قالب:رن جرس الهاتف

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

رن جرس الهاتف


رن جرس الهاتف في منزل المهندس أحمد فأسرعت أمه بالرد على الهاتف ثم نادت على إبنها :–

تليفون.gif

- أسرع يا أحمد

-من بالهاتف؟

-المشفى

-حسناً.....

-أخذ أحمد السماعة من أمه...

-المهندس أحمد

-نعم تفضل..

-يريد الدكتور رؤيتك مساء غد إذا أمكن .

-ماذا هناك؟

-شيء بسيط بخصوص الدم الذي تبرعت به قبل أسبوع .

في الطريق إلى المشفى أخذ يتسائل ما الذي دفع الطبيب إلي استدعائه ؟ماذا وجد في دمه ؟ أخذت الخواطر تتدافع إلي مخيلته, هل هو مصاب بالسكر ؟.. السكر ليس موجوداً في عائلته ... قد يكون لسبباً آخر غير الوراثة ... ربما هو التهاب في الكبد ... لا ربما أرادوا منه أن يتبرع مرة آخري ...فقد أخبره الطبيب بأن فصيلته نادرة ...نعم قد يكون هذا هو السبب ... تشاغل بقيادة السيارة والنظر إلى معالم المدينة المحيطة بطريقه حتى وصل إلى المشفى، وهناك تشاغل بتصفح رسائل هاتفه المحمول حتى ينتهى الموظف من إجراء بعض المكالمات, قلب بصره في أرجاء المكان ... بهوٌ كبير إصطفت على إحدى جوانبه كراسي للجلوس وفي الجانب الآخر منضدة طويلة يقف خلفها موظف الاستقبال وعليها بعض الملفات والأوراق... مهلاً ما هذا على الطاولة ...نعم إنه ملف يحمل اسمه وعامل الاستقبال يعبث بقلم الرصاص صانعاً دوائر حول كلمة إنجليزية كتبت بقلم الرصاص بحروف كبيرة ... لماذا لا يبعد العامل القلم قليلاً حتى يتمكن من رؤيتها ... مستحيل ... غير ممكن ... أرتد صعقاً بضع خطوات وتهاوى علي أحد الكراسي ,لا يمكن أن يكون هذا حقيقياً ...نهض مرة أخرى وتوجه نحو الموظف وقرأ الكلمة مرة أخرى ثم اندفع مهرولاً إلي خارج المشفى ونداء الموظف يلاحقه : يا أستاذ ... يا أستاذ .

أنطلق نحو سيارته وسط صياح السائقين وأبواق سيارتهم بعد أن كادت إحداها تدهسه ولكنه لم ينتبه لكل ذلك فقط ظل يردد في نفسه (HIV) لا يمكن مستحيل ... مستحيل .

دخل المنزل مسرعاً وصعد إلى غرفته دون أن يلقي التحية علي أحد ... أغلق الباب خلفه وأخذ يدور في الغرفة علي غير هدى جيئة وذهاباً...طرقات علي الباب ... تتكرر الطرقات ... يرد بعصبية : من ... ؟

-أنا أمك ... الغداء جاهز نحن في انتظارك ...

- ليس الآن أمي ليس الآن ...

- ماذا بك يابني؟ ...

-لاشيء.

اندفعت عشرات الأفكار والخواطر والأصوات إلي ذهنه دفعة واحدة ... أخذت تتردد في ذهنه مستحيل ... مستحيل ... ماذا ؟... وكيف ؟... ولماذا ومتى أصيب بهذا المرض ؟... هل هي أداة حادة استعملها ... لايمكن لطالما كان حريصاً في مثل هذه الأمور ... هل هي عملية نقل دم ملوث أجريت له ؟ ولكنه لم يتذكر شيئاً من هذا القبيل حتى أنه لم يستعمل درباً من قبل ولم ... آه إنها هي ، لابد أن تكون هي ... ولكنها كانت مرة واحدة ... نزوة عابرة لم تتجاوز مدتها عشر دقائق ... نكتة سوداء في ملفه الأبيض ... يومها أنساه الشيطان نفسه ونسلخ عنه رداء العفة الذي كان يكسوه ... وسقط ... أنزلق لأخره في بوتقة النشوة ... وتذوق منها صنوفاً أسكرته وأغرقته ... ولما أفاق من نوبة الغرق هجمت علي عقله مشاعر الندم التي آلمته ألماً شديداً إذ أحس بمدى قذارته عندما خان دينه وميثاقه مع نفسه ... بعدها أقسم ألا يعاود الخطأ ثانية ... أبداً ... ومهما كانت الظروف ... وكان ذلك ... كانت أول مرة وآخر مرة يفعل فيها ذلك ... ولكن هل يمكن لنزوة عابرة امتدت لعشر دقائق أن تفسد حياته بهذه الصورة ... أحس بحياته تتسرب من بين يديه ...

