قطب العربي يكتب: الدستور الطائفي.. انتصار الكنيسة وحلفائها وهزيمة الأزهر والنور
بتاريخ : الجمعة 06 ديسمبر 2013
تتحرك سلطة الانقلاب بوتيرة متسارعة لتمرير دستورها بأى طريقة حتى لو اقتضى الأمر حشد ضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة وأسرهم للتصويت لستر عورة الغياب الشعبى المتوقع عن اللجان.
وبينما كانت لجنة المخمسين تسابق الزمن لتمرير النصوص -رغم انتهاء مدتها المقررة سلقا- كانت جموع الطلاب تحتشد فى ميدان التحرير للمرة الأولى بكثافة كبيرة (سبق أن وصلت بعض الأعداد القليلة من قبل مرتين).
وكان اقتحام الطلاب للتحرير انتصارا فى حد ذاته بعد أن اعتبرته سلطة الاحتلال قدس أقداسها والتى لا تسمح لأنصار الشرعية بدخوله مهما كلف ذلك من ثمن، كما كان هذا الاقتحام دهسا لما يوصف بالدستور الجديد قبل أن يعرض على الاستفتاء الوهمى.
ومع التأكيد على رفض هذه الوثيقة من حيث المبدأ، كونها أحد إفرازات الانقلاب على الشرعية، وعلى الإرادة الشعبية التى أقرت من قبل دستور 2012 بأغلبية تقارب الثلثين، ومع الإدراك لخطورة الانجرار إلى أحاديث تفصيلية فى نصوص هذه الوثيقة غير الشرعية.
فإننى أسمح لنفسى بإطلالة سريعة على بعض نصوصها التى تكشف إلى أين وصلت مصر فى عهد الانقلابيين بطمس هويتها العربية الإسلامية التى أكدها الدستور الشرعى.
وشارك فى صياغتها كل ممثلى المجتمع بمن فيهم القوى الليبرالية واليسارية والمسيحية قبل انسحابهم من الجمعية التأسيسية للدستور الشرعى.
لقد جاء المنتج النهائى للجنة المخمسين ليؤكد الانتصار التاريخى لممثلى الكنائس المصرية وحلفائهم العلمانيين الذين مثلوا الغالبية الكاسحة لأعضاء اللجنة فى مواجهة هزيمة مروعة لممثلى الأزهر وحزب النور الذين ظلوا سندا للانقلاب حتى اللحظة، ولم يتمعر وجه أحدهم لحذف الكثير من مواد الهوية والشريعة التى لم ينضموا إلى اللجنة إلا لحمايتها إن لم يكن تعزيزها!!.
دخل ممثلو الكنائس وحلفاؤهم العلمانيون إلى هذه العملية بقناعة لا تحتمل الشكوك أنهم هم الذين نزلوا يوم 30 يونيو ومهدوا لهذا الانقلاب العسكرى، ومن ثم فمن حقهم وحدهم أن يجنوا ثمار جهدهم، وهو ما ظهر فعلا فى روح ونصوص المسودة الأخيرة التى أقرتها لجنة الخمسين وقبل ذلك فى الديباجة التى أحلت ما وصفته بثورة 25 يناير-30 يونيو بدلا من ثورة 25 يناير فقط.
وبينما سادت البهجة الكنائس المصرية والبارات العلمانية، كان غريبا أن يعلن المتحدث الإعلامى باسم حزب النور عن موافقة ورضا الحزب عن مشروع الدستور فى مجمله، ويؤكد أن مواده التى تم الاتفاق عليها ترضى الحزب فى مجملها، كما أنها ترضى التوافق العام الذى ساد لجنة الخمسين بعد الاتفاق على المواد المختلف عليها فى مواد الهوية وغيرها!!!.
فى الوقت الذى تهاوت فيه مواد الهوية والشريعة الواحدة تلو الأخرى بضغوط القوى العلمانية والكنسية، راح ممثلو تلك القوى يسجلون المكاسب تلو المكاسب حتى اللحظة الأخيرة لإقرار المواد فى الجلسة العامة والتى أرجأت التصويت على بعض المواد انتظارا لتعديلها وفقا لهوى تلك القوى؛ كما حدث فى إضافة نصين جديدين فى آخر لحظة أحدهما (المادة 235) التى تفرض على مجلس النواب فى أول دور انعقاد له إصدار قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية، وهو طلب أصرت عليه الكنيسة كثيرا ولم تقبل فيه أى شفاعة حتى تمكنت من تحقيقه فى اللحظة الأخيرة.
المكسب الثانى الذى حققته الكنيسة فى آخر لحظة أيضا هو الحصول على تمييز إيجابى للمسيحيين فى أول انتخابات لمجلس النواب مع فئات أخرى (المادة 244) وهو نص جرى حوله نقاش واسع فى الجلسات الفرعية والعامة وخرجت المسودة النهائية دونه، لكن ممثلى الكنيسة أصروا على وضعه فى الثوانى الأخيرة.
