لماذا ينهشون تاريخ سعد الدين الشاذلي؟!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لماذا ينهشون تاريخ سعد الدين الشاذلي ؟!
سعد الشاذلى والسادات.jpg

محمد عبدالله

عندما نكتب عنه فإننا نزداد قامة.. وعندما تخط أقلامنا كلمات للوقوف في وجه من يحاولون تشويه الرموز وهدم معاقل للكرامة والانتصار فإننا ندافع عن كرامتنا قبل أن ندافع عن سيرته العطرة.. رجل بحجم الفريق سعد الدين الشاذلي لا نعتقد أنه يستحق أن يهاجمه رجل يزعم أنه ينتمي للمؤسسة العسكرية التي أنجبت رجالاً نعتبرهم ونحن علي يقين أنهم الحصن الحصين لهذا البلد.. رجل في كبرياء وشموخ سعد الدين الشاذلي لا يستحق أن يتم اتهامه بأنه هرب بقواته يوم ٥ يونيو ٧٦٩١.. أو أنه مدعي بطولة خاصة أن كل ما قاله الفريق سعد الدين الشاذلي موجود في كتبه وحواراته الصحفية والتليفزيونية وهو لم يتاجر بها.

وبدون مقدمات منطقية خرجت الزميلة الوفد بحوار غير مفهوم للمؤرخ العسكري عصام دراز وهو رجل نتهم أنفسنا بالتقصير في معرفة سيرته الذاتية.

هذا الحوار الذي يمتلئ باتهامات غير منطقية للفريق سعد الذين الشاذلي ووصفه بأوصاف لا تليق أن تخرج من رجال خدموا في كنف العسكرية المصرية - لرجل صنع مع كوكبة من الرجال نصرًا لايزال أهم انتصار عسكري كسر http://www.ikhwanwiki.com/skins/common/images/ar/button_bold.pngشوكة الكيان الصهيوني و’مرمغ’ كرامتهم في وحل الهزيمة.

الحوار الذي يمتلئ بالمغالطات والأكاذيب والاتهامات وأنه كان رجل الأعمال القذرة بامتياز.. وأنه كان شخصية وصولية .. أوصاف أقل ما يقال عنها إنها هدم واساءة لرمز من رموز العسكرية المصرية الشامخة.

وربما نتفهم أن حزب الوفد كحزب سياسي له الحق في أن يختلف مع الحقبة الناصرية ورموزها أو أن يبحث عن تاريخ شخصيات خاضت معارك ضده ليكشف وجهها الآخر ـ هذا من حقه ـ ولكن ما ليس من حقه هو الاساءة إلي أحد رموز مصر بهذه الطريقة وهذه الأوصاف والألفاظ.

وربما نسي هؤلاء الذين ظلوا في جحورهم عقودًا لا يتكلمون ليخرجوا فجأة لينفثوا سمومهم في عقولنا.. وفي عقول أجيال تعاني في الأساس غياب القدوة بعد أن رأت بعينها قيمًا يتم هدمها ورموزا يتم التطاول عليها لنفقد ما تبقي لنا من ذكريات تحمل العزة والكرامة.

الفريق الشاذلي قيمة وسيرة عطرة.. فتعالوا نريكم بعضًا من صفحات مضيئة في حياته.

البدايات

في ابريل عام ٢٢٩١ وفي قرية ‘شبراتنا’ وهي احدي قري مدينة بسيون بمحافظة الغربية ولد هذا الرجل عن عائلة من أعيان الغربية كما أنه ينحدر من عائلة عسكرية من الدرجة الأولي حيث توفي جده وهو يقاتل في صفوف الجيش المصري في السودان وشارك أفراد من عائلته في الثورة العرابية وكذلك في ثورة ٩١٩١.

التحق سعد الدين الشاذلي بالكلية الحربية وتخرج فيها في يوليو عام ٠٤٩١ ضابطًا برتبة ملازم في سلاح المشاة. ومنذ بداياته العسكرية اكتسب سمعة طيبة في الجيش.. ففي عام ١٤٩١ قررت القيادة المصرية البريطانية المشتركة في الحرب العالمية الثانية الانسحاب من مرسي مطروح وشكلت مجموعة مهمتها تدمير المعدات والمؤن التي تركتها هذه القوات خلفها وقد أدي مهمته ببراعة أشادت بها قياداته. وفي عام ٣٤٩١ انضم إلي الحرس الملكي وهو مكان كان كل الضباط يحلمون بالالتحاق به نظرا لمكانته العالية وبعد فترة قصيرة تركه وطلب الانتقال للخدمة في التشكيلات المرابطة علي الحدود المصرية.

وفي عام ٤٥٩١ ترأس الشاذلي اول كتيبة لقوات المظلات في الجيش المصري.

وفي عام ٠٦٩١ ترأس القوات العربية المتحدة في الكونغو ضمن قوات الأمم المتحدة. وفي الفترة من ١٦٩١ إلي ٣٦٩١ تم تعيينه ملحقًا عسكرياً في السفارة المصرية بالعاصمة البريطانية لندن وهو ما ساعده علي الاحتكاك المباشر بالتجارب العسكرية والقتالية الغربية.

كان الشاذلي رجلا عسكريا محترفا يدين بولائه لوطنه ولشرف العسكرية الذي جعله محط احترام الجميع.

النكسة وبطل قادم

ولأن المواقف هي التي تصنع وتفرز الرجال فإن حرب يونيو ٧٦٩١ يقول عنها الفريق الشاذلي - الذي كان برتبة لواء - إن هناك خطأ تم في فتح جبهتين واحدة في اليمن والأخري مع اسرائيل وأن التصعيد في هذا التوقيت كان خطأ كبيرا.

ويضيف أن الدفع بالقوات المصرية داخل سيناء كان يتم بصورة فيها الكثير من المظهرية والمظاهرة العسكرية، وهذا كان يؤدي إلي حدوث بلبلة واضطراب لدي الجنود لدرجة أن غالبية العسكريين كانوا يتصورون أنه لن تكون هناك حرب.

ويضيف الفريق سعد الدين الشاذلي ان هذا التخبط ظهر عندما تم استدعاؤه للقيادة في النصف الأخير من مايو ولما ذهب إلي هناك شعر بأن هناك تخبطاً في الأوامر التي تصدر.

ويشير الشاذلي إلي أن تكرار الأوامر وتناقضها جعلاه يقطع شبه جزيرة سيناء ذهابا وإيابا وهذا خطأ بالنسبة للدبابات التي كان يتم استهلاكها وتم انتداب الفريق الشاذلي لتكوين مجموعة عمليات خاصة تعتمد علي بعض الوحدات من التشكيلات المستديمة وكانت تتبع قيادة سيناء مباشرة والتي اطلق عليها ‘مجموعة الشاذلي’.

ويؤكد الفريق الشاذلي ان ارتباك هذه القرارات ادي إلي تغيير هذه المهمات ٣ أو ٤ مرات وكانت مهته حراسة وسط المنطقة الواقعة بين المحور الأوسط والمحور الجنوبي.

وفي يوم ٤ يونيو ٧٦٩١ وقبل الحرب بيوم وصل ضابط اتصال لإبلاغ الشاذلي بضرورة الحضور صباح ٥ يونيو الساعة ٨ لمقابلة المشير عبدالحكيم عامر.

كانت هذه المقابلة حسب وصف الشاذلي تضم قادة الفرق العاملة في سيناء وذلك في مطار فايد وتم ضرب المطار الذي كان من المفروض ان يلتقي فيه المشير بالقادة.. أي أن القوات كلها كانت تفتقر إلي قيادتها.. وتم تقييد عمل بطاريات الصواريخ لتأمين طائرة المشير عبدالحكيم عامر التي كانت موجودة في الجو وتم تدمير المطارات المصرية خلال ساعة أو ساعتين وأصبحت جميع القوات في عزلة تامة.

ويسطر الشاذلي في هذه المعركة موقفا من مواقف العسكرية الفذة التي جعلته من القادة العباقرة.

انسحاب مشرف

فبعد سيطرة الطيران الإسرائيلي علي الأجواء المصرية و سيناء بصفة خاصة قرر أن يقوم بعملية من أبرع عمليات المناورات في سجلات العسكرية حيث عبر بقواته - التي كان قوامها ٠٠٥١ جندي - شرقا وتخطي الحدود إلي صحراء النقب في فلسطين وذلك قبل غروب شمس ٥ يونيو ٧٦٩١ ولم يهاجمه الطيران الإسرائيلي حيث اعتقد أنه إحدي الوحدات التابعة له.

وبقي الشاذلي في منطقة النقب لمدة يومين إلي أن تمكن من تحقيق اتصال بالقيادة العامة ب القاهرة والتي اصدرت له الأوامر بالانسحاب فقام بتنفيذ عملية الانسحاب في ظروف صعبة للغاية واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلي الشط الغربي لمسافة 200 كيلومتر اشبه بعملية انسحاب القائد الألماني ‘روميل’ في الحرب العالمية الثانية حيث كان يسير بقواته داخل أراض يسيطر عليها العدو سيطرة تامة ودون أي غطاء جوي وبالحد الأدني من المؤن إلي أن وصل إلي غرب القناة قبل غروب يوم ٨ يونيو.

وكانت هذه العملية من أهم وأشهر عمليات الانسحاب التي اكسبته سمعة طيبة فتم تعيينه قائدا للقوات الخاصة ‘الصاعقة والمظلات’ في الفترة من ٧٦٩١ إلي ٩٦٩١ ثم قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية في الفترة من ٠٧٩١ إلي ١٧٩١.

المآذن العالية

ولأن الفريق الشاذلي لم يكن يدين بالولاء سوي للعسكرية المصرية فقد عينه الرئيس السادات رئيسا للأركان، وبمجرد وصوله إلي رئاسة الأركان دخل في صدام مع الفريق محمد صادق وزير الحربية حول خطط العمليات الخاصة بتحرير سيناء حيث كان الفريق صادق يميل إلي نظرية عدم مهاجمة العدو إلا بعد الوصول إلي مرحلة من التفوق عليه في المعدات والأفراد ويقوم بعملية كاسحة لتحرير سيناء.

أما وجهة نظر الفريق سعد الدين الشاذلي فكانت تري أن هذه النظرية لا تتماشي مع الإمكانيات الفعلية ل الجيش المصري وخبراته وتجاربه فطلب أن يقوم بخطة هجومية بحدود امكانياته تقضي باسترداد من ٠١ إلي ٢١ كيلومترا في عمق سيناء .

واطلق الشاذلي علي هذه الخطة اسم ‘المآذن العالية’ التي رأي أن ضعف الدفاع الجوي في مصر يمنع قواتها من التقدم للضفة الشرقية بصورة واسعة لأن القوات لن يكون لديها غطاء جوي فعال، واعتمدت خطة المآذن العالية علي أن لإسرائيل نقطتي ضعف: الأولي أن تل أبيب لا تستطيع تحمل الخسائر البشرية العالية نظرا لقلة عدد أفراد الجيش العامل. والثانية أن إطالة فترة الحرب ستجهدها لأنها كانت تعتمد علي الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أو ستة أسابيع علي الاكثر وهي في هذه الفترة تقوم بتعبئة ٨١٪ من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية جدا وتؤدي إلي توقف الحالة الاقتصادية في إسرائيل لأن هذه التعبئة تؤدي إلي استدعاء الاحتياط الذي يتشكل منه القطاع الاقتصادي في اسرائيل.

كذلك كانت خطة ‘المآذن العالية’ تعتمد علي أنه عندما يتم احتلال مسافة من ٠١ إلي ٢١ كيلومترا شرق القناة وبطول الجبهة سيتم حرمان الجيش الإسرائيلي من الهجوم علي الأجناب لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة علي البحر المتوسط شمالاً وخليج السويس في الجنوب وهو لن يستطيع الهجوم من المؤخرة لأنها ستكون مستندة إلي القناة وهو سيكون مضطراً إلي الهجوم من المواجهة وبذلك ستكون خسائره كبيرة للغاية.

وفي أكتوبر ١٧٩١ اصدر الرئيس السادات قرارا بإقالة الفريق صادق وتعيين المشير أحمد إسماعيل وزيرا للحربية حتي يضمن ولاءه له بعد أن حدث صدام بين السادات والفريق صادق حول رؤية كل منهما لتحرير سيناء.

صناعة الانتصار

ولأن العظماء تظهر عظمة أفكارهم عند تنفيذها فإن القوات المسلحة طبقت خطة ‘المآذن العالية’ التي وضعها الشاذلي.

يقول الفريق سعد الدين الشاذلي في كتابه ‘حرب اكتوبر ’ : ‘في أول ٤٢ ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهي الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي طابور تدريب تكتيكياًَ’.

