لا .. لست عضوا في مكتب الإرشاد .. ولكن !
بقلم د.حسن نافعه
أتلقي كل يوم عدة مكالمات هاتفية من صحفيين يعملون في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة للتعليق علي أحداث محلية وإقليمية ودولية جارية. ورغم ضيق الوقت وكثرة الانشغالات، وسوء اختيار بعض الصحفيين أحيانا القضايا أو التوقيت، فإنني عادة ما أرد علي مكالماتهم، مقتضبة أو مطولة، حسب الأحوال، خصوصا أن لي معرفة مباشرة بالعديد منهم إما بحكم دراساتهم السابقة وطبيعة تخصصاتهم أو نوعية نشاطاتهم وخبراتهم.
ومنذ أيام تلقيت مكالمة من أحد الصحفيين في "المصري اليوم" يستفسر فيها إذا كنت قد قمت مؤخرا بزيارة فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين في مقر الجماعة بالمنيل، وذكر لي تاريخ المقابلة وموعدها بالضبط، وبعد أن أكدت له صحة الخبر سألني عن سبب المقابلة وما دار فيها، فأجبته بأنني لا أعتقد أن في هذه المقابلة ما يمكن أن يثير اهتمام أحد أو شهية الصحافة
وسألته مداعبا، عما إذا كان طرف ما قد كلفه باستجوابي فرد قائلا بنبرة تشي بالجدية إن لديه معلومات تفيد بأن الجماعة قررت ضمي إليها عضوا في مكتب الإرشاد. ولأنني اعتبرت أن الموضوع ربما يكون مجرد دعابة سخيفة فقد أجبته باقتضاب نافيا صحة معلوماته وعاتبا عليه مجرد طرح السؤال، لأنه إن دل علي شيء فإنما يدل علي أنه لا يتابع ما أكتب بدقة.
ولأنني لم أعر الموضوع أي اهتمام، رغم استغرابي له، فقد نسيت سريعا ما دار في هذه المكالمة التليفونية، غير أنني فوجئت في اليوم التالي باتصال آخر جاء هذه المرة من صحفي في "الدستور" مكررا السؤال نفسه مع اختلاف طفيف، وهو أن المعلومات التي لديه تفيد بأن الجماعة تفاوضني لكي أعمل مستشارا باللجنة السياسية التابعة لمكتب الإرشاد، أو شيء من هذا القبيل!، هنا وجدت لزاما علي أن آخذ الموضوع بقدر أكبر من الجدية وأن أشرح للصحفي بقدر أكبر من التفصيل ظروف الزيارة وملابساتها،
مؤكدا أنها ليست الزيارة الأولي وآمل، لو كان في العمر بقية، ألا تكون الأخيرة، ومن بين ما قلته له أنني أحمد الله أنني أملك من الشجاعة ما يكفي لكي أعلن انضمامي لجماعة الإخوان المسلمين "المحظورة" ذات المقاعد الثمانية والثمانين في مجلس الشعب، لو كان ذلك قد حدث، بل أن أفخر علنا وعلي رؤوس الأشهاد بانضمامي لهذه الجماعة التي أكن لعدد من رموزها المعروفين كل الاحترام والتقدير، وأري فيهم كوادر سياسية وطنية مخلصة علي قدر كبير من الوعي والنضج السياسي والتفاني في العمل والقدرة علي العطاء!.
لا أعرف بالضبط ما أهمية وقيمة خبر قيام مواطن مثلي بزيارة لمرشد الجماعة في وضح النهار، وفي مكتبه بالمقر الرسمي للجماعة، وهو مقر معروف لكل المواطنين والأجهزة ومصرح به رسميا فيما أعلم، ولا من الذي اهتم بنقل الخبر إلي بعض الصحف أو الدافع وراء القيام بذلك
ولأنني لا أستبعد أن يكون الذي نقل الخبر صحفياً آخر أو مواطناً يعرفه تصادف تواجده في مقر الجماعة في ذات الوقت، وهو فيما أعلم مكان عام مفتوح للجميع تمارس فيه أنشطة مشروعة ومحترمة يقرها الدستور لكل المواطنين، وليس وكرا لا سمح الله تمارس فيه الرذيلة أو الموبقات والمفاسد، فإنني لم أتوقف كثيرا عند المصدر الذي نقل الخبر، خصوصا أنه غير صحيح ومدسوس،
كذلك فإنني لم أفترض بالضرورة أن مصدر الخبر جهة أمنية، كما يجنح الكثيرون للاعتقاد في مثل هذه الحالات. غير أن ما أثار فضولي أمران: الأول، درجة الاهتمام بخبر يفترض أن يكون عاديا جدا، خصوصا أنه سبق لي زيارة مقر الجماعة أكثر من مرة، التقيت خلالها المرشد العام وغيره من القيادات الإخوانية بصحبة أصدقاء كثيرين من أمثال: الدكتور يحيي الجمل والدكتور نادر الفرجاني والدكتور عمرو الشبكي وغيرهم.
