ليتعلم النواب أولاً!
بقلم: الأستاذ أوّاب إبراهيم
يستغلّ الساسة اللبنانيون الوقت المستقطع بين معركة وأخرى، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الإقليمية والدولية، وما إذا كانت «إسرائيل» ستشن حربها على لبنان أولاً أو على قطاع غزة، وما إذا كانت الضربة العسكرية التي ستستهدف إيران ستكون هذا العام أو العام المقبل.
بانتظار كل ذلك، يتسلى الوزراء في مجلس الوزراء بإجراء تعديلات على قانون الانتخابات البلدية، تمهيداً لإجرائها في الربيع المقبل.
من هذه التعديلات اشتراط حيازة المرشح لمنصب رئيس بلدية شهادة جامعية معترفاً بها، والمرشح لمنصب مختار شهادة ثانوية.
تعترض هذا الشرط معوّقات دستورية ومنطقية وإنسانية. فالدستور اللبناني يمنح حق الترشح للمناصب التي ينتخبها الشعب بشكل مطلق، وأي تقييد لهذا الحق هو اعتداء دستوري على حق المواطن في اختيار من يجده مناسباً.
أما المشكلة المنطقية، فهي صحوة الوزراء المفاجئة على اشتراط حيازة المرشح للشهادة الجامعية وحصرها بالانتخابات البلدية فقط.
فإذا كان من الضروري أن يملك رئيس البلدية أو المختار حداً أدنى من العلم لإنجاز المعاملات الإدارية والمكتبية الخاصة بعمله، وتطبيق القوانين والمراسيم التي تصدر عن الوزارات المختصة، فإن النائب هو «ممثل الأمة»، وواجبه تشريعي رقابي قبل أن يكون خدماتياً لناخبيه.
وهو يشكل مع رفاقه النواب السلطة التشريعية التي تسنّ القوانين التي يجب على المواطن اللبناني الالتزام بها، سواء كان هذا المواطن محامياً أو طبيباً أو مهندساً أو تاجراً.
فلا يعقل أن يسنّ نائب شبه أمي قانون أصول المحاكمات الجزائية ويفرضه على قضاة ومحامين أفنوا عمرهم في التفقّه بالقانون ومعرفة تشعّباته، فقط لأن النائب تمكّن بمساعداته الخيرية، وعشيرته الواسعة الانتشار، من الحصول على أصوات ناخبيه وحاز مقعداً في أحد أبنية ساحة النجمة. ليس المطلوب من النائب أن يميّز الفرق بين مذكرة التوقيف ومذكرة الجلب، ولكن يجب –على الأقل- أن يتحلى بالحد الأدنى من الفهم والمنطق.
فكيف سيتمكن النائب الذي لا يملك ثقافة متوسطة (هي اليوم تماثل الشهادة الجامعية) من مناقشة مشروع الموازنة، أو البيان الوزاري، أو.. فإذا كانت السلطة في لبنان راغبة بفرض مستوى علمي على المرشحين، فهذا أمر جيد، ولكن، فلتبدأ بالمرشحين للانتخابات النيابية، لا البلدية والاختيارية التي لا يحتاج فيها الفائز إلى كثير ثقافة وعلم، بل إلى همّة لمساعدة الناس وشبكة علاقات معهم.
القيد الثاني الذي يناقش الوزراء فرضه على اللبنانيين، هو تحديد كوتا نسائية نسبتها 30% من إجمالي عدد مقاعد المجالس البلدية.
وهذا شرط إضافة لتعدّيه على حرية المواطن باختيار مرشحيه، تعارضه –على حد علمي- جمعيات تحرير المرأة والمطالبات بمساواتهن بالرجال، لأن اللجوء الى فرض كوتا محددة يكرس فوقية الرجل، ويكشف عن أن إثبات المرأة لنفسها لا يأتي طوعاً بل من خلال قانون إلزامي، وهذا يعني عدم ثقة اللبنانيين بالنساء، ولابقدرتهن على العمل وتلبية طلبات ناخبيهم.
بناء عليه، سيحظى اللبنانيون بنسبة 30% من نساء سيزيّنون مجالسنا البلدية دون حصولهن على ثقتنا كلبنانيين.
فحتى ولو لم تتخط الأصوات التي تنالها الواحدة منهن صوتاً واحداً، هو صوتها -لأن النساء بدافع الغيرة لا يصوّتن لبعضهن- ستفوز إذا كان خصمها الذي حاز آلاف الأصوات رجل، خلقه الله ذكراً ولم يخلقه أنثى.
وفي الوقت الذي يسعى فيه مجلس الوزراء لإقرار تعديلات جديدة على قانون الانتخابات البلدية، فإن السعي قائم لإهمال أحد أهم الإنجازات التي تحققت مؤخراً، وهي خفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 سنة.
وكان المجلس النيابي السابق أقر الخفض في آخر جلساته على أن يطبق في الانتخابات النيابية الأخيرة، لكن التذرّع بضيق الوقت المتاح لتعديل لوائح الشطب أجّل إشراك الشباب في العملية الانتخابية، على أن يتم إلحاقهم في أول عملية انتخابية مقبلة.
إلا أن الدخان الأسود المتصاعد من قبة مجلس الوزراء لا يبشر بخير، فالمؤشرات تقود إلى رغبة أصحاب الأمر لتأجيل تنفيذ خفض سن الاقتراع في الانتخابات البلدية والاختيارية إلى أجل لاحق، وهذا يعتبر انتقاصاً فاضحاً من حق الشباب في المشاركة بتحديد من يمثلونهم، سواء في المجلس النيابي أو البلدي والاختياري.
واللافت أن الحجب الذي يطال حقوقهم لا يطال واجباتهم. فمن يبلغ الثامنة عشرة تترتب عليه المسؤولية الجزائية والمدنية كراشد، وهو في مرحلة سابقة يجبر على الالتحاق بخدمة العلم العسكرية، والتزم بحماية أرض لبنان وشعبه، لكن المسؤولين في هذا البلد يصرّون على سلب حقه باختيار من يريد.
وكم من شاب ما زال يكمل دراسته الثانوية يفهم أكثر من كثير من نواب يخطبون ويتوعدون، يقرأون من أوراق كتبها لهم مستشارون، يفتقرون الى المال والجاه والعشيرة لدخول جنة مجلس النواب.
المصدر
- مقال:ليتعلم النواب أولاً!موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان