ما لم يدركه العرب بعد مائة عام!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ما لم يدركه العرب بعد مائة عام!

2010-07-08

بقلم : صبحي غندور

وبين البعد العروبي القومي، ولا يمكن إسقاط أحدهما عربياً دون إسقاط الآخر، وهذا ما حصل في بلاد العرب في مطلع القرن العشرين، حينما ارتبط تقسيم المنطقة بطرح التغريب الثقافي والعودة فيها إلى حضارات ما قبل الإسلام.

إنّ «الهويّة الثقافية العربية» كلغة وثقافة، كانت موجودة قبل وجود الدعوة الإسلامية، لكنّها كانت محصورة بالقبائل العربية وبمواقع جغرافية محدّدة.. بينما العروبة، كهوية انتماء حضاري ثقافي، بدأت مع ظهور الإسلام، ومع ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم وبنشر الدعوة بواسطة روّاد عرب..

هكذا أصبحت «العروبة الحضارية» هي الثقافة العربية، ذات المضمون الحضاري الذي أخرج الثقافة العربية من الدائرتين: العرقية والجغرافية، إلى الأفق الحضاري الواسع، الذي اشترك في صيانته ونشره مسيحيون عرب ومسلمون من غير العرب.

وبالتالي خرجت الهويّة الثقافية العربية من دائرة العنصر القبلي أو الإثني، ومن محدودية البقعة الجغرافية (شبه الجزيرة العربية) إلى دائرة تتّسع في تعريفها لـ «العربي»، لتشمل كل من يندمج في الثقافة العربية، بغضّ النظر عن أصوله العرقية والإثنية أو مذهبه الديني.

فالشخص العربي؛ هو الإنسان المنتمي للثقافة العربية أو لأصول ثقافية عربية. فالهويّة العربية لا ترتبط بعرق أو دين، ولا بموقف سياسي أو منظور أيديولوجي.

المشكلة الآن أن «الهوية العربية» تعيش محنةً، بينما كان من المفترض حصول العكس مع نهاية القرن العشرين، عندما تساقط الفكر الأممي المادي في الشرق الشيوعي، لتخرج من بين أنقاضه قوميات عريقة عجز الفكر الشيوعي عن طمسها، رغم محاولات وأدها أكثر من مرّة وفي أكثر من مكان!

أيضاً، كانت نهاية القرن العشرين تتويجاً لمراحل الوحدة الأوروبية، التي جمعت في ظلالها أكثر من قومية ولغة وتراث ودين، بل تواريخ وذكريات حافلة بالصراعات والدم والحروب، لكن المصلحة الأوروبية المشتركة في الوحدة، تغلّبت على كل التباينات والفروقات.

إنّ «الهوية العربية» تعني القناعة بأن العرب أمَّة واحدة، تتألف الآن من أقطار متعددة، لكنها تشكّل امتداداً جغرافياً وحضارياً واحداً، وتتكامل فيها الموارد والطاقات.

والمتضرّرون من تعزيز هذه «الهوية» هم حتماً من غير العرب الذين في الماضي، كما هم في الحاضر، يمنعون تكامل الأمَّة العربية، حفاظاً على مصالحهم في المنطقة وعلى مستقبل استنزافهم لخياراتها ومواردها وطاقاتها المادية والبشرية.

فمن المفهوم أن يحارب غير العرب (على المستويين الإقليمي والدولي) فكرة «الهوية العربية»، لكن لِمَ إطلاق السهام على هذه الفكرة من بعض العرب أنفسهم؟

صحيح أنّ هناك ممارسات سياسية وحزبية خاطئة، حصلت باسم «الهوية العربية» وباسم «القومية العربية» و«العروبة»، لكن هل أدَّت «الجرائم التي ارتكبت باسم الحرية» إلى التخلّي عن هذا المطلب الهام لشعوب العالم كلِّه؟!

وإذا كانت حركات إسلامية قد طرحت نفسها بديلاً لأفكار وتجارب حركات قومية عربية، فهل يمكن أصلاً اعتبار «الهوية الإسلامية« بديلاً أو نقيضاً لهوية العروبة؟

هذا التساؤل ليس جديدا على منصّة الأفكار العربية، فهو موضوع لا يقلّ عمره عن مائة سنة. فمنذ مطلع القرن العشرين يدور التساؤل في المنطقة العربية تحديداً، حول ماهيّة هويّة هذه المنطقة، وهي المرحلة التي بدأ فيها فرز العالم الإسلامي إلى دول وكيانات، بعد انتهاء الحقبة العثمانية. لكن ما حدث خلال القرن العشرين أثبت عدم إمكان الفصل في المنطقة العربية، بين العروبة الثقافية والإسلام الحضاري.

