مصر بعد الإنقلاب : بشر وسيسي
شيرين عرفة
(07/09/2013)
قبل ثورة يناير كانت مصر تحت إحتلال حكم طاغية ديكتاتور ..لقبته الصحافة والنخب الإسرائيلية: بكنز إسرائيل الإستراتيجي ولقبه الشعب المصري باللا مبارك؛
وفي ظل الطغيان تتوارى الأيدلوجيات وتنحسر أهمية التيارات الفكرية من علمانية وإسلامية وإشتراكية (و إن كنا لا ننكر بالطبع أن الطغاة في بلادنا الإسلامية يكرهون الدين الإسلامي ويحاربون كل من ينتمي إليه وينكلون بهم دوما؛
وشعارهم في ذلك (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) (الأعراف 82) فهم سيذكرونهم دوما بدنسهم و ضلالتهم بينما يعلي الطاغية من شأن من هم على شاكلته من يقصون الدين عن الحياة ويرون فيه تخلفا ورجعية وهم العلمانيون والملحدون ومن حذا حذوهم )
و مع ذلك تبقى الهوية الفكرية ليست هي السمة الأبرز حينها و إنما هو موقف المحكومين من طغيان الحاكم .. فهم إما أحرار لا يقبلون الظلم ويرفضون الطغيان.
ويدفعون ثمن ذلك من حرياتهم وكرامتهم ويذوقون ألوان الهوان في السجون دفاعا عن مبادئهم وإما عبيد يرتضون الذل ويقبلون بالطغيان بل ويصبحون خدما ومسوقين وماسحي جوخ لهؤلاء الطغاة؛
وكلما تفانى هؤلاء العبيد في خدمتهم ونفاقهم زادت إمتيازاتهم و علت مكانتهم وتقلدوا ارفع مناصب الدولة وحصلوا على رئاسة تحرير الصحف وتملكوا القنوات وتمكنوا من كل وسائل الإعلام وأعطوا الحرية ليخطبوا لنا على المنابر ويدافعوا عن الفرعون ويحرموا الخروج عليه ليلعبوا بذلك دور المحلل الشرعي لظلم وطغيان الطغاة .
(ومن تلك القاعدة الذهبية يمكن أن نعلم يقينا من هم الأحرار في عهد مبارك ومن هم العبيد ??)
أما بعد ثورة يناير وتحرر الشعب من حكم الديكتاتور وفوزه بكرامته ..بدأت تظهر الأيدلوجيات والتيارات الفكرية مرة ثانية .. وبشكل واضح للعيان فهناك إسلاميون وليبراليون وعلمانيون واشتراكيون؛
ويتمايز الإسلاميون بالطبع إلى : إخوان وسلفيون وجماعات إسلامية وجهادية ثم ينقسم كل تيار من هؤلاء تبعا لموقفه من الثورة ودوره فيها إلى ثلاثة أنواع هم ثوار وفلول وحزب كنبة .
ثم يأتى الإنقلاب العسكري في الثالث من يوليو وما تلاه من ممارسات قمعية وإختطاف لرئيس الجمهورية وحل جميع المجالس النيابية وتعطيل الدستور ليعود عصر الطغيان والديكتاتورية ثانية و ينقسم الشعب مرة أخرى إلى طغاة وأحرار وعبيد .
ولكن العجيب في الأمر أنه بعد ذلك الإنقلاب العسكري الغاشم ثم إرتكابه لعدة مذابح كبرى سقط فيها الآلاف قتلا وحرقا ودهسا وقنصا وآلاف الجرحى و أكثر من عشرة آلاف من المعتقلين رجالا ونساء في هدم فاضح لدولة القانون ؛
وكأن مصر صاحبة أول حضارة عرفتها البشرية فجأة أصبحت واحدة من جمهويات الموز ودول ما قبل التاريخ .. مذابح لم يجرؤ على أرتكابها أعتى الطغاة الذين حكموا مصر على مدار تاريخها ولا يرتكبها في العالم سوى جنود الإحتلال الغاشم؛
مذابح يشيب لها الولدان وتقشعر منها الأبدان وتأبى النفس الإنسانية السوية بقبولها ولا يرضى بها دين ولا تقرها عقيدة لنكتشف بعدها أن مصر إزاء تلك الأحداث الجسام انقسمت إلى فسطاطين كبيرين؛
فسطاط من بشر من بني آدم: مسلمون وأقباط من كل التيارات والإتجاهات والأفكار إسلاميون وإشتراكيون وعلمانيون رجال ونساء كهول وشباب يحملون قلبا بشريا ينخلع لرؤية الدماء
وينفطر لصورة الجثث التي جرفتها الجرافات وتم إحراقها بالنيران و يأسى على حرمة الموتى التي انتهكت و يحزن لرؤية الجرحى والمصابين وله عقل يرفض الكذب والعهر الإعلامي المفضوح ولا يقبل سوى ما تراه عينه وتسمعه أذنه ويعقله عقله .
وفسطاط آخر توحد فيه العبد مع سيده الطاغية فهو يستعذب قتل مخالفيه ويشمت بموتاهم ويفرح برؤية الدماء والأشلاء وهذه الكائنات العجيبة يمكن أن نطلق عليها لفظ (السيسي) وهذا الكائن السيسي ..
هو كائن ليس من البشر ولا من الحيوانات أشد ما يصفه قوله تعالى : (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) (الأعراف 179)؛
هم كائنات تربت وتغذت على فساد وعفن عصر المخلوع فمنهم من يحكمون البلاد الآن وهم وحوش بشرية وآلات قتل دموية لا هدف لهم في الحياة سوى إعادة دولة مبارك الفاسدة والمتجذرة للحياة بعد أن أستفاقت من ضربات ثورة يناير المتتالية؛
وأعادت ترتيب أوراقها ولرعبهم من هذا المارد الذي شاهدوه في ثورة يناير فقد أصيبوا جميعا بحالة من الهياج والسعار المحموم يريدون إستعادة سريعة لدولة لم تفقد سوى الرأس وأعطيت الفرصة ليتعافى الجسد فعاد أشد ضراوة وأكثر فتكا .
كما نشاهد أيضا تلك الكائنات تملأ فضائياتنا وتحتل وسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية لهم في الفضائيات برامج حوارية وفي الجرائد أعمدة يومية و هي كائنات تتنفس كذبا وتتغذى على الأعراض وتشرب الدماء وتنكل بكل من تسول له نفسه معارضة الطاغية و يستبيحون كل الوسائل القذرة والأدوات المحرمة لمجابهة أعداءهم من الأحرار .
كما نرى من كائنات (السيسي) هذه ملايين تعيش بيننا وتسكن بجوارنا كائنات أغلقت عقولها وعيونها وآذانها إلا على أكاذيب إعلامنا المسعور فهو يرى الحقيقة من نافذته فيغلقها رافضا إياها؛
ثم يتوجه إلى فضائيات السيسي ليصدق ما تمليه عليه من أكاذيب ولأن تلك الكائنات سماعون للكذب فقد طمس الله على قلوبهم وعقولهم وعلى أعينهم غشاوة فهم لا يبصرون ولأنهم لا يهتدون؛
فلن أوجه رسالتي إليهم بل سأوجهها لكل آدمي بشري له قلب وعقل وألقى السمع وهو شهيد لا يغرنكم كثرة السالكين في طريق الباطل فلم تأت الكثرة في القرآن إلا مذمومة قال تعالى : (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (يوسف 103)
وقوله تعالى: (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) (الشعراء 67)
وقوله تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (غافر 57)
كما لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السالكين فيه فعن (إبراهيم التيمي) قال: أن رجلا كان عند عمر بن الخطاب فدعا: اللهم اجعلني من القليل فقال له عمر : ما هذا الذي تدعو به فقال له الرجل: ألم يقل الله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور) (سورة سبأ 13 ) فإني أدعو الله أن أكون من هؤلاء القليل فقال عمر: كل الناس أعلم منك يا عمر !!
وعلى الرغم من قلة أعداد من هم على الحق فقد قال تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) (البقرة 249)
يا من أنتم على الحق .. رجاء .. اصبروا وابشروا ..اليأس خيانة .. والإنقلاب إلى زوال
المصدر
- مقال: مصر بعد الإنقلاب:بشر وسيسي موقع نافذة مصر