لبن: محاولات لإلغاء الأزهر لتنفرد الجامعة الأمريكية بالساحة
حوار- السيد ثروت
مقدمة

- هناك شيء يُبيَّت للأزهر واقترب الانتهاء منه
- ميزانية جامعة القاهرة ضِعف ميزانية جامعة الأزهر!!
- الأزهر رغم الضعف المالي ثابت ويفرز أفضل العقليات
- هناك منظومة من القرارت الإدارية لإبعاد الناس عن الأزهر
- لو كان الأزهر في مكانٍ آخر غير مصر لقُضي عليه منذ سنوات
الأزهر الشريف قلعة وجامعة الإسلام في مصر منذ أكثر من ألف عام، تعرض للكثير من الهجمات، ونجح في مواجهتها إلا أن التضييق الذي مورس عليه منذ الحقبة الناصرية ازداد مع مرور الوقت حتى بلغ ذروته بعد تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وخضوع الحكومة المصرية لضغوط أمريكية للتضييق على التعليم الديني.
التقينا الأستاذ علي لبن- أحد نواب الإخوان المسلمين في مجلس الشعب والموجِّه بالأزهر الشريف وحامل ملفِّه داخل البرلمان المصري، والمُدافع رقم واحد الآن عنه- وسألناه عن رؤيته لواقع التعليم الديني في مصر- وعلى رأسه الأزهر- وما يحاك له، ومعالم التضييق عليه ومستقبله، في ظل تلك الحملة، فكان ذلك الحوار:
- كيف ترى واقع الأزهر اليوم؟
- الأزهر الشريف أدى دورًا عظيمًا جدًّا منذ القدم، وما زال له دورٌ ملموسٌ حتى يومنا هذا، وذلك بالرغم من وجود محاولاتٍ عديدةٍ للحد من انطلاقِه في أداء واجبه، وهو تكوين دعاةٍ متميزين لنشر الدين في أرجاء العالم، ومع أن هذا الدور العظيم مسلَّمٌ به دستورًا وقانونًا وعرفًا إلا أن هناك جهودًا كثيرةً لتعويق دور الأزهر ، ورغم كل هذا فإن هناك صمودًا عجيبًا جدًّا من رجاله الذين يتمتعون بروح قتالية وروحانيات عالية، بالإضافة إلى وجود الكثير من المتعاطفين معهم من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، وكل هذا يؤكد أن الأزهر رغم كل شيء سيظل صامدًا وراسخًا.
حرب

- هذه المحاولات المتكررة لتحجيم دور الأزهر مَن يقف خلفَها؟
- إذا تحدثنا عن مَن يقف قد نختلف، ولكن إذا قلنا ما هي ظواهر هذا الحصار نتفق على أن هناك يدًا تعمل لتعويق الأزهر وتحاول أن تحُول دون قيامِه بدوره على الوجه الأمثل، ومظاهر هذا عديدةٌ، أولها مصادَرَة أوقاف الأزهر ، والقضاء على استقلاله المالي والاقتصادي!! وفي الوقت الذي حصلت فيه الكنيسة مؤخرًا على الأوقاف الخاصة بها فإن الأزهر لم يحدث معه الشيء نفسه، وعلى الشعب في هذه الحالة أن يطالب بدأب شديد بحقوق الأزهر ، فالمسئولون عنه في نهاية الأمر هم مجموعةٌ من الموظفين؛ حتى إن شيخ الأزهر يقول أنا موظف!! وعادةُ أي موظف أنه يحرص على ألا يعادي الحكومة، وبالتالي فإن التعويق الاقتصادي الجاري اليوم هو أمرٌ مقصودٌ؛ حيث إن ما فعلته حكومة الثورة هو أن وضعت يدَها على الأوقاف، وفي الوقت نفسه فإن المخصصات المالية للأزهر في ميزانية الدولة تزداد سوءًا وتقلصًا من عام لآخر حتى وصلت حاليًا إلى وضع مخزٍ للغاية، فعلى سبيل المثال تقدَّر ميزانية جامعة القاهرة بضِعف ميزانية جامعة الأزهر، بالرغم من أن عدد طلاب
- جامعة الأزهر ضِعف عدد طلاب جامعة القاهرة!!
- فما الذي يجعل ما يُخصَّص لجامعة الأزهر أقل من مثيلاتها من الجامعات الأخرى؟! لذا يجب أن يحدث تدخلٌ لإصلاح هذا الوضع من الجميع، خاصةً أن ما يجرى اليوم يؤكد أن الحكام والمسئولين في أغلب الدول العربية يتعرضون لضغوط خارجية شديدة؛ حتى إنهم أصبحوا اليوم لا يملكون قرارهم، فالسياسة الغربية- وخاصةً الأمريكية- تقوم على مبدأ النفعية، وفي هذا الإطار يجب أن نفهم أن هدف القروض الأمريكية الموجَّهة لمصر هو محاولة تحجيم دورها؛ ولذلك فإن الأمريكان تركوا كافة العواصم والمدن العربية والإسلامية وقاموا بإنشاء الجامعة الأمريكية في :القاهرة؛ لأنهم يدركون أن بها الأزهر الشريف.
- إذن الهجوم على الأزهر يأتي في ظل محاولة لتفريغ روح المقاومة لدى الناس!!
- المقاومة تنطلق دائمًا من فكر، وهم يريدون القضاء على الفكر للتخلص من المقاومة نفسها، فهم لم يكتفوا بحذف آيات الجهاد وتفسيرها من مناهج الأزهر، ولكن يسعَون حاليًا للتخلص من المتبقي، فالهدف هو القضاء على ثقافة، وإحلال ثقافة أخرى مغايرة محلها؛ ولذلك فإن قرار إلغاء المعاهد الأزهرية قرارٌ خطيرٌ جدًّا، وعندما قمنا بالطعن في القرار وقلنا إن مجلس المحافظين ليس مختصًّا بإصداره، وأن الأمر في هذا الشأن يجب أن يكون من صلاحية مجلس الشعب، ممثَّلاً في لجنة التعليم، والتي لم يدَّخر رئيسُها د. حسام بدراوي وقتًا ؛ حيث قال في تصريح نُشر في إحدى الصحف اليومية إنه مقدَّم إليه اقتراحٌ بإلغاء ازدوجية التعليم الديني، وبمعنى أدق إلغاء التعليم الديني ليبقى التعليم المدني وحدَه، ومعنى هذا أن المقصود الإجهاز على الأزهر كليةً وليس على المعاهد فقط، كما ذكر قرار مجلس المحافظين، والدلائل تشير إلى أن الهدف هو أن يصبح التعليم المدني وحدَه هو الموجود في الساحة.
- وكلمة ازدواجية التعليم هي كلمة حق يراد بها باطل؛ لأن المطلوب هو إلغاء ازدوجية التعليم الوطني/ الأجنبي؛ حتى يصبح التعليم كله وطنيًّا؛ لأن هناك المدارس الأجنبية تربي أبناءَنا على الولاء لغير الوطن، وهم يريدون أن يفعلوا كما فعلت تركيا التي ألغت من الدستور أن دين الدولة هو الإسلام، وقالت إنها دولةٌ مدنيةٌ علمانيةٌ، وأن التعليم بها طبقًا لهذا هو تعليم مدني فقط، أما في مصر فلا يقال هذا الكلام، وما يؤكد أن هناك نيةً سيئةً مبيَّتةً للأزهر أنَّ رئيسَ لجنة التعليم أعلن رأيَه صراحةً دون أن ينتظر رأي بقية أعضاء اللجنة، وبصراحة فإن هناك شيئًا يُبيَّت للأزهر واقترب الانتهاء منه، ولكنَّ الشعب المصري لا يمكن تجاهله؛ حيث سيظل إلى النهاية متمسكًا بالأزهر.
- وإذا كانوا قد تمكنوا من إلغاء التعليم الديني في اليمن فإن الأمر لن يسهل عليهم بالنسبةللأزهر الذي أقيم منذ أكثر من 1000 عام، حتى إن الدولة إلى اليوم ترتبط بالأزهر أشد ارتباط.
إهمال

- في المقابل هل يظل سيناريو إهمال وإضعاف الأزهر مستمرًّا؟!
- هذا الإهمال يرجع بالأساس إلى ضعف ميزانية الأزهر، ولكن في المقابل فإن علماء الأزهر ورجاله هم جميعًا من الصامدين الذين يستطيعون أن يعيشوا حتى في حالة انعدام الموارد المالية، وإذا كانت السلطة هي التي تأتي بشيخ الأزهر فإن الأزهر له القدرة على البقاء أيًّا كانت طبيعة الشيخ الذي يقوده، وعادةً يأتي شيخ الأزهر وهو مع الحكومة قلبًا وقالبًا وينتهي به الأمر بأن ينقلب عليها، وهو ما حدث مع شيخ :الأزهر ورفضه لقرار مجلس المحافظين؛ حتى إن وكيل العاهد الأزهرية قال إنه إذ تم إلغاء المعاهد الأزهرية فإنه لن يكون أمام شيخ الأزهر شيءٌ سوى أن يجلس في بيته!!
- وإجمالاً فإن الأزهر رغم الضعف المالي ثابت وراسخ ويفرز أفضل العقليات من الكليات الأزهرية، ففي مرحلة الماجيستير والدكتوراة بها الآلاف من الطلاب ذوي العقليات المتميزة؛ وذلك لأن الأزهري لا يتعلم العلم فقط ولكنه يعلم قبل هذا حب العلم والصمود؛ لأن أبناءَ الأزهر يشعرون بالحرب التي تُشن عليهم.
- وما هو دوركم في تلك المعركة؟
- بالنسبة للبرلمان قدمت استجوبَين أحدهما عام 2005م والآخر كان في العام الذي سبقه، وللأسف فإنه مع بداية كل عام دراسي يكون هناك ما هو أسوأ للأزهر، وآخر هذه المصائب القرار الخاص بإدخال اللغة الإنجليزية إلى الصف الأول الابتدائي، وهو ما يمكن أن يؤثر على تدريس القرآن الكريم وعلى اللغة العربية ويهمشهما بشكل كبير، فبعد أن كان للقرآن 18 حصةً في الصف الأول الابتدائي تقلَّص بعد إضافة الإنجليزى إلى 6 حصص فقط!!
- وهذا يأتي في ظل منظومة من القرارت الإدارية التي يُقصد منها أن يتم (تطفيش) الناس من الأزهر، وإضعاف مستوى خريجيه، وهذه الوسائل الحقيرة للغاية يقف خلفَها الغرب وأمريكا تحديدًا، وهذا الأسلوب لن يجديَ نفعًا؛ لأنك عندما تحارب شيئًا معينًا لدى شعب ما فإنه يزداد إصرارًا وتمسكًا بهذا الشيء، وإذا كان هناك نقصٌ في الإمكانات فإن الأهل يقومون بدور في مذاكرة أبنائهم وتحفيظهم القرآن.
مخاوف

- رغم التفاؤل يظل تخوُّف المحبين للأزهر قائمًا، خاصةً مع تراجع أعداد الملتحقين به نويًّا.. ما رأيكم في ذلك..؟!
- تراجُع أعداد الملتحقين بالمعاهد الابتدائية الأزهرية يرجع إلى رفع سن القبول بها من 5 إلى 6 سنوات، ثم عادوا وحددوا السن 5 سنوات و9 أشهر في الوقت الذي تقبل فيه وزارة التربية والتعليم 5 سنوات ونصف في حالة وجود أماكن شاغرة، وهو ما يعني أنه بعد أن كانت هناك ميزة نسبية للأزهر فيما يتعلق بسن القبول أصبحت حاليًا هذه الميزة موجودةً في وزارة التربية والتعليم، وهذه جريمةٌ أخرى من الجرائم العديدة التي تركتبها الحكومة في حق الأزهر؛ حتى إنه عند بداية تطبيق القرار تم إغلاق قرابة 170 فصلاً في 170 معهدًا، وكان يمكن أن يؤدي قرارٌ مثل هذا إلى القضاء على الأزهر تدريجيًّا.. لكن هذا الأمر لم يحدث لأن للأزهر مكانتَه في قلوب الناس، وهو ما جعله يجتاز محنةَ رفع سن القبول؛ حيث بدأت أعداد الملتحقين بالابتدائية الأزهرية في التزايد.
