ماذا وراء تصريحات أولمرت وليفني عن قضية اللاجئين؟!
2008-08-23
بقلم : معتصم حمادة
المقلق والمريب بما يتعلق بقضية اللاجئين، ليس هذا التشدد الإسرائيلي المدعوم أميركيا فحسب، بل وكذلك الصمت الفلسطيني بشكل عام. صمت المفاوض. صمت القوى والفعاليات الفلسطينية. صمت اللجنة التنفيذية. وصمت مجموعات الدفاع عن حق العودة وأطر حركة اللاجئين. مما يؤكد أن ثمة خطأ ما، يجب معالجته بأسرع ما يمكن.
بعد أن كشفت هآرتس (7/8/2008) عن مشروع عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على رئيس السلطة الفلسطينية يتضمن حلا لقضية اللاجئين، يقوم على الموافقة على جمع شمل حوالي عشرين ألفا منهم، وعلى مدى عشر سنوات، وبمعدل ألفين كل سنة وفقا لشروط معينة، مقابل توطين الباقين في مناطق الدولة الفلسطينية ودول عربية وغربية أخرى،.. أخذ أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني، يتباريان في التشدد في الموقف من هذه القضية.
أولمرت نفى نفيا قاطعا أن يكون قد اقترح فكرة جمع الشمل، مؤكدا بالمقابل أن الحل يكون بـ «عودة» اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية.
ليفني وصفت عودة لاجئ واحد بأنها طعنة لدولة إسرائيل في الظهر. ووصفت اللاجئين بالمجرمين، يحملون سكينا، يقرعون بابك، وما أن تفتح لهم حتى يبادروا لطعنك في ظهرك عند أول فرصة تسنح لهم. في محاولة لقراءة تطور الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين نلاحظ أن بن غوريون، رئيس أول حكومة إسرائيلية، كان قد وافق على اقتراح أميركي بإعادة حوالي 200 ألف لاجئ فلسطيني (من أصل 800 ألف هم مجموع اللاجئين الذي هجروا قسرا عام 1948). وقيل يومها إن هؤلاء هم اللاجئون الذين طردوا من الأرض التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية والتي اجتاحتها إسرائيل ووسعت بها رقعتها من 55% إلى 78% من مساحة فلسطين الانتدابية. لكن مشاورات بن غوريون مع مستشاريه دفعته لاحقا للتراجع عن قبول عودة هؤلاء داعيا إلى حل قضيتهم «في الإطار العربي».
في مفاوضات كامب ديفيد، تموز (يوليو) 2000، وافق إيهود باراك (رئيس وزراء إسرائيل آنذاك) على السماح بجمع شمل حوالي 50 ألفا من اللاجئين دون أن يحتسب ذلك اعترافا بحق العودة. على أن يكون المستفيدون من القرار ممن ولدوا في فلسطين قبل العام 1948، ولهم أقارب في إسرائيل، شرط أن يعودوا دون ذريتهم ودون أزواجهم أو زوجاتهم، إذا كان هذا الشرط لا ينطبق على هؤلاء الأزواج والزوجات. على أن ينفذ القرار خلال عشر سنوات، أي بمعدل خمسة آلاف كل سنة.
رسالة الضمانات الأميركية من بوش إلى شارون في 14/4/2004، شكلت نقلة جديدة، رأت في عودة اللاجئين أمرا مستحيلا، في ظل التطورات الميدانية التي أصبحت أمرا واقعا. ودعت إلى حل بديل يقوم على «عودة» البعض إلى الدولة الفلسطينية المرتقب قيامها، وعلى توطين آخرين في الدول العربية، والغربية المستعدة لذلك.
ثم بدأت الدوائر الإسرائيلية والأميركية تتحدث عن صون «الطبيعة اليهودية» لدولة إسرائيل، متذرعة أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إليها من شأنه أن يقضي على هذه الطبيعة، بحيث سيكون للفلسطينيين دولتان، واحدة في الضفة والقطاع، والثانية هي إسرائيل ذات الأغلبية الفلسطينية. وهذا، حسب زعم هذه الدوائر، مخالف لرؤية الرئيس بوش الداعية إلى حل «الدولتين»؛ دولة فلسطينية ودولة يهودية.
في خضم إحياء الفلسطينيين للذكرى الستين للنكبة لم تتردد وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في مطالبة الفلسطينيين بالتوقف عن استعمال عبارة «نكبة». ودعتهم إلى شطب هذه الكلمة من قاموسهم إذا ما كانوا جادين في الوصول إلى سلام مع إسرائيل ـ كما قالت ـ. وهي بذلك تدعو إلى حل مقلوب للمأساة. شطب المأساة من الوعي الجماعي للشعب الفلسطيني. وإبقاء المأساة وتداعياتها تفعل فعلها في الحالة الفلسطينية؛ متمثلة في تمزيق الوطن الفلسطيني وتشتيت شعبه وتشريده.
وأخيرا، وليس آخرا، ما جاء على لسان أولمرت وليفني من نفي قاطع لعودة لاجئ واحد إلى أرضه وممتلكاته، في مناطق 48، والتأكيد أن هذا الموقف أبلغ إلى المفاوض الفلسطيني بوضوح ودون أية مواربة.
المقلق والمريب في الموضوع، ليس هذا التشدد الإسرائيلي المدعوم أميركيا بلا شروط. بل هو ذلك الصمت الفلسطيني بشكل عام. صمت المفاوض. صمت القوى والفعاليات السياسية الفلسطينية. صمت مجموعات الدفاع عن حق العودة وأطر حركة اللاجئين. وخلف هؤلاء جميعا، يقف صمت عربي يمتد «من المحيط إلى الخليج».
- المفاوض الفلسطيني باعتباره الشريك (إلى جانب إسرائيل) بالعملية السياسية. وبالتالي فإن كل ما يذكر على لسان أولمرت وليفني يطال بشكل مباشر هذا المفاوض. أي أنه معني، أكثر من أي طرف فلسطيني آخر، (أو عربي) بهذه المسألة من موقعه الحاسم في دفع العملية التفاوضية، أو في تعليقها. لذلك إن كل ما يقال على لسان الجانب الإسرائيلي، يعني بشكل أو بآخر، أن الأمور قد بحثت مع المفاوض الفلسطيني، وهو ما يعيدنا إلى ما كنا قد ذكرناه سابقا، أي إلى ضرورة وضع حد لسياسة التعتيم على المفاوضات، وسياسة حجب المعلومات، وضرورة مكاشفة الهيئات المعنية، والرأي العام بحقيقة ما يدور على طاولة المفاوضات. وضرورة، في الوقت نفسه أن ترسم الهيئات المعنية الخطوط الحمر للمفاوض، بحيث لا يحق له تجاوزها. هنا من حقنا أن نتساءل عمن أعطى المفاوض الفلسطيني صلاحية البت بالقضايا المصيرية. وما هي الخطوط الحمر التي رسمت من قبل اللجنة التنفيذية. وإلى أي مدى تراه يلتزم هذه الخطوط ويعمل بها.. وما هو موقف اللجنة التنفيذية، وما هي صلاحياتها إذا ما تجاوز المفاوض هذه الخطوط، وخطا على طريق التنازل عن حق العودة. نطرح هذه الأسئلة وفي البال أن المفاوض قد خطا فعلا مثل هذه الخطوات، وأنه قدم فعلا مثل هذه التنازلات وذريعته في ذلك المقايضة بين حق العودة وبين تحسين شروط قيام الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع. وبالتالي إذا كنا ننتقد سياسات المفاوض الفلسطيني ونحمله مسؤولية ما آلت إليه قضية اللاجئين في المفاوضات، فإننا في الوقت نفسه، ننتقد اللجنة التنفيذية الحاضرة ـ الغائبة والتي لم يبدر عنها ما يؤكد ممارستها لصلاحيتها في مساءلة الفريق الفلسطيني المفاوض، وضبط خطواته، وردعه عن سياسة التنازل التي أدمنها.
- الفصائل والقوى السياسية باعتبارها تمثل الحالة الشعبية المنظمة، بما يتوفر لها من نفوذ وبما عليها من دور في تحريك الشارع وتفعيل دوره لممارسة الضغط على الفريق المفاوض وعلى الهيئات المعنية كاللجنة التنفيذية ورئيسها.