الأمر الثاني: التأويلات التي أعطيت للزيارة، والمختلقة من أساسها،ورغم أنني لم أستبعد أيضا للوهلة الأولي أن يكون مصدرها أفراداً حسني النية ممن يدعون العلم ببواطن الأمور علي الطريقة "الفهلوية" المعروفة عند البعض منا، فإن وصول خبر صحيح مصحوب بنفس التأويلات الزائفة إلي اثنين يعملان في صحيفتين كبيرتين تطوعا بالاتصال بي مستفسرين في يومين متتاليين، كان أمرا لافتا النظر، ولا أظن أنه كان مجرد مصادفة.
وبصرف النظر عما إذا كان الاهتمام المبالغ فيه بخبر لا يستحق الاهتمام في تقديري هو مجرد مصادفة وتوارد خواطر أم لا، وبصرف النظر أيضا عما إذا كانت التفسيرات التي أعطيت له مدسوسة عن عمد أم مجرد فهلوة مسيئة عن غير قصد، فإن الموضوع يستحق التوقف عنده علي أي حال لسببين:
الأول: نظرتنا الخاطئة لأحزابنا وقوانا السياسية، فلدينا ميل شبه غريزي للاعتقاد بأن جميع هذه الأحزاب والقوي السياسية، فيما عدا الحزب الحاكم طبعا، هي جزر معزولة ونواد مغلقة علي أصحابها، لا يدخلها، أو لا يتعين أن يدخلها، إلا من يحملون بطاقة عضويتها، وأن زيارة أي "أجنبي" لها تحتاج إلي تصريح بالدخول
وبالتالي لا بد أن تكون أسبابها معلومة مسبقا للجميع، خاصة للصحفيين ورجال الأمن، وإلا تحولت إلي أمر يثير الريبة، لابد أن يكون وراءه بالضرورة صفقة، أو مؤامرة، أو تواطؤ من نوع ما، أو نوع من المكر والعمل السيئ أو يمثل، في أحسن الأحوال شيئا مهما وخطيرا تتوقف عليه مصائر البلاد والعباد،
وأظن أنه آن الأوان أن نتخلص من هذه النظرة غير المستقيمة للأمور، وهي نظرة غالبا ما يروج لها الحزب الحاكم عن عمد لرغبته في الإبقاء علي الأحزاب الأخري جزرا معزولة ونوادي مغلقة وخنادق تطلق منها النيران، وليس ساحة للحوار وتبادل الرأي ووجهات النظر. أما هو، أي الحزب الحاكم، فمن الطبيعي أن يدخل إليه الناس ويخرجون منه، قضاء لمصلحة أوحاجة، والتماسا لرأي أو نصيحة. وتلك شيمة نظم شمولية تنظر إلي التعددية الحزبية حين تضطر إليها مجرد ديكور أو حلية تتجمل بها أمام العالم الخارجي، وليست حقا للمواطنين وسبيلا يلتمسون به تنظيم أمور حياتهم، وأدوات تعينهم علي المشاركة في إدارة شؤونهم.