فالعروبة والإسلام في المنطقة العربية حالة متلازمة مترابطة، ومختلفة عن كل علاقة بين الدين كإسلام والقوميات الأخرى في العالم الإسلامي. فتركيا، لكي تبتعد عن الدين (الإسلام) ولتأخذ بالعلمانية وبالمنحى الأوروبي، كان عليها أن تتمسّك بقوميتها التركية.

وهذا المثال الذي حدث في تركيا، جعل الكثيرين من العرب المتمسّكين بدينهم الإسلامي، يعتقدون أنَّ الحديث عن العروبة يعني التخلّي أيضاً عن دينهم قياساً على التجربة التركية، بينما توجد في الواقع خصوصية للعلاقة بين العروبة والإسلام، وهي خصوصية خاصّة بالعرب، لا تشترك فيها معهم أيّة قومية أخرى في العالم الإسلامي.

فالعربية هي لغة القرآن الكريم، والثقافة العربية هي التي انتشرت من خلالها الدعوة الإسلامية في العالم. فحينما يتمّ فصل العروبة الثقافية عن الإسلام الحضاري، فكأنّ ذلك هو فصل للغة القرآن الكريم عن القرآن الكريم نفسه، وكأنّه فصل للأرض العربية التي عليها الحرَمان الشريفان والمقدّسات الإسلامية.. عن الدين الإسلامي.

هذه الخصوصية في العلاقة تجعل من إضعاف العروبة إضعافاً للإسلام، والعكس صحيح أيضاً. لقد كانت حالة الجزائر حينما كانت تحت الاحتلال الفرنسي، خير مثال على ذلك، فقد حاولت فرنسا أن تضع بديلين في الجزائر: بديلاً حضارياً؛ وهو الحضارة الغربية بدلاً من الحضارة الإسلامية، وبديلاً ثقافياً حينما حاولت «فَرْنسة» الجزائر وفرض اللغة الفرنسية بدلاً من اللغة العربية.

فكيف حافظت الجزائر على عروبتها وعلى إسلامها؟ لقد فعلت ذلك من خلال التمسّك بالقرآن الكريم. فمن خلال التمسّك بالإسلام نفسه، تمسّكت الجزائر بعروبتها أيضاً.

ورغم خصوصية العلاقة بين العروبة الثقافية والإسلام الحضاري، فإنّ هذا الموضوع الشائك لم يحسم خلال القرن العشرين، ورغم أنّه ما زال أيضاً ـ حسب اعتقادي ـ هو الأساس لنهضة هذه المنطقة في القرن الحالي الجديد، حتى لو كانت هناك ممارسات كثيرة، ولا تزال، باسم العروبة وباسم الإسلام، تسيء إلى العروبة نفسها أو للإسلام نفسه.

فمن الأخطاء مثلاً، طرح القومية العربية وكأنّها أيديولوجية عقائدية، بينما يُفترض أن تكون القومية العربية إطاراً للهوية الثقافية، بغضّ النظر عن العقائد والأفكار السياسية، إذ يمكن أن تكون قومياً عربياً علمانياً؛ ويمكن أن تكون قومياً عربياً إسلامياً؛ ويمكن أن تكون قومياً عربياً ليبرالياً..

أي نستطيع وضع أي محتوى «أيديولوجي» داخل هذا الإطار القومي. فالقومية هويّة، وهي إطار تضع فيه محتوًى معيناً، وليست هي المحتوى.

فهل استطاعت الطروحات العربية الفكرية السائدة الآن، أن تضع أمام الأجيال العربية الجديدة مفاهيم فكرية سليمة، تستطيع هذه الأجيال أن تعمل في ظلّها لبناء مستقبل عربي أفضل؟ وبتحديدٍ أكثر، هل استفادت التيارات الفكرية القومية والدينية من تعثر التجارب السابقة لبناء الأسس الفكرية والثقافية السليمة للعرب حاضراً ومستقبلاً؟

عسى أن يحدث ذلك قريباً لصالح الأوطان والعروبة معاً..

  • مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

alhewar@alhewar.com

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات