محمد طلبة رضوان يكتب: جمال مبارك.. فيلم إباحي جديد في الأهرامات
(5/4/2015)
يبدو لي أن قضاء ميتافيزيقا ما، يطارد العساكر في بلادنا، يتماهى مع ما يُسرُّون، فيعلنون -غير عابئين بالعواقب- حالة من هيستريا العداء إزاء كل قيمة، تبدأ بـ”يناير” ولا تنتهي عند حرق الكتب، والسماح بالأفلام الإباحية في الأهرامات.
كثيرة هي محطات إهانة التراث المصري في السلوك العسكري، في الإسكندرية -مثلاً- حدث -ولا حرج- ابتداءً من بوابات المدينة، انتزعوا البوابات أثينية الطابع، هدموها دون سبب واضح، ووضعوا مكانها مجموعة من البوابات التي تشبه أنابيب الغاز، رصيف الكورنيش عمره أكثر من مائة عام، خلعوه، بحيرات المدينة التي تشكل جزء من طبيعتها المناخية، ردموها، بيت سيد درويش، هدموه، قصور الإسكندرية العلوية، تحف فنية رائعة الجمال، شاهد حي على ذوق العمارة الرفيع في تلك العصور، يهدمونها الواحد تلو الآخر ليثبتوا خوازيق خراسانية قبيحة، مقرفة، أبراج، ومولات، حتى الآثار الأثينية، التي ترقد بسلام منذ آلاف السنين، ما إن ظهرت لوجوههم العكرة حتى ردموا فوقها، ولم يبالوا!
في مشهد عبقري، كاشف عن طبيعة العسكري حين يكون جاهلاً وغبيًّا، يحاول الراحل خالد صالح في “هي فوضى” أن يسرق لوحة فنية عمرها 130 عامًا، فيفشل لضيق الوقت، فيقرر أن يمزع اللوحة بالمطواة، ويعطيها لتاجر الآثار الذي استأجره ليسرقها له، مطالبًا إياه ببقية أمواله، ولصق اللوحة بعد ذلك على مزاجه!
أفلام إباحية يجري تصويرها داخل الأهرامات، يخبروننا أن الجريمة تحدث من وراء أجهزة الأمن، يبدو الأمر صعبًا، في منطقة من أكثر المناطق الأثرية تأمينًا، إذا كانوا متواطئين فتلك مصيبة، وإذا كانوا صادقين فالمصيبة أعظم، آخر الأفلام الإباحية -بوصف زميلنا إسلام لطفي- وأكثرها ابتذالاً، كان “نزهة” السيد جمال مبارك “المفاجئة” في أهرامات الأجداد!
يقول الخبر المنشور في إحدى جرائد الانقلاب:
- “فوجئ ضباط شرطة السياحة بوجود مبارك الابن، دون حراسة، وليس بصحبته سوى شخص واحد، ومعه زوجته وابنته، حاملاً كاميرا، والتقط خلال جولته عددًا من الصور لابنته في منطقة الأهرامات“.
- جاء الخبر مصحوبا بـ 5 صور لمبارك الابن وزوجته وابنته، تحت عنوان: ننفرد بنشر صور زيارة جمال مبارك وأسرته لـ”الأهرامات”.
لم تكن الصور مفاجئة لـ”جمال”، أو مُختلَسَة، بل على العكس؛ يبتسم في إحداهن للكاميرا، ابتسامة بلون رمال الصحراء التي يدوسها السائحون الأمريكيون بأحذيتهم، يبدو تلقائيًّا وطبيعيًّا كما عرفه المصريون، سماجة، وثقل ظل، ولزوجة فطرية، تماما مثل أبيه!
إذن فقد “فوجئ” ضباط السياحة، لكن مصور الجريدة التي انفردت بالصور لم يفاجأ، جاءه الرئيس في المنام ليخبره بأن ابنه الصغير ذاهب إلى أهرامات الفراعين، فاذهب خلفه وصوِّرْه، الصور جاهزة، والوريث موافق ويضحك، ويتجول وسط الناس، لا يتعرض له أحد، لا يعكر صفو مزاجه أحد، دون حراسة، كله تمام.
في تجربة إعلام رجال الأعمال في مصر، لا نختلف كثيرًا -من حيث المبدأ- عن نوافذ إعلامية في كل مكان في العالم، تعمل لصالح مموليها، وتروج لسياساتهم، إلا أننا ننفرد بمستوى من الأداء الفاجر غير المسبوق، في كذبه، وإجرامه.
الخبر في نوافذ إعلامية أخرى، يتابع الحدث، يمكنه أن يلون نظرة القارئ له، ينقلها من مربع المعارضة إلى مربع الانحياز، أو العكس، حسبما تقتضي مصلحة “المبرمج”، إعادة التأويل فن يمارسه المحرر، والديسك مان، وأحيانًا المصور الذي يستخدم المنظور، وزاوية الالتقاط، وأحيانًا القص واللصق، ليوحي للقارئ بما يريد، تبدو هنا الصورة الذهنية أخطر في أثرها من نظيرتها الفوتوغرافية، محدودة التأثير!
في مصر، الوضع مختلف، نحن لا نتابع الحدث بالخبر، نحن نصنع الحدث من العدم، بأخبارنا وننقل الخبر من مربع الحدث إلى مربع الخيال، يخبرني صديقي “الديسك” المستقيل من الجريدة التي انفردت بصور صبي مبارك الأصغر، أن رئيسه المباشر كان يأمرهم بعد الانقلاب العسكري بنسبة أي مصيبة تحدث في البلاد إلى الإخوان، وحين ناقشه صديقي -اللاديني بالمناسبة- بأن خبرًا ما جاءهم من المصدر منسوبًا إلى مجهولين، قال له رئيسه بالحرف: “ليس لدينا هنا مجاهيل، مصيبة يعني إخوان، انتهى”.
يقسم لي صديق آخر في قسم أخبار إحدى الجرائد “الوطن”ـــيـــة، أن رئيس التحرير كان “جلادًا” في كذبه على القارئ في عام حكم الإخوان إلى الدرجة التي وصلت إلى حد مطالبتهم بـ”الإبداع”، وتأليف أخبار توحي بأن البلد رايحة في ستين داهية، فيزداد الناس قلقًا، ورعبًا مما يجعلهم مهيؤون نفسيًّا لإزاحة النظام، بل والمشاركة إن استطاعوا في ذلك.
لم تكن زيارة فتى سوزان مبارك المدلل هو وزوجته إلى الأهرامات من قبيل الصدفة، ليس مجنونًا أو مستغنيًا عن نفسه ليفعل ذلك، كل شيء كان معدًّا، الشرطة الخاصة التي قامت بالتأمين، المصور الذي ينتمي لمؤسسة صحفية مشبوهة، حتى ابتسامة الوريث للكاميرا، وتعمد ظهوره هادئًا، ممسكًا بكاميرا، كأي سائح، آمن، مطمئن.
هذا المشهد تمت صناعته، أرادوه احترافيًّا، لكنه جاء ساذجًا، ورغم ذلك شربه بعض القراء والمتابعين، ووصلتهم رسائله، وصدقوها، كل شيء مستتب، جمال الذي لم يكن يجرؤ لا هو ولا أي أحد من أفراد أسرته على مجرد النظر من شباك سيارته وهو في الحكم، يمشي الآن بين الناس بشكل عادي جدًّا، الناس ترحب، والباشا يلتقط الصور، لا ثورة، ولا يحزنون، بل على العكس، أجنحة السلطة القائمة على تباينها محل ترحيب المصريين!
هل نقول إنه انتهاك جديد لقيمة الأثري؟ لم يريدونه كذلك بالطبع، إلا أن شيئا ما كامنًا في طبائع الأمور يدفعهم دوما إلى ذلك، الرسالة الأكثر وضوحًا لقارئ مدرب، هم يملكون صناعة الصورة، إلا أن الأصل لنا، والشارع لم يزل لنا، رغم الحواجز والمتاريس، وإذا كان السيد جمال، ربيب أسرة اللصوص والحرامية، قد ظهر وسط رجاله في أكثر المناطق السياحية تأمينًا، ثم جرى تصويره وحده هو وأسرته بعدسة هي له على كل حال، والكذب على القارئ واختراع سياق كامل بأنه كان وحده، دون حراسة، فإننا ننتظر معشوق الجماهير في شوارع القاهرة وميادينها، ولو لدقائق معدودة، دعونا نرى كيف يمشي ممرض المصريين، وناهب أقواتهم، وأرزاقهم، وقاتل أبنائهم بين الناس، ووسط تأييدهم، وترحابهم، ورضاهم؟
المصدر
- مقال:محمد طلبة رضوان يكتب: جمال مبارك.. فيلم إباحي جديد في الأهرامات موقع: الشرقية أون لاين