الأمر الثاني: نظرتنا الخاطئة للمستقلين. فنحن نميل ميلا غريزيا أيضا لتصنيف كل ممارس للعمل العام، ونضعه في قالب تنظيمي أو فكري وأيديولوجي معين. فعندما نحدد هوية الممارسين للعمل العام نميل عادة إلي تصنيفهم تنظيميا، إما نسبة إلي حزب قائم أو إلي حزب تحت التأسيس، متناسين أن الحزب الحاكم في مصر هو المتحكم في تشكيل كل الأحزاب الأخري،
وأنه يملك وحده منح أو منع التصريح لهذا الحزب أو ذاك، وأن الأحزاب المصرح بها حتي الآن وتلك التي لاتزال تحت التأسيس بعيدة تماما عن التعبير عن مجمل القوي والجماعات التي يموج بها المجتمع المصري، وهو ما يفسر عزوف الكثيرين عن ممارسة العمل العام تحت راية أي من الأحزاب القائمة، أو تحّمل مشقة وعناء الإقدام علي تأسيس أحزاب جديدة، وتفضيل العمل تحت راية أو شعار "الاستقلال".
وعندما نحدد الهوية الأيديولوجية والفكرية لهؤلاء الممارسين للعمل العام نميل إلي تصنيفهم إما إلي إسلاميين أو قوميين أو ليبراليين أو اشتراكيين، متناسين أن لكل من هذه التيارات العريضة روافد كثيرة تغذيه أو تتفرع عنه، وأن حالة الاحتقان وانسداد قنوات التعبير هي التي تحول دون تعرفنا علي كل ألوان الطيف والظلال التي تموج بها أي حياة فكرية طبيعية، وأن هذا الانسداد هو الذي يفسر أيضا تفضيل الكثيرين العمل كمستقلين.
لقد سبق لي أن أشرت أكثر مرة وفي مقالات متعددة إلي أنني أكن احتراما كبيرا للممارسين للعمل العام من خلال الأحزاب القائمة وتربطني علاقات صداقة، أعتز بها، مع العديد من قياداتها، كما أكن احتراما كبيرا لكل الشخصيات العامة التي حملت عناء تأسيس أحزاب جديدة وتربطني بالعديد منهم علاقات صداقة أعتز بها كذلك، بل شاركت بالفكر والجهد في التمهيد لقيام بعض هذه الأحزاب والحركات السياسية الجديدة، تشجيعا لها وإيمانا بدورها.
ومع ذلك فجميع الأصدقاء يعلمون شدة حرصي علي استقلالي الفكري والتنظيمي وعدم ميلي للانخراط في أي أحزاب سياسية. كما يعلمون أيضا قناعتي التامة بعدم قدرة أي من الأحزاب القائمة، أو المزمع قيامها في المستقبل، علي إيجاد مخرج لمصر من أزمتها الراهنة، وأن الحل الوحيد المتاح هو تكاتف ووحدة كل القوي الراغبة في التغيير
وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القوي السياسية غير المنظمة أو غير المصرح بها، للاتفاق علي قواعد جديدة لإدارة اللعبة السياسية بما يسمح بإقامة نظام سياسي يتسع للجميع لا يستبعد أحدا باستثناء هؤلاء الذين لايرون سوي العنف والقوة المسلحة سبيلا للتغيير.
تجدر الإشارة إلي أن هذا الإيمان هو الذي دفعني للمشاركة في تأسيس "التجمع الوطني من أجل التحول الديمقراطي"، وهو كما يتضح من عنوانه ليس حزبا أو جماعة فكرية وأيديولوجية، وإنما أقرب ما يكون إلي صرخة أردنا لها أن توقظ أمة رأي المؤسسون أنها في خطر، ودعوة لكل أبنائها المخلصين بمن فيهم الإخوان بأن يتوحدوا من أجل إنقاذها،
ولذلك ركز هذا التجمع الجديد نشاطه علي توحيد كل القوي والتنسيق فيما بينها فيما عرف بجبهة التغيير، وفي تقديري أن هذا الهدف النبيل يستحق أن نتحمل من أجله رزالات البعض ممن يتصورون أن الانضمام إلي الإخوان المسلمين "عورة" تستوجب الستر أو إثم يستوجب طلب الصفح والمغفرة، لا أيها السادة: لم أنضم للجماعة، لكن الانضمام للجماعة ليس عورة تستوجب الستر، أو إثما يتطلب المغفرة، لكنه ببساطة شرف لا ندعيه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى أله وصحبه أجمعين
والله أكبر ولله الحمد
المصدر
- مقال: لا .. لست عضوا في مكتب الإرشاد .. ولكن ! موقع إخوان برس