- البعض يقول إن تراجع دور (الكُتَّاب) أدى لضعف مستوى خريجي الأزهر.. فما مدى صحة ذلك؟
- الكتاتيب ما زالت تؤدي دورها، فهناك 7500 كتَّاب يشرف عليها الأزهر، وهناك نصف هذا العدد تقريبًا تشرف عليه وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى أنه يوجد 120 ألف كتَّاب أهلي تقريبًا لا يُشرف عليها أحد، وكل هذا الكتاتيب مستمرةٌ رغم أن الأزهر قام بإلغاء المساعدة المالية التي يقدمها للبعض منها وقدرُها 60 جنيهًا في الشهر لـ7700 كُتَّاب، وكل هذا راجعٌ إلى تمسك الشعب المصري بدينه وعاداته وتقاليده، ولو كان الأزهر في مكان آخر غير مصر لكان قد تم القضاء عليه بفعل الدسائس والمؤامرات منذ عدة سنوات.
تراجع
- ألا ترون أن هناك تراجعًا ملحوظًا في مستوى الخريجين، خاصةً في حفظ وقراءة القرآن الكريم؟
- نحن نظن أن هذا قد حدث مع تخفيض حصص القرآن، ولكن هناك نقطة أهم وهي أن أوائل ومتفوقي الأزهر عددهم كبير، خاصةً مع التوسع الكبير الحادث اليوم، فبعد أن كان الأزهر يتكون من 3 كليات فقط أصبح هناك اليوم 64 كليةً، ولو لم يكن الأزهريون يمارسون دورًا قويًّا ومؤثرًا في مجتمعهم فلماذا هذا الإصرار الأمريكي الفجّ على القضاء على الأزهر؟!
- البعض يشير إلى أن المناهج التعليمية الحالية والتدخلات ساهمت إلى حدٍّ ما في تفريغ الأزهر من مضمونه.. فما ردكم؟
- ما حدثَ بالنسبة للمناهج لم يمس سوى القشرة الخارجية ولكنه لم يصل أبدًا للأعماق، فالأزهر ما يزال حتى يومنا هذا يدرِّس التوحيد والتفسير والفقه والبلاغة، وما حدث أن بعض المناهج تم تقليصها حدث هذا على وجه التحديد على مستوى المعاهد.. أما على مستوى الجامعة فإن العلم الأزهري المعتدل ما يزال محافظًا على مكانته العالية، وإذا كان هناك ثمة تراجع في العلم فإن الكيف المتقن ما زال موجودًا، ولكن يجب الإشارة إلى أنه من غير المعقول أن نتوقع أن هذا العدد الكبير من طلاب الأزهر والذين يزيدون عن مليون طالب سيصبحون جميعًا علماء، فالعالم شخصٌ يتمتع بمواصفات خاصة، وربنا يقول: ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران: 120).
استهداف
- الأزهر معروف على امتداد تاريخه بالاعتدال فلماذا تصر أمريكا على استهدافه؟
- الأزهر يدرس كل المذاهب الفقهية الإسلامية ولا يتحمس لمذهب دون غيره، وهي ميزه لا توجد في أية دولة عربية أو إسلامية أخرى، فالأزهر هو أساس الاعتدال، وما يجري اليوم أن أمريكا تزعم أنها تحارب الإرهاب ولكن الواقع أنها تحارب الإسلام.
- في خضم كل هذا لم نعد نرى أثرًا لدور الأزهر العربي والإسلامي.. فهل بدأ هذا الدور في التلاشي؟
- دور الأزهر العربي والإسلامي ما زال موجودًا، فهناك مدينة البعوث التي يوجد بها الطلاب من كافة أرجاء العالم الإسلامي، وهو ما يؤكد أن دور الأزهر العربي والإسلامي لم ينحسر، أما بالنسبة لظهور جامعة إسلامية أخرى في باكستان والسعودية والمغرب وقيامها بلعب دور فإنه أمرٌ جيِّدٌ ولا يمكن أن يؤثر على الأزهر بأي حال من الأحوال؛ لأن له من الخصوصية ما يميزه عن غيره، وأظن أن محاولتهم استهداف الأزهر اليوم هي نوعٌ من الحماقة؛ لأنهم يستهدفون الأزهر وهو في أشد قوته وعنفوانه، فهناك 64 كليةً بها عدد ضخم من الأساتذة والطلاب بخلاف طلاب المعاهد.
المصدر
- مقال:لبن: محاولات لإلغاء الأزهر لتنفرد الجامعة الأمريكية بالساحةإخوان أون لاين