كتب الله: ليشقين الغاصب بما غصب

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
كتب الله: ليشقين الغاصب بما غصب

28-06-2014

بقلم: عامر شماخ

من إملاء الله للظالمين أنهم ينسونه فلا يذكرونه، بل ينسون أنفسهم فلا يعملون لما بعد الموت، ويخرجون من عداد الأكياس إلى قطعان الحمقى الذين يتبعون أنفسهم هواها ويتمنون على الله الأمانى.

والله -عز وجل- لم يخلقنا عبثًا، إنما خلقنا لغاية عظيمة، هى عبادته وإطاعة أمره، وقد كفل لنا الرزق والحياة التى تليق بذلك المخلوق الذى كرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وقد ألان له الحديد، وحمله على الماء، وسخر له الجبال والدواب، وأمطر له السماء، وأنبت له الأرض، وآتاه من كل ما سأل، وأعطاه نعمًا لا تعد ولا تحصى..

فهل شكر الإنسان ربه؟!، وهل عمل بمقدار هذا الإحسان؟!. لا شك أن هناك عبادًا فطنًا، عرفوا حق الله فأدوا ما عليهم، وقدموا لأنفسهم الخير طمعًا فى أن يجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا، وهناك إمعات، وهم كثر، ظنوا أنفسهم شيئًا مذكورًا فى ملك الله، فطغوا وبغوا، وقالوا بلسان فرعون: ما علمت لكم من إله غيرى!!، .

وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، وبلسان قارون: إنما أوتيته على علم عندى، وبلسان صاحب الجنتين: ما أظن أن تبيد هذه أبدًا ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرًا منها منقلبًا.. حمقًا وغرورًا، وفساد وعقل وعمى بصيرة.

أقول هذا ردًا على تساؤل بعض الناس: لقد فعل الانقلابيون ما فعلوا؛ من قتل وتعذيب وسرقة وإرهاب ورغم ذلك فإنهم لا يزالون فى طغيانهم سادرين، فأين دعاء الداعين ونداء المضطرين وإلحاح الساجدين؟!

أقول: إننا لسنا بدعًا من الأمم، وإذا كان أنبياء الله تعالى هم المصطفين الأخيار، فإنهم -على هذه المكانة- قد تعرضوا للفتن وذاقوا العذاب ألونًا، ورفعوا -جميعًا- أكفهم بالضراعة إلى الله كى ينجيهم من الظالمين، والقرآن حافل بقصص هؤلاء الكرام مع أقوامهم المجرمين، الذين لم يسمعوا نداءاتهم المتكررة وتذكيرهم الله الذى لا إله غيره، فسخروا منهم وطردوهم من قراهم وسجنوهم كما فعلوا بيوسف، بل حرقوهم كما فعلوا بإبراهيم، وقتلوهم كما فعلوا بأنبياء بنى إسرائيل.

ولو شاء الله لانتصر من هؤلاء الأوغاد، ولكن -لصالح الناس- يبلو الله العباد، بالخير والشر فتنة، فمن نجح فى الاختبار فله الرضا، ومن يرَض الله عنه فقد نصره فى الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ومن لم ينجح فله السخط، ومن يسخط الله عليه يذيقه كأس الذل والهوان.. ومعلوم أن النجاح فى هذه الاختبارات يقوم على مقاييس: الإخلاص والتقوى والصبر، {مّن يّتَّقٌ $ّيّصًبٌرً فّإنَّ پلَّهّ لا يٍضٌيعٍ أّجًرّ پًمٍحًسٌنٌينّ} [يوسف: ].

وفى المقابل فإن الله لا يترك الظالمين وما فعلوا، بل لا بد أنهم ذائقو العذاب فى الدنيا، وسيكون الجزاء من جنس العمل، فإن الله كتب: ليشقين الغاصب بما غصب، أما متى يقع هذا الجزاء، فهذا فى ناموس الله وهو الذى يعلم السر وأخفى، يعلم ما يصلح العباد وما يضرهم، لكنه -أبدًا- لا يرضى لعباده الظلم، ولا يقبل أن تقع سيئة فلا ينتقم لصاحبها {$ّجّزّاءٍ سّيٌَئّةُ سّيٌَئّةِ مٌَثًلٍهّا فّمّنً عّفّا $ّأّصًلّحّ فّأّجًرٍهٍ عّلّى پلَّهٌ إنَّهٍ لا يٍحٌبٍَ پظَّالٌمٌينّ} [الشورى:40].

لن يفلت - والله- أحد من ذنب فعله أو من جريمة ارتكبها فى حق غيره، ولن يصلح الله عمل مفسد قاتل، ولن يبارك فى ملك من انتهكوا الأعراض وسجنوا الصالحين وضيقوا على الدعاة الموحدين {$ّتٌلًكّ پًقٍرّى" أّهًلّكًنّاهٍمً لّمَّا ظّلّمٍوا $ّجّعّلًنّا لٌمّهًلٌكٌهٌم مَّوًعٌدْا} [الكهف: 59]، إلا أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه ويقروا بما فعلوا {$ّلّمّنٌ \نتّصّرّ بّعًدّ ظٍلًمٌهٌ فّأٍوًلّئٌكّ مّا عّلّيًهٌم مٌَن سّبٌيلُ <41> إنَّمّا پسَّبٌيلٍ عّلّى پَّذٌينّ يّظًلٌمٍونّ پنَّاسّ $ّيّبًغٍونّ فٌي الأّرًضٌ بٌغّيًرٌ پًحّقٌَ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمً عّذّابِ أّلٌيمِ} [الشورى: 41، 42]، يقول ابن مسعود: «لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه»، وهذا ما جعل قوم يونس استثناء من بين أقوام الأنبياء، بعدما تابوا إلى الله واستغفروه، وندموا على ما فعلوا بنبيهم الكريم.

ليثق الأحرار فى حول الله وقدرته، ولا ييأسوا من روحه، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وليعلموا أن ما يفعلونه لمواجهة الظالمين واجب وفرض، لكن ليس شرطًا أن يكون ذلك سبب النصر وذهاب الأحزاب، فإن الله جعل لكل شىء قدرًا، وقد أجلى المشركين بالريح رغم إعداد المجاهدين العدة وحملهم السلاح، وقد أتى اليهود من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب، وقد نصر المؤمنين فى بدر وهم قلة أذلة ذهبوا للعير فهيأ لهم النفير..

هذه دروس تربوية واقعية لمن غاب عنه وعد الله فى المجرمين {فّكٍلاَْ أّخّذًنّا بٌذّنًبٌهٌ فّمٌنًهٍم مَّنً أّرًسّلًنّا عّلّيًهٌ حّاصٌبْا $ّمٌنًهٍم مَّنً أّخّذّتًهٍ پصَّيًحّةٍ $ّمٌنًهٍم مَّنً خّسّفًنّا بٌهٌ الأّرًضّ $ّمٌنًهٍم مَّنً أّغًرّقًنّا $ّمّا كّانّ پلَّهٍ لٌيّظًلٌمّهٍمً $ّلّكٌن كّانٍوا أّنفٍسّهٍمً يّظًلٌمٍونّ} [العنكبوت: 40].

المصدر