما رفضه المصريون وقاموا بثورة في الخامس والعشرين من يناير لإسقاطه.
وأصبح المشهد السياسي أكثر انقسامًا لأن مظاهرات الثلاثين من يونيو لم يكن من مطالبها استبدال الرئيس بوزير الدفاع، كما أن الحريات قد انكمشت بصورة واضحة، في ضوء التصدى بقنابل الغاز والرصاص والاعتقال للمتظاهرين السلميين، وصدرت أحكام بإحالة المئات للمفتي، كما أن ترشيح وزير الدفاع نفسه قد أكد بلا شك أن ما حدث في الثالث من يوليو هو انقلاب عسكري، حسب توصيف قائد الجيش الثالث الميداني السابق المعلن لإحدى الفضائيات.
- ولأن شراء السهم هو شراء لمستقبل الشركات المصدرة للك الأسهم ، فلقد أدرك مديرو المحافظ الاستثمارية، أن أوضاع تلك الشركات ستزيد سوءًا في ضوء المنافسة غير المتكافئة، مع اتساع نطاق النشاط الاقتصادي للشركات التابعة للقوات المسلحة ، والتى تستخدم عمالة تتقاضى مكافآت رمزية كما لا تدفع ضرائب وتتمتتع بأفضلية في المناقصات ستزيد درجتها مع اختيار رئيس ينتسب إليها.
وهاهي شركات الجيش تقوم ببناء كباري على 27 مزلقانًا للسكة الحديد بالأمر المباشر، حسب تصريح وزير النقل، كما تنافس شركات الجيش المنتجة لعدد من السلع الغذائية الشركات الخاصة المنتجة لنفس السلع ، كما استحوزت شركة تابعة للجيش على طريق القاهرة الاسكنرية الصحراوي لمدة خمسين عامًا، بعد استحواذها على طريق العين السخنة القطامية، كما تم الإعلان عن تولي شركات الجيش إنشاء محور شبرا بنها بطول 42 كيلو مترًا.
كذلك تم الإعلان عن قيامها ببناء مليون وحدة سكنية، وتتوسع الشركات التابعة للجيش في إنشاء محطات تموين السيارت بالوقود، واستحوذت الأندية التابعة للجيش على نشاط إقامة الأفراح على حساب الفنادق السياحية، حتى علاج بعض الأمراض يحاولون الدخول فيه، إلى جانب نشاط مستشفياتهم الطبية.
وشارك مندوب للجيش في اجتماعات إنشاء 25 صومعة لتخزين القمح، كما صرحت الإمارات التي أعلنت عن قيامها ببعض الاستثمارات والمساعدات بحوالي 9ر4 مليارات دولار؛ أن مساعداتها سواء كانت مدارس أو مستشفيات او غير ذلك ستكون من خلال القوات المسلحة.
- وهكذا أدرك مديرى المحافظ أن شركات القطاع الخاص ستجد صعوبة فى السوق فى ظل المنافسة غير المتكافئة مع الشركات التابعة للقوات المسلحة ، إضافة الى الصعوبات الحالية التى تواجهها الشركات الخاصة ، من عزوف البنوك عن الاقراض ، وعدم تدبير احتياجات الشركات من العملات الأجنبية مما وسع فارق السعر للعملات بين البنوك والسوق الموازية ، والاضطرابات والمطالب العمالية ، وأحكام استرداد الشركات التي تم بيعها للمستثمرين.
توقع معاودة التدخل
تلك هي الأسباب الحقيقية لهبوط البورصة في أعقاب إعلان وزير الدفاع ترشيح نفسه للرئاسة، في ظل حالة استقطاب وتكميم للأفواه ومساندة إعلامية واعتقال وقتل للمعارضين له؛ بما يجعل اقتناصه للمنصب أمرًا مفروغًا منه، وأن عملية الانتخابات هي كما قال خالد علي أحد المرشحين السابقين "مسرحية" ولهذا عزف عن الترشيح، وهو تعبير كرره الفريق أحمد شفيق في تسريب اعترف بصحته.
ورغم أن تلك الأسباب للاتجاه للبيع متداولة ما بين مديرى المحافظ إلا أنه في ظل التنكيل والتشويه الإعلامي لكل رأي معارض لا يستطيع أحد منهم المجاهرة برأيه، فمن يكون مدير استثمار صندوق أو محفظة، بالمقارنة للدكتور البرادعي أو أبو الفتوح أو عمرو حمزاوي أو زياد بهاء الدين، وما لقوه من اتهامات قاسية لمجرد جهرهم برأيهم بما لا يتفق مع هوى شلة الحكم، رغم مشاركتهم في أحداث الانقلاب ومباركتهم له في البداية!.
وفي ظل نظام حكم أهدر نتائج خمسة استحقاقات انتخابية، وزج بالمعارضين بالسجون وأحالهم إلى المحاكمات، وتسبب في قتل الآلاف وإصابة آلاف آخرين، فإنه سيلجأ لاستخدام كل الوسائل ومحافظ الجهات الحكومية للتأثير في البورصة وإيقاف تراجعها بأي ثمن؛ بصرف النظر عما يمكن أن تتحمله المحافظ الحكومية من خسائر، خاصة في الفترة السابقة على إجراء الانتخابات الرئاسية.
ELWALI.MAMDOUH@GMAIL.COM
المصدر
- مقال:ممدوح الولي يكتب: البورصات لا تنتعش في ظل الانقلابات العسكريةموقع:إخوان أون لاين