وإذا كان الحديث يتناول بشكل خاص فصائل م.ت.ف (باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني) فإن النقد يستهدف بشكل رئيسي القوى الثلاث: «الديمقراطية» «الشعبية» وحزب الشعب، والتي يستند برنامجها في أحد جوانبه الرئيسية إلى حق اللاجئين في العودة. كما يستهدف هذا النقد قواعد حركة فتح التي تؤكد الوقائع أنه، بينها وبين قيادتها الأولى، بمن فيها الفريق المفاوض، مسافة شاسعة في الموقف من العملية التفاوضية ومن السياسة التفاوضية المعتمدة، وبشكل خاص ما يتعلق بقضية اللاجئين. وهكذا نلحظ أن الفريق المفاوض، في خطواته، لا يمثل إلا أقلية في الحالة السياسية الفلسطينية، بينما تعارضه الأغلبية، لكن دون أن تتحول هذه المعارضة إلى سياسة ضاغطة تصل بفعلها وتأثيرها إلى حد تصويب العملية التفاوضية، أو تعليقها إلى أن تتوفر ظروف أفضل لاستئنافها.
- أما لجان حق العودة وأطر حركة اللاجئين، فالملاحظ أنها، وبعد أن أحيت الذكرى الستين للنكبة، بسلسلة واسعة من الأنشطة والفعاليات، تراجعت وتيرة حركتها، ولا يلحظ المراقب أي دور لها في تتبع العملية التفاوضية، وتتبع ما هو خاص بقضية اللاجئين وحق العودة. والملاحظ أيضا، في هذا السياق، أنه، ومنذ 27/7/2008 (أي حين كشف أولمرت أمام لجان الكنيست ما توصلت إليه العملية التفاوضية بخصوص اللاجئين) والأخبار تتالى عن التفاصيل الخطيرة بشأن هذه القضية، إن في تصريحات الإسرائيليين، أو في تقارير الصحافة الإسرائيلية، دون أن تجد كل هذه التفاصيل الخطيرة أي صدى أو رد فعل في صفوف لجان العودة وأطر اللاجئين، الأمر الذي يعني أن ثمة خطأ لابد من التوقف أمامه، وتشخيصه، ومعالجته، ونعتقد أن هذه العملية هي من واجبات لجان العودة وأطر اللاجئين واختصاصها.
- وبما يتعلق بالحالة العربية (أي الدول المضيفة للاجئين وكذلك الأحزاب والقوى السياسية العربية الوطنية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والمنخرطة في الدفاع عن حقوق أبنائها) فإن المسألة في غاية الخطورة، تتجاوز حدود حقوق اللاجئين (على أهمية هذه الحقوق ودون أي انتقاص منها) نحو كونها المدخل لأحداث اختراق عربي وفلسطيني في الحالة الإسرائيلية، في إطار المعركة المفتوحة، وعلى قاعدة تسجيل النقاط في المواجهة، بما يمكن من خلال المراكمة تعديل ميزان القوى المختل أساسا لصالح الإسرائيليين. وبما يمكن الحالة الفلسطينية ومجمل الحالة العربية مواصلة الكفاح ضد المشروع الصهيوني، على المستوى الإستراتيجي. هذا فضلا عما يمكن أن تحدثه عملية التوطين من تداعيات سلبية على بعض الأوضاع العربية المعروفة جيدا.
ومما لاشك فيه أن الرافعة الرئيسية في هذا كله هي الحالة الشعبية الفلسطينية بمؤسساتها المختلفة الفصائلية، الحزبية والجماهيرية الواسعة.
غير أن حالة الانقسام بطبيعة الحال، باتت تشكل قوة شد إلى الوراء، تضعف الحالة الفلسطينية بشكل عام، وتشاغل القوى السياسية في قضايا ومهام يومية، على حساب التفرغ لمواجهة تداعيات العملية التفاوضية. لذلك لا غرابة إن نحن انتهينا من هذا كله إلى إعادة التأكيد على ضرورة معالجة حالة الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، كممر إلزامي لإخراج مجمل الحالة الفلسطينية من أزمتها المتفاقمة.