محمود حشله يكتب :" إن ما توعدون لآت "
كفر الشيخ اون لاين | خاص
يدور انقلاب 30 يونيو في دائرة مفرغة من تاريخ اعلانه ، وصفه البعض في بداياته باللامعقول السياسي والعسكري ، فالمعطيات التي أنتجتها المرحلة الثورية التي سبقته لم تكن لتفرز في طورها الطبيعي أبدا حكما عسكريا خالصا مفاجئا يحمل إلي الشعب المصري والعربي مفردات غير قادرة على التعاطي السياسي ولو في أدنى صوره ، بل واجترأت على القضايا العسكرية التي تعتبر من المسلمات للأمن القومي المصري كإخلاء سيناء من السكان أو المغامرة بقوات لا ترفع العلم المصري في ليبيا ، وكالمريض الذي لا تفصله عن الوفاة سوى لحظات معدودات بينما يطمئنه الأهل والأصدقاء بأنه قد تعافي تماما وليس بينه وبين الخروج من المستشفى إلا توقيع الطبيب - يغوص الإنقلابيون في مستنقع آسن فلم يعودوا قادرين لا على العودة من حيث أتوا ولا على الوصول إلى ما كانوا يوعدون .
شبكات المصالح العنقودية التي تتدرج من القاهرة إلى المحافظات ثم الي المدن الصغيرة والقري والنجوع والتي تنوعت بين مصالح تجارية تتعلق بتوكيلات وامتيازات ومخصصات وحتي وظائف متنوعة بدءا برؤساء المدن وانتهاء بعمال المحليات شكلت بالنسبة للإنقلاب عصبه الشعبي ، وشعر كل من ينتظر ثمة مغنم من خلال تلك الشبكات أن مبدأ سيادة القانون سيعصف به وبمصلحته التي أسس لها توقعا في خياله على مدار السنوات الطويلة ، فقد استقرت المراكز القانونية على مدار ثلاثين عاما في ترتيب خاطئ على اساس من الوساطة والولاء والرشوة والفساد والدعارة ، غير أن ذلك الترتيب مثّل القانون الذي لم يجد الناس سوى التعاطي معه بالقبول أحيانا وبالإلتفاف أحيانا وهو أمر يشتبه بقاعدة قديمة مفادها أن الخطأ الشائع يولد الحق مع اختلاف في المضمون والباعث والغاية بكل تأكيد .
غير أن الإنهيار الذي ينتظم مصر الآن يفكك كل يوم من تلك الشبكة وهو أشبه بهبوط أرضي مفاجئ تحت " حصيرة " خرسانية فهووإن كان لا يمزقها بالكلية إلا أنه يقطع أوصالها توطئة سبيل الضغط عليها حتي يخر عليها السقف من فوقها ، فدولة تعيش على التسول أعطوها أو منعوها هى كيان هش مرهون بقاؤه ببقاء المعيل ، والمعيلون في حالتنا تلك أنظمة مترنحة ملتصقة بمقاعد الحكم بصمغ منته الصلاحية ويمثلون مع الإنقلابيين في مصر رهط من اللصوص يحاولون اغلاق الباب بأجسادهم المترهلة بينما المارد الثائر صاحب الحق يدفعه بهم فلم تزل قواهم تنهار وتضعف حتى يخروا جميعا وفي صعيد واحد .
الآن يجهر الكثيرون من أعمدة الإنقلاب في ثنايا الحوارات بأن النظام الهش الذي انتجه الإنقلاب لم يستجمع محاور الصمود فلم يزل أعرجا غير قادر على الوصول إلى مستقر، أعمي لا يعرف أين يضع قدمه في الخطوة القادمة ، أصما لا تصل أذنيه سوى كلمات النفاق ، بينما تكتسب الثورة كل يوم أرضا جديدة فالشعب الذي كان قد ران على قلبه آثامه وخطاياه خلال ستين عاما يستفيق ، ويكاد الشعب المصري أن يجمع لأول مرة في تاريخه على أن الإسلاميين دون غيرهم هم الأجدر بحكم مصر يشاركهم في ذلك القوى التي صمدت معهم في مواجهة الإنقلاب ليبرالية كانت أو غير ذلك وقليل ما هى ، هذا الإجماع الذي تبطنه الآن الأغلبية من أبناء شعبنا -على تخوف من السيسي وملئه أن يفتنهم وإن السيسي رغم أنه ليس عاليا في الأرض فهو على الأقل من المسرفين - هى أشد ما يزعج أمريكا واسرائيل الآن ولا يبقى سوى الظرف المناسب لتعلن مصر اسلامية كما أعلنها عمرو بن العاص من قبل في أيام معدودات .
وليس أدل على يقين أمريكا من سقوط الإنقلاب واستعادة مصر هويتها الإسلامية من تشجيع إيران على التوسع في المنطقة برعاية اسرائيلية وأمريكية بل وقبول أمريكا بالمشروع النووي الإيراني ورفع الحصار عنها ودعم تدخلها في الحرب السورية وتوطئة السبيل لها اراض اليمن ، كل هذا الدعم لإيران لم يكن للإمام الخميني أن يراه في حلم ولو كان حلم يقظه ، وما كان لأمريكا أن تفعل ذلك أبدا لو أن لديها شبهة ثقة في بقاء مصر على علمانيتها او صمود الإنقلاب والإنقلابيين ولكنها استيقنت بكل المقاييس العلمية أن مصر عاجلا أو آجلا هى دولة اسلامية سنية لا تستطيع القوي الغربية حشد قواتها لمواجهتها عندما تدعمها الشعوب الأخري التي سوف تستلهم اسلاميتها الحديثة فرأت أن البديل في المواجهة هو تقوية الطرف الشيعي المندفع بلا وعى وتعويض النقص العددي لديه بتفوق استراتيجي من حيث التسليح والتمركز الجغرافي .
إن الإفلاس الفكري لدي الإنقلابيين الذي بدأ ببكاء قائد الإنقلاب تأثرا بعلاج التهابات الكبد بالكفتة ، وانتهاء بصناعة سفينة كبيرة يمر بها خط سكة حديد لربط مصر بايطاليا كما بشرنا وزير التموين خالد حنفي ومرورا بأشجار تنتح خرسانة وقوات بحرية تأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي بالإضافة إلى كونها أدلة افلاس مدقع ومؤشر على مأزق مطبق يحاول الإنقلابيون تسكين آثاره يوما أو يومين اضافيين بالهاء الناس في حكايات بلهاء تسئ اليهم وتنزع مهابتهم ... كل هذا يدل على مقدار الألم الذي يعتور معسكر الإنقلاب الذي اجتمعت اركانه وجنرالاته وهيئاته الهندسية والإستراتيجية لمناقشة قضية موضوعها " يافطة " على باب أحد المعسكرات .
لا مفر ولا محيص للإنقلاب وسدنته من مواجهة يوم عسير لن ينفعهم فيه الفرار ، وستغلق في وجوههم المطارات والموانئ ، لن تقبل فديتهم ولو جاء أحدهم بملئ الأرض ذهبا لأن الذهب لن ينقلب أبناء للثكالي ولا أزوجا للأرامل ولا آباء لليتامي ، لن يعوض المال يومئذ أبدا أعراضا انتهكت ولا أجسادا حرقت وهى تئن من آلام جراحها ...
أيها الإنقلابيون إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين .
المصدر
- مقال:محمود حشله يكتب :" إن ما توعدون لآت "موقع:كفر الشيخ أون لاين