قضى ليلة من أسوء ليالي حياته ... لم يطرف له جفن فيها ... ترك نفسه فيها نهباً للهواجس والوساوس ، ماذا لو عرف أهله وأصدقاؤه وجيرانه ... ماذا عن خطيبته سعاد وأهلها ... ماذا لو عرفوا ...

راودت فكره العديد من الأفكار ... فكر الانتحار وتخيل نفسه مدلى بحبل من مروحة السقف ... تخيل نفسه وهو يسقط من سطح مبنى الشركة مقر عمله ... ولكنه خاف من فضيحة أهله ... فكر في التكتم علي الأمر ... أنتبه فجأة علي صوت الآذان يؤذن لصلاة الصبح وطرقات أبيه علي الباب ليوقظه للصلاة كما تعود ...

دخل في الصلاة علي غير وعي وانتهى منها دون أن يعقل منها شيئاً ...

جلس بعد الصلاة في المسجد يتمتم بالأذكار وذهنه شارد فيما ألم به وقد استقر فكره علي السفر ... جاء صديقه عمر وجلس بجانبه وسأله عما ألم به، فروى له ما حدث بعد تردد ، صدم عمر في البداية ولكن بعد برهة أستوعب الموقف وبدأ بالتخفيف عنه وإثنائه عن فكرة السفر وحدثه عن الصبر عند البلاء وحاول إقناعه بالرجوع إلى الطبيب لإجراء فحوصات تأكيدية ولكي يحصل علي قسط من الإرشاد النفسي يعينه علي بلواه ... في البداية أصر احمد علي السفر وأصر علي عمر أن يخبر أهله بعد أن يذهب ولكنه في نهاية الأمر وافق.

شرد عقل عمر وهو ينظر إلي صديقه بينما هم في الطريق إلي الطبيب عندما أحس بأنه وبدون شعور منه يتجنب لمس صاحبه، شرد ذهنه فيما سيؤول له حال صديقه . فإذا كان هو وهو أصدق أصدقاءه لم يستطع أن يدفع عن نفسه شيئاً من النفور تسرب إليها تجاه صديقه عندما علم بما حدث فماذا سيكون حال البقية من الناس ... أستمر عمر في شروده حتى أوقفه كلام الطبيب عندما بدأ بالقول : في الحقيقة تم للمريض الذي تبرعت له بالدم قبل أسبوع النجاة بعد أن كان علي شفير الهلاك وأراد أن يشكرك شخصياً وأصر علي ... قاطعه أحمد صائحاً ماذا عن الإيدز ؟... الطبيب ماذا به ؟... أحمد :أو لست مصاباً ؟ ... الطبيب :لا لست مصاباً ... أحمد: وماذا عن الملف ؟ .

أكتشف أحمد فيما بعد أن مسألة الإيدز كانت مجرد عبث من الموظف بقلم الرصاص علي الملف ليس إلا . عاش بعد ذلك أحمد وسعاد بعد أن تزوجا في ثبات ونبات لمدة ستة سنوات وخلفوا الكثير من الصبيان والبنات وكانت حياتهم خالية من المشاكل والمشاحنات عدا القليل من شغل الحموات .

هكذا انتهت القصة ولكن ماذا لو لم يكن الإيدز مجرد عبث من الموظف ....

ماذا لو كان مصاباً حقاً ... ما الذي كانت ستؤول إليه حياته ...

ماذا لو كنت أنت أحمد هذه القصة ...