مفاوضات، وخارطتان للطريق.!
بقلم:معتصم حمادة
محتويات
خطتين طريق وليس خطة واحدة
يبدو أنه غاب عن بال المفاوض الفلسطيني أن الحديث لا يدور عن خطة طريق واحدة بل عن خطتين، الأولى كما تسلمها من اللجنة الرباعية ووافق عليها،والثانية كما أعاد شارون صياغتها بتحفظاته المعروفة،وكما صادقت عليها واشنطن.وما ينفذه أولمرت الآن هو التطبيق العملي لخطة الطريق الخاصة بشارون وبوش.
رغم الاحتجاجات السياسية الصاخبة على توسع الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة،وفي القدس بشكل خاص،وعلى تصاعد العدوان على القطاع والضفة،فإن شعرة واحدة لم تهتز في صلعة رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، فبقي متمسكاً بسياسته المعروفة.
وحتى عندما علق المفاوض الفلسطيني مشاركته في المفاوضات،إلى أن يتوقف العدوان على القطاع والضفة،فإن المفاوض الإسرائيلي بقي على عناده.. المفاوضات بيد،وتوسيع الاستيطان،وتصعيد العمليات العدوانية ضد الفلسطينيين باليد الأخرى.
لقد باتت الاستراتيجية الإسرائيلية شديدة الوضوح،وتبررها تل أبيب،تارة بممارسة السيادة على الأرض الإسرائيلية،وتارة بتطبيق خطة «خارطة الطريق».
خارطة الطريق مرجعية العملية التفاوضية
وخطة «خارطة الطريق» هي مرجعية العملية التفاوضية كما أقرها مؤتمر أنابوليس الذي رعاه الرئيس الأميركي جورج بوش.
وهي تنص في مرحلتها الأولى على عدة التزامات من الطرفين،أهمها أن يتوقف الجانب الفلسطيني عن ممارسة العنف (وقف المقاومة) وأن يعترف بدولة إسرائيل.
أما عن الجانب الإسرائيلي فإن الالتزامات تبدو عديدة،أهمها وقف توسيع المستوطنات،حتى لما يسمي بأغراض النمو الطبيعي لسكان المستوطنات،وتفكيك البؤر الاستيطانية المسماة غير مشروعة والتي يتجاوز عددها 120 بؤرة،والسماح للمؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة بمزاولة نشاطاتها المعهودة، ووقف الأعمال العدوانية ضد مناطق السلطة الفلسطينية.
وقد شكلت لهذا الغرض، في إطار أنابوليس،لجنة ثلاثية (أميركية ـ إسرائيلية ـ فلسطينية) مهمتها التدقيق في التزام كل طرف بما جاء في المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق.
لكن غاب عن بال المفاوض الفلسطيني أن الحديث عن «خارطة الطريق» لا يعني خطة واحدة. فهناك «خطتان» كما هو معروف. هناك خطة قدمتها اللجنة الرباعية الراعية للعملية التفاوضية إلى الجانب الفلسطيني في نيسان (أبريل) 2003،باعتبارها الخطة المعتمدة دولياً.
وهي الخطة التي اعتمدها المفاوض الفلسطيني،وتغرقت حولها مواقف الأطراف الفلسطينية.وهناك خطة خارطة الطريق الإسرائيلية كما أعاد شارون صياغتها حين أدخل عليها أربعة عشر تحفظاً.
اللافت للنظر أن وزير الخارجية الأميركي (آنذاك) كولن باول وافق على ثلاثة عشر تحفظاً،ثم أتى بعده الرئيس بوش ليتبنى التحفظ الرابع عشر،وليتطابق بذلك الموقفان الإسرائيلي والأميركي من خطة الطريق.ولنصبح ـ عملياً ـ أمام خطتين،لا خطة واحدة.
نص شارون هو المرجعية
وكما هو واضح،فإن الفريق الإسرائيلي،يتحرك في سياسته مستنداً إلى نسخته من الخطة،لا إلى نسخة اللجنة الرباعية،لذلك تراه يقوم بممارسات تتعارض مع نص اللجنة الرباعية وتتطابق مع نص شارون.
@ فنص شارون (كما ورد في تحفظه) يخرج القدس المحتلة من إطار الأراضي الفلسطينية المحتلة،ويعتبرها العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل،وبالتالي فهي ليست موضوعاً للتفاوض.
ولأن القدس المحتلة،بنظر إسرائيل،هي جزء من أرض الدولة،فإن مواصلة الاستيطان فيها هو تعبير عن ممارسة الدولة لسيادتها على أرضها.
وهو أمر لا يحتاج لإذن لا من الفلسطينيين ولا من الولايات المتحدة ولا من اللجنة الرباعية.وما تقوم به حكومة أولمرت هو تكريس عملي للأمر الواقع،الذي تعمل على فرضه على الجميع.هذا ما جاء في تحفظات شارون.وهذا ما يطبقه أولمرت.
لذلك إذا كان الجانب الفلسطيني يرى في الاستيطان في القدس المحتلة خرقاً فاضحاً لأسس العملية التفاوضية،المستندة إلى المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق فإن الجانب الإسرائيلي يرى من ناحيته في هذا الاستيطان،وضعاً للنقاط على الحروف،وتطبيقاً لسياسة لم تقف عند حدود التمسك اللفظي بها.
@ كذلك يرفض نص شارون (كما ورد في تحفظه على خطة خارطة الطريق) المساواة بين «الإرهاب» الفلسطيني،وبين عمليات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة.ويرفض بالتالي أن يطلق على الطرفين تعبير «العنف».
فالفلسطينيون،من وجهة النظر الإسرائيلية،يمارسون «الإرهاب».وهو أمر «يدينه» المجتمع الدولي،خاصة بعدما توافقت الولايات المتحدة وإسرائيل على وصف الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية بأنهما إرهاب، وبعد أن وفرت الولايات المتحدة لعملية «السور الواقي» العدوانية ـ وصولاً لعملية «الشتاء الساخن» ـ الغطاء السياسي، باعتبارها تندرج كلها في حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس، وتنتمي ـ سياسياً ـ إلى الجبهة العالمية التي تترأسها الولايات المتحدة ضد الإرهاب.
لذلك إذا كان على الإرهاب أن يتوقف،فإن على عمليات استئصال الإرهاب واجتثاثه أن تتواصل وأن تتصاعد للقضاء عليه قضاء مبرماً ـ هكذا تقول خطة خارطة الطريق كما صاغها شارون ـ وبالتالي فإن ما يقوم به جيش أولمرت هو ـ من موقع إسرائيل ـ التطبيق العملي لخطة خارطة الطريق كما توافقت عليها واشنطن وتل أبيب.
لذلك لم يعد غريباً أنه كلما طالب الفريق الفلسطيني المفاوض بوقف الاستيطان،وبوقف العدوان، كلما اتسعت الأعمال الإسرائيلية التظاهرية في هذين المجالين.
ويلاحظ في هذا السياق أن الجانب الإسرائيلي،كان الماضي يتكتم حول مشاريع توسيع الاستيطان، ويلجأ أحياناً إلى الكذب لينفي تبنيه مشاريع في هذه المستوطنة أو تلك.
اليوم بات الجانب الإسرائيلي مصراً على الإعلان،بكل الوسائل،عن مشاريعه الاستيطانية المستقبلية،داخل القدس الشرقية المحتلة،وفي محيطها،في موقف تحد فاقع للرأي العام الفلسطيني،ومن موقع الإصرار على فرض الأمر الواقع على طاولة المفاوضات.
ليست المرجعية نص شارون وفقط
وبات واضحاً للمراقبين أن سياسات حكوة أولمرت الاستيطانية والعدوانية،لا تستند فقط إلى «طبعة شارون» الخاصة بخطة خارطة الطريق،بل وكذلك إلى رسالة بوش إلى شارون في 14/4/2004،وهي التي وصفت بأنها رسالة ضمانات أميركية بشأن مفاوضات الحل الدائم بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
تعترف الرسالة بأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية باتت أمراً واقعاً لا يمكن إزالته، ولا يمكن ـ في الوقت نفسه ـ إلا أخذه بعين الاعتبار.
وترى هذه الرسالة، في السياق،أن الحل الأسلم لقضية المستوطنات هو في ضمها إلى إسرائيل،وهو الأمر الذي تسميه الرسالة إدخال تعديلات على الحدود بين البلدين.أي أنها تعترف بشرعية الاستيطان،وتسقط اعترافها بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.
ومادام الاستيطان قد بات مشروعاً ـ باعتراف الولايات المتحدة ـ وما دام مستقبل المستوطنات هو في ضمها إلى دولة إسرائيل،فإن العمل على توسيعها ـ وفقاً لهذه المقدمات ـ لا يتعارض مع العملية التفاوضية،بل يكرس الواقع القائم،ويعطي لرسالة بوش قوة إضافية،خاصة إذا ما كان الأمر الواقع قد بات راسخاً،ولا تستطيع إزالته إلا حروب دموية وطويلة الأمد.