لا يقتصر الأمر على هذين النصين اللذين اختطفهما ممثلو الكنائس فى الثوانى الأخيرة، ولكنهم حققوا العديد من المكاسب من قبل وأهمها إلغاء المادة 219 المفسرة للشريعة الإسلامية.
والتى كانت أم القضايا لحزب النور سواء فى الجمعية التأسيسية السابقة أو فى لجنة الخمسين والتى أعلن الحزب أن مشاركته فى الانقلاب هى لحماية هذه المادة تحديدا.
إضافة لغيرها من مواد الهوية، والغريب أن حزب النور الذى كان يعتبر هذه المادة مقدسة من قبل لم يعتبرها كذلك (حسب تصريحات ياسر برهامى) بعد انسحاقه أمام العلمانيين وممثلى الكنيسة، بل قبل ما هو أسوأ وهو تفسير المحكمة الدستورية للشريعة وهو التفسير الذى يحشر الشريعة فى أضيق نطاق، وهو ذاته التفسير الذى دفع حزب النور من قبل لاقتراح المادة 219 التى شاركه فى صياغتها الأزهر.
وللتذكير فإن الكنيسة المصرية قبلت من قبل خلال الجمعية التأسيسية لوضع دستور 2012 ومن خلال ممثلها الأبرز الأنبا بولا الذى يمثلها أيضا فى لجنة الخمسين، المادة 219، وذلك مقابل وضع مادة خاصة بالمسيحيين واليهود وهى المادة الثالثة من دستور 2012 "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية"، ورغم حذف المادة 219 الطرف الأول فى تلك الصفقة إلا أن المادة الثالثة نقلت وبرقمها إلى الوثيقة الجديدة بفضل إصرار ممثلى الكنيسة، وكان ينبغى أن تلغى مع المادة 219.
وكان الضلع الثالث المكمل للمادتين السابقتين هى المادة الرابعة الخاصة بالأزهر والتى تم تفريغها من جزء كبير من مضمونها خاصة أخذ رأى هيئة كبار العلماء فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
كما تراجعت المادة فى ترتيبها إلى رقم 7 وتم نقلها من الباب الأول الخاص بالدولة إلى الباب الثانى الخاص بالمقومات دون اعتراض من ممثلى الأزهر الذين بدا بعضهم أكثر علمانية من العلمانيين التقليديين.
لقد كانت بداية التغيير فى الهوية من المادة الأولى التى تنص فى الدستور الشرعى على أن "جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة...
والشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية..." ليأتى المقترح الجديد ناصا على أن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية منكرا وجود أمة إسلامية (ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى أكثر من موضع) مكتفيا بوصفها بالعالم الإسلامى.
وقد تكرر العدوان على الهوية فى المادة السادسة التى تنص فى الدستور الشرعى على "يقوم النظام السياسى على مبادئ الديمقراطية والشورى والمواطنة...
ولا يجوز قيام أحزاب على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الدين" لتلغى فى المسودة الجديدة كلمة الشورى التى لا تروق للعلمانيين وممثلى الكنيسة والتى لم يستطع الدفاع عنها ممثلو الأزهر وحزب النور.
ثم يأتى النص الجديد الخاص بتكوين الأحزاب فى المادة 74 ليمنع قيام الأحزاب على أساس دينى كما كان الوضع فى دستور 1971 ومن ثم يفتح الباب لحل الأحزاب الإسلامية بما فيها حزب النور نفسه الذى شارك فى صياغة هذه الوثيقة.
لم يقتصر الأمر على حذف بعض الفقرات أو الكلمات بل تعداه إلى حذف نصوص بأكملها دون تعويضها بنصوص بديلة.
فقد حذفت المادة 11 من الدستور الشرعى ونصها "ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية والثقافة العربية والتراث التاريخى والحضارى للشعب.." .
والمادة 12 ونصها "تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف" والمادة 204 الخاصة بالمفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.
والمادة 212 الخاصة بإنشاء هيئة عليا لشئون الوقف تقوم على تنظيم مؤسساته العامة والخاصة وإن أبقت الوثيقة الجديدة على مادة الوقف نفسها.
كان واضحا أن الهدف الأساسى للانقلابيين أعضاء لجنة الخمسين هو طمس هوية مصر الحضارية العربية الإسلامية ليحلوا محلها هوية "مسخ" "سمك لبن تمر هندى" على شاكلتهم.
وكانت الفرصة متاحة أمام ممثلى حزب النور والأزهر حتى آخر لحظة للانسحاب وتبرئة أنفسهم من تلك الفعلة، لكنهم أبوا إلا البقاء حتى آخر ثانية، وحسابهم أمام الله فى الآخرة وأمام الشعب فى الدنيا.
المصدر
- مقال:قطب العربي يكتب: الدستور الطائفي.. انتصار الكنيسة وحلفائها وهزيمة الأزهر والنور موقع: إخوان الدقهلية