ونتيجة للموقف الذي كانت فيه القوات السورية طلبت القيادة في دمشق تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية وطلب الرئيس السادات من المشير أحمد إسماعيل ذلك وتقرر أن يكون يوم ٢١ اكتوبر وهو ما عارضه الفريق الشاذلي بشدة لأن أي تطوير للهجوم خارج نطاق الـ٢١ كيلو التي تحميها مظلة الدفاع الجوي معناه أن تكون القوات المصرية لقمة سائغة للقوات الإسرائيلية.

وبعد تنفيذ القوات المصرية أوامر تطوير الهجوم شرقا هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني ‘في اتجاه السويس ’ بعدد ٢ لواء هما اللواء الحادي عشر مشاة ميكانيكي في اتجاه ممر الجدي واللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر متلا وهما من الممرات التي تتحكم في سيناء استراتيجيا وفي قطاع الجيش الثاني الميداني وباتجاه مدينة الإسماعيلية هاجمت الفرقة ١٢ المدرعة في اتجاه منطقة ‘الطاسة’، وعلي المحور الشمالي ل سيناء هاجم اللواء ٢١ مدرع في اتجاه ‘رمانة’. وكما حذر الفريق سعد الدين الشاذلي من المخاطرة بتطوير الهجوم شرقًا فقد خسرت القوات المصرية ٠٥٢ دبابة من قواتها الضاربة بعد عدة ساعات بسبب التفوق العسكري الإسرائيلي.

الثغرة.. وبداية الصدام

وعقب فشل خطة تطوير الهجوم اصبحت المبادأة في يد القوات الإسرائيلية وبدأت تنفذ خطة ‘غزالة’ للعبور غرب القناة ومحاصرة القوات المصرية الموجودة شرقًا.

وقام ارييل شارون وكان قائدا لإحدي الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلي غرب القناة من ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرة بقوة محدودة وذلك ليلة ٦١ اكتوبر ٣٧٩١ وصلت إلي ٦ ألوية مدرعة و٣ ألوية مشاة بحلول يوم ٢٢ اكتوبر.

وتكبدت هذه القوة خسائر فادحة بسبب بسالة مواجهة القوات المصرية والمقاومة الشعبية في مدينتي الإسماعيلية و السويس.

وبسبب هذه الثغرة حدث الخلاف الأشهر والأكبر بين الفريق الشاذلي من جانب والرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل وزير الحربية من جانب آخر.. حيث كان رأي الشاذلي أنه يمكن تصفية الثغرة بسحب ٤ لواءات مصرية من الشرق إلي الغرب لزيادة الضغط علي القوات الإسرائيلية والقضاء عليها نهائيا وكانت وجهة نظر الشاذلي أنها تطبيق لمبدأ عسكري حديث ومتقدم هو ‘المناورة بالقوات’ حيث لن يوثر هذا الانسحاب التكتيكي علي وضع القوات المصرية في الشرق. ورفض السادات هذا الرأي ودخل بعدها في مفاوضات فض الاشتباك.

وفي ٢١ ديسمبر ٣٧٩١ قرر السادات عزل الفريق سعد الدين الشاذلي من منصبه وتعيينه سفيرا ل مصر في لندن ثم في البرتغال، وفي لندن زادت شهرة الفريق الشاذلي حيث دخل في مواجهات كثيرة مع اللوبي الصهيوني الذي اتهمه بقتل الأسري الإسرائيليين في الحرب.

وعندما قرر الرئيس السادات الدخول في مفاوضات السلام في كامب دفيد، وجه لها انتقادات حادة وهو ما أدي إلي فصله من منصبه فعاش في المنفي عدة سنوات.

وفي الجزائر نشر الفريق الشاذلي كتابه ‘حرب اكتوبر ’ الذي احيل بسببه إلي المحكمة العسكرية وصدر ضده حكم بالسجن ثلاث سنوات ومصادرة أملاكه بتهمة نشر كتاب بدون موافقة مسبقة وهو ما اعترف الشاذلي به. والتهمة الثانية كانت افشاء الأسرار العسكرية وهو ما نفاه الشاذلي وأكد أن ما تسميه الدولة أسراراً عسكرية ما هو إلا أسرار حكومية.

وفي عام ٢٩٩١ عاد الفريق سعد الدين الشاذلي ليكمل بقية العقوبة بعد ٤١ سنة قضاها في المنفي ويدفع ضريبة غالية لحبه لوطنه ولشرف العسكرية الذي طالما وضعه نصب عينيه.

هذا هو رمز مصر الكرامة.. سعد الدين الشاذلي.. فمن أنتم؟!

المصدر

قالب:روابط سعد الدين الشاذلى