كذلك تعترف رسالة بوش إلى شارون بالقدس العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل،وترفض أن تنسحب منها قوات الاحتلال (تتحدث الرسالة عن رفض واشنطن لإعادة تقسيم المدينة المقدسة وهو ما يبرر برأيها أن تبتلعها إسرائيل).
دون أن تتناسى الرسالة ضرورة وضع حل للأماكن الدينية في المدينة،وكأن المسألة بالنسبة للفلسطينيين تقتصر على هذه الأماكن وحدها ولا تطال المدينة بكاملها.وكأن وضع حل لهذه الأماكن لا يبقيها تحت السيطرة الإسرائيلية.
وعلى ذات القاعدة تتصرف إسرائيل: مادامت القدس ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وما دامت إسرائيل لن تتخلى عن هذه المدينة،وما دامت الولايات المتحدة، قد تعهدت في رسالة بوش بدعم السياسة الإسرائيلية في هذا الجانب،فإن توسيع الاستيطان في القدس (المحتلة) ـ كما تقول إسرائيل ـ لا يتعارض مع خطة خارطة الطريق،ولا مع مبادئ العملية التفاوضية،ولا مع مسارها وشروطها.
بل إن الاستيطان في القدس (المحتلة) ـ تقول حكومة أولمرت ـ ممارسة للسيادة الإسرائيلية على الأرض الإسرائيلية.شاء من شاء وأبى من أبى.
بالمقابل وعندما تدعو الولايات المتحدة ـ من جانب آخر ـ إلى حل هذه القضايا،والاتفاق عليها،إلى طاولة المفاوضات فهذا معناه أن على المفاوضات أن تنتهي إلى ما تريده إسرائيل،وما تخطط له، وما تعمل على تنفيذه.
وأن على الجانب الفلسطيني أن يأتي إلى طاولة المفاوضات،لا ليسترد أرضه المحتلة،بل ليتنازل عن هذه الأرض،وأن يرضخ للسياستين الإسرائيلية والأميركية.
موقف المفاوض الفلسطيني
لذلك إن موقف رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض أحمد قريع،يرفض الاستيطان،واشتراطه الجلوس إلى طاولة المفاوضات،بوقف الاستيطان،ليس إلا موقفاً لفظياً،لا قيمة له ما دام لم يتحول إلى موقف ضاغط على الجانب الإسرائيلي،وعلى الجانب الأميركي،ومؤثر على وجود الاحتلال في طول الضفة الفلسطينية وعرضها.
كما أن السياسة الانتظارية ـ أي أن ننتظر أن يستجيب الجانب الإسرائيلي للشرط الفلسطيني دون ضغوط تمارس عليه ـ ما هي إلا وهم لا ينتج إلا أوهاماً.
التجربة تؤكد أن الفريق الفلسطيني دخل عملية تفاوضية ذات أسس هشة لا تخدم إلا المصالح الإسرائيلية.كما تؤكد أن العملية التفاوضية التي يمكن أن تقود إلى نتائج تستجيب للحقوق الفلسطينية يجب أن تقوم على أسس بديلة.
وإن فرض الأسس البديلة على الإسرائيليين (وعلى الأميركيين) لا يكون بالاستجداء،ولا بالمناظرات،ولا بالفصاحة اللفظية.القضية قضية صراع ويفترض أن يمتد الصراع إلى كل الميادين،وأن يأخذ أشكاله المختلفة.
إلى أي مدى يملك الفريق الفلسطيني الممسك بزمام القرار الاستعداد لخوض هذا الصراع بكل الأساليب والأشكال.
وإلى أي مدى هو على استعداد لأن يقدم المستلزمات الضرورية لخوض هذا الصراع،بما في ذلك التخلي عن استراتيجيته التي أثبتت التجربة فشلها،والتخلي عن امتيازاته،المحلية والإقليمية،إذا ما تعارضت مع متطلبات هذا الصراع؟.
الكرة الآن في ملعب الفريق الفلسطيني المفاوض.وكل بيانات التنديد،لن تسقط حجراً واحداً في جدار من جدران الاستيطان.
المصدر
- مقال:مفاوضات، وخارطتان للطريق.! موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات