مقاومة غزة.. تعيد رفع السقف السياسي للأمة .. بقلم: محمد الحافظ الغابد

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

مقاومة غزة.. تعيد رفع السقف السياسي للأمة

بقلم: محمد الحافظ الغابد

شكل قطاع غزة عبر تاريخه شوكة في خاصرة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وحسب العديد من المختصين في الشأن الفلسطيني فإن غزة تشكل ثقلا كبيرا في القضية الفلسطينية، وتأتي من حيث الأهمية بعد القدس لأنها المدينة الوحيدة التي تتواجد فيها كثافة سكانية قادرة على أن تشكل حاضنا للمقاومة والنضال المسلح القادر على استنزاف العدو الصهيوني حربيا وبشكل مزعج وهو ما عبر عنه إسحاق شامير 1989 م إبان الإنتفاضة الأولى حين "تمنى أن يستيقظ فيجد البحر قد ابتلع غزة" وجاءت عملية السلام والسلطة الوطنية الوهمية من أجل تكبيل المقاومة ومطاردتها وإيقافها بذرائع مختلفة وهو الأمر الذي جعل اسرائيل تعتبر اتفاقيات السلام أهم انجاز حققته الكيان الصهيوني بعد نشأتها حسب ما يؤكده المثقف الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه "غزة- أريحا" سلام أمريكي.


لكن غزة نالت حظها من لعنة الجغرافيا لكونها تقع على الحدود مع مصر التي يحكمها نظام خائر العزائم واستمرأ تجرع الهزائم رغم أن الإنسان المصري والشعب الصري بذل المستحيل من أجل صناعة نصر أكتوبر 1973 فجاء الغباء السياسي للقيادة المصرية فحول النصر في المواجهة الحربية الوحيدة التي ارتفع فيها رأس العرب إلى هزيمة تاريخية محكومة باتفاقية دولية مجحفة بمصلحة الشعبين المصري والفلسطيني؛ بل وتوظيف الأمن القومي في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وأمنها القومي بما هي مشورع استيطاني توسعي يهدف للهيمنة واخضاع البلاد العربية لسيطرته.



الأمن القومي العربي رهينة لدى الكيان الصهيوني:

إن الشعب الفلسطيني والأمن القومي للأمة في المشرق العربي يدفع منذ عقود ثمن العقل السياسي المتخلف لحكام القاهرة وعمان وقادة منظمة التحرير الفلسطينية، الذين عملوا على تثبيت الظرفية السياسية وميزان القوى المختل لصالح العدو الصهيوني عبر إبرام اتفاقية إقليمية ودولية ملزمة من خلال ما سمي كذبا وزورا "عملية السلام العربي الإسرائيلي" ومقايضة "الأرض مقابل السلام" في ظرفية دولية تعرف انتصار حماة الحركة الصهونية ورعاة قيام دولتها في الولايات المتحدة وأوربا الغربية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي أواخر ثمانينيات القرن العشرين والذي كان يشكل وجوده نوعا من التوازن الرادع و"الكابح" في صراع السياسة الدولية.


وقد قاد التحليل السياسي الفاسد من كل الوجوه: التاريخية والجبولتكية والمستقبلية الحكام العرب إلى الإرتماء في أحضان العدو كأن هذا الوضع الذي قاد إليه ضعف الأمة هو وضع نهائي باق إلى نهاية التاريخ والكون في الوقت الذي يسلم فيه الجميع بأن الحياة في هذا الزمان تعرف تغيرا مستمرا للأوضاع والظروف خصوصا في هذا العصر الذي تميز بسرعة الحركة التاريخية بشكل غير مسبوق فقد قامت دول عظمى ثم انهارت خلال عقود ولم تغن عنها قوتها التي لم يكن أحد يتصور أن يضاهيها شيء ولكنها انهارت بشكل سريع وتلك حال الدولة النازية ومحاورها التي دعمتها خلال الحرب المسماة بـ"الحرب العالمية" وكذا حال الدولة السوفياتية وحال بعض دول أروبا فقد عرف القرن العشرين قيام امبراطوريات وانهيارها بشكل سريع جدا لم يكن في الحسبان أبدا.


واعتقدت العقلية السياسية للأوتقراطية المالية والعسكرية التي حكمت في القاهرة وعمان أن الولايات المتحدة والجيب الإستطاني الذي ترعاه "المسمى بدولة الكيان الصهيوني!!" خالدتان إلى أبد الدهر فطفقوا يتنازلون عن فلسطين ومقدساتها الإسلامية كأنها ملك شخصي لهم فتنازلوا عنها بصيغة "الأرض مقابل السلام" كما قيل : "هبة من لا يملك لمن لا يستحق!!".


ودفعت الأنظمة العربية خصوصا في مصر والأردن حفنة المناضلين المهيمنة على ما عرف في متن النص السياسي في الخطاب الرسمي العربي "منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للقضية الفلسطينية" دفع ملوك الطوائف العرب المعاصرين بحفنة المناضلين تلك إلى إبرام اتفاقية استسلام برعاية المحامي الأمريكي في ظرف يشهد تضعضع العرب ومنظمة التحرير في سياق تاريخي لا يواتي النضال وفرض الشروط التفاوضية من أرضية صلبة وفي أفق سقف مرتفع ، والأدهى والأمر أن هذا المنعطف الذي عرفته القضية الفلسطينية تنزل في سياق سباق رذيل تطبعه حمى التنافس الإيديولوجي مع الحركة الصاعدة آنئذ "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) فليس جديدا أبدا على القضية الفلسطينية صراع فصائلها التي اقتتلت في لبنان وعمان ومن الكواليس التي تكشفت خلال السنوات الأخيرة أن "اتفاق غزة أريحا أولا" كان أيضا مدفوعا بخوف عرفات ومنظمته من صعود حماس وهيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي الفلسطيني .



السقف الواطئ لطموح الساسة العرب:

هذا السقف الواطئ والوضيع لطموح القيادات العربية الفاشلة التي استمرأت التبعية للدول الغربية، واستمرت قبضتها الإستبدادية الجبرية لأهم منطقة في العالم؛ هي اليوم من أهم المقومات التي ترعى استمرار دولة اسرائيل التي بدأت تنكفئ على ذاتها وحاقت بها سنة التاريخ وما جنته وتجنيه من مآثم التقتيل والإفساد في الأرض، وقبل أن تتخلص الأمة من إسرائيل فإنها مدعوة للتخلص من حراس العقيدة السياسية للكيان الإستيطاني المهزوم وغير القابل للبقاء إلا في مناخ الحكم الجبري العاض الذي يهيئ له أرضية استحذاء رخوة بصورة دائمة ويحميه من عوامل الفناء لولا أن قدر الله غالب في أنه "لايحيق المكر السيئ إلا بأهله".


وما هبة اليقظة الإسلامية المسلحة في العقود الأخيرة والتي تأبطت البندقية وعانقت طموح العزة وتعمدت وضع حد لسقف القفص المقفل والذي سلمت مفاتيحه لأعداء الأمة من طرف هؤلاء الحكام عبر أكذوبة "القانون الدولي" و"التنظيم الدولي" وما سمي بـ"المجتمع الدولي" ، وكلها عناوين مزيفة لا وجود لها في أرض الواقع ؛ إلا حينما تخدم سياسة منشئيها ومستخدميها كوكالات لترويج الظلم والطغيان باسم الإنسانية.. والديمقراطية.. ولكن الصراع اليوم تكشف عن واقع جديد لم يعد أحد يأبه فيه بالمصطلحات الخادعة والتعابير الجذابة .. فما عاد "تلبيس إبليس" وعباد الشيطان يخدع الإنسان المؤمن.. المسلم .. بل وحتى الإنسان السوي.. فزمن الخدائع ولى ورحل.



انبثاق من ركام المعركة:

إن الصمود الذي يبديه سكان قطاع غزة في وجه الآلة الحربية الدولية! المسماة إسرائيلية! هو الذي سيقود بإذن الله في المستقبل القريب لإعادة رفع السقف الوطيء الذي ثبتته اتفاقيات أوسلو، ودعم ملوك الطوائف في الجمهوريات العربية لما سمي بمشروع الشرق أوسطية الذي يهدف لدمج الكيان في نسيج الحياة بكل أبعادها الإقتصادية والسياسية وحتى الأمنية.


ومهما كان أهل غزة بالمعايير المادية شديدي الضعف ولا يملكون مقومات المواجهة مع العدو المدعوم حتى من ذوي القربى و"الجيرة الأعراب" ، فإن هذا بحد ذاته يعتبر من عوامل النصر ما توفرت العزيمة التي تعتبر اليوم بإجماع العارفين بالشأن الفلسطني موجودة لدى أهل غزة ففي كل معارك هذه الأمة التي صنعت تحولات هامة في التاريخ لم يكن العنصر الحاسم فيها أبدا العدة والعتاد وإنما الإيمان والعزيمة والإصرار هما أهم شروط النصر الذي سيتحقق بإذن الله. "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم".

المصدر:كتائب الشهيد عز الدين القسام-المكتب الإعلامي