غلاء الأسعار .. لماذا صمت الدعاة؟!
بقلم/ الشيخ عصام تليمة
محتويات
مقدمة
لا يخفى على أحد أن الناس في مصر يعيشون أزمة غلاء أسعار شديدة في كل شيء، وحتى حين فكرت الدولة في رفع أجور العاملين بالقطاع العام لمجابهة ذلك الغلاء وجدناها في الأيام التالية مباشرة رفعت أسعار الوقود وبعض السلع الأخرى.
والعجيب في ذلك كله أننا لا نرى ولا نسمع خطيب ولا داعية ممن نعرفهم في مصر يتكلم عن ذلك رغم إن الناس "قربت تولع" في نفسها، فما هو الدور الذي يمكن للدعاة أن يقوموا به في مثل هذه الأمور؟.
يقول الأستاذ عصام تليمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
ما ذكرته - أخي - مما يدمي القلب، فبدلا من الحديث حول الإصلاح السياسي أو الإصلاح الاجتماعي أو مستوى التعليم والنهوض به، أصحبنا نجد الناس مشغولة بالخبز.
ومما يؤسف له أيضا سكوت الدعاة عن الكلام في قضايا الناس الماسة والملحة، وهروبهم إلى قضايا لا تلامس واقع الناس وحاجاتهم، مما يوحي للناس بخنوع الخطباء، واستسلامهم للظلم.
وهذا سببه للأسف أن المساجد في مصر أممت لصالح الدولة، في مقابل أن خطة الدولة هي الخصخصة في كل شيء إلا في أمر واحد أمموا فيه كل خاص، وهو المساجد، لتكون تحت رقابة الدولة.
أما عن واجب الدعاة تجاه ذلك فعليهم
أولا- تبصير الناس بحقوقهم على الدولة، فهذا حق للأفراد وليس منحة تهبه لهم الدولة.
ثانيا- إشاعة ثقافة الجرأة والشجاعة الأدبية في التعبير عن مطالب الشعب، وبيان أن الإسلام ضد الخنوع والاستسلام للظلم، فتلبية حاجة الناس واجب الدولة.
ورضي الله عن عمر بن الخطاب الذي يقول: "والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر"، يحمل هم أن يُسأل عن دابة وليس عن ملايين من البشر! وعن طريق الدابة لِمَ لم يمهد، ما بالنا بطريق الآدميين!، فضلا عن طعامهم!.
ثالثا- أن يرانا الناس - كدعاة - في مقدمة الصفوف في الوقوف إلى جانبهم في قضاياهم، لا أن نكون مجرد متكلمين.
رابعا- الإعداد لكل وسيلة سلمية للتغيير، لما نراه ونعيشه من ظلم واقع، وأن تتكاتف جهود الدعاة في كل القوى الإسلامية والوطنية في ذلك.
خامسا- السعي عند أهل الخير وذوي اليسار لإقناعهم بمد يد الإغاثة والخير للمجتمع، ولفقرائه تحديدا.
ويقول الدكتور رجب أبو مليح
أيها الأخ الكريم، نشكرك على حسن عرضك للسؤال المهم أولا، ثم على ثقتك في العلماء والدعاة ثانيا، فإن الله تحدث عن العلماء في كتابه الكريم حديثا يليق بمكانتهم وحملهم عبء وأمانة التبليغ وقيادة الأمة وإصلاحها، فقال سبحانه: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)، وقال: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وقال: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط).
وعاب الله عز وجل في كتابه الكريم على بني إسرائيل أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فلعنهم وطردهم من رحمته (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه).
وقديما قال الشاعر:
يا رجال الدين يا ملح البلد
- من يصلح الملح إذا الملح فسد
ومن ثم نرى أن واجب الدعاة تجاه هذه الحملة المسعورة من الغلاء يكون في النقاط التالية:
أولا- الدعاة لسان الناس عند الحكام
ينبغي على الدعاة أن يرفعوا أصواتهم عالية مدوية، تسمع القاصي والداني، لا تخاف إلا الله، ولا تخش فيه لومة لائم، عليهم أن يقولوا للحاكم اتق الله، فلا خير فيهم إن لم يقولوها ولا خير فيه إن لم يسمعها.
عليهم أن يقوموا عوجه باللسان قبل السنان، فقد قال أحد الرعية لعمر بن الخطاب لو وجدنا فيك إعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا، فما انتفض عمر القوي الواثق من عدله وأمانته وما اهتز، وماذا تصنع هذه الكلمات في الجبال الرواسي والقمم السامقات؟!.
بل إنه حمد الله أن جعل من رعيته من يقوّم عوجه، وحاشا للفاروق أن يكون عنده عوجا، فقد سار على الجادة، وحمل نفسه والناس على الحق حتى لقي الله على ذلك.
وليعلم الدعاة أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وأن سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى رجل جائر فأمره ونهاه، وعليهم أن يقوموا بدورهم ولا يقفوا عند المواعظ التي ترقق القلوب وتدمع العيون، فهي على أهميتها لا تصلح والبطون خاوية، وضروريات الناس غير مكفولة.
إن إرجاع الدعاة ما نحن فيه من الغلاء والبلاء إلى ذنوب المسلمين دون البحث عن أسباب أخرى حديث منقوص وظالم، وإذا كان المصلون الذي يحافظون على الصلوات ويحرصون على الطاعات هم سبب البلاء والغلاء.. فماذا يكون حال غيرهم؟!.
ورحم الله عمر بن الخطاب عندما بعث إلى ولاته - وكانوا كلهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم العدول - ليقول لهم: "لا تجيعوا الرعية فتكفروهم، ولا تضربوهم فتذلوهم، وأيم الله لو سمعت أن واليا ضرب أحدا من الرعية لاقتدت منه" ، فقال له عمرو بن العاص: كيف ذلك يا أمير المؤمنين.. ألا يؤدب الوالي الرعية؟!، قال والله لأفعلن، وكيف لا وقد رأيت رسول الله يعطي حق القصاص من نفسه.
إن الجوع يجعل الإنسان يكفر بكل المبادئ والقيم، وتهتز عنده الثوابت.. بداية من الإيمان بالله ومرورا باحترامه لوطنه والدفاع عنه، والضرب يذل المسلم، ويفقده كرامته واعتزازه بانتمائه، ويجعله أكثر قابلية للاستعمار، لأنه لم ير من هذا الوطن ما يجعله يضحي من أجله.
ثانيا- تعليم الناس أن يقولوا "لا":
فالدعاة بحق هم قادة الشعوب، وعليهم أن يعلموهم الإيجابية، الإيجابية الفاعلة المنضبطة بضوابط الشرع، التي لا تخنع للظلم، ولا تعطي المهانة من نفسها، وفي الوقت نفسه لا تعتدي ولا تبغي الفساد الأرض، ولا ترفع الظلم بالظلم.
فعلي الدعاة أن يكرروا على مسامع الحكام الحكم العمرية، حيث وقف خطيبا بين الناس يحثهم على مزيد من الإيجابية والنهوض لدفع الظلم فقال: "يعجبني من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول لا بملء فيه...".
فعلى الدعاة أن يعلموا الناس أن يقولوا "لا" إن وجدوا خطأ حتى لو كان من الداعية نفسه، ولا يغضب ولا ينهرهم إن هم عارضوه أو صوبوا له شيئا.
وعليهم أن يعلموهم فقه الاعتراض، وفقه المطالبة بالحق، فلا عدوان على أحد ولا تدمير للمنشآت، ولا حرق للأموال؛ لأن للمال والنفس حرمة في الإسلام حتى لو كان هذا المال لغير المسلم، ولو كانت النفس نفس هرة أو كلب لا يؤبه له، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن امرأة حبست هرة حتى مات فدخلت بسببها النار، وأن رجلا أو امرأة سقت كلبا فغفر الله لها.
نريد من الدعاة أن يشيعوا ويعلموا الناس أدب التظاهر، وأدب الخروج المدني السلمي، وأدب التغيير عبر مؤسسات القضاء والبرلمان وغير ذلك، صحيح أنه طريق طويل يصيب المستعجل بالملل والفتور والقعود، لكنه الطريق الآمن الذي لا يتولد عنه شر أكبر من تغيير المنكر.
ثالثا- إشاعة ثقافة الاستغناء:
وتلك ثقافة عمرية أيضا، فعندما شكى الناس لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب غلو الأسعار قال لهم: "أرخصوها بالاستغناء"، فلو استغنى الناس عن الكماليات وبعض الحاجيات التي لا يصيبهم من جرائها حرج شديد لأسهم ذلك في رخص الأسعار.
ولما وجد عمر بن الخطاب رجلا يقف أمام القصاب - بائع اللحم - يومين متتالين عاتبه قائلا: "أو كلما اشتهيت اشتريت؟"، فلو شاعت هذه الثقافة بين الناس لقطع الطريق أمام المحتكرين المتاجرين في أقوات الشعوب، الذين يثرون من وراء بطون الفقراء الجائعة وجيوبهم الخاوية.
إن ثقافة الاستهلاك تسربت إلينا حتى تغلغلت في نفوسنا وقلوبنا، وأصبحت الجوائز التي يسيل إليها لعاب الفقراء، والأسواق التي تحمل الناس على شراء ما يحتاجون وما لا يحتاجون.. ودور الدعاة أن يعلموا الناس كيف يشترون، وكيف يرتبون حاجاتهم وفق سلم الأولويات التي ترتب الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات.
رابعا- محاربة الاحتكار:
إن جزء كبيرا مما يحدث الآن السبب فيه هو الاحتكار والاستهتار بأقوات الشعوب، وعلى الناس أن يقفوا للمحتكرين بالمرصاد، وهذا وإن كان دور الحكومة في المقام الأول لكن للشعوب دور أيضا.
وكما قال الشاعر:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
- فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بـد لليـل أن ينجـلي
- ولا بد للقيد أن ينكسـر
إن الذين يقومون بالاحتكار وسرقة أقوات الشعوب هم من بني جلدتنا وليسوا أناس يأتون من الخارج، فعلينا أن ننصحهم أولا، ثم نمنعهم عن الظلم ثانيا، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، قالوا كيف ننصره ظالما؟ قال: "برده عن الظلم".
ويقول الأستاذ مصطفى كمشيش:
أخي المواطن المصري أشعر بمشاعرك وأتألم لآلامك.
وأود أن أقول في هذه القضية المعقدة الشائكة أن الناس انقسموا فيما بينهم في توصيف هذه المشكلة:
- فمن الناس من ألقى التبعة على الحكومات دون سواهم.
- بينما أهل الحكم وأجهزة الإعلام التابعة لهم برأت حكوماتها من ذلك، وألقت باللائمة على الغلاء العالمي الذي يعصف بدول كثيرة.
- وفريق ثالث ألقى باللوم على الشعوب التي تستهلك أكثر مما تنتج.
- وفريق رابع أرجع الأزمة إلى البعد عن الله، وأن هذه الأزمة بسبب المعاصي والذنوب وما اقترفه الناس بأيديهم إغضابا لربهم.
وما أراه أن كل ذلك صحيحا في مجمله ولا يقتصر على سبب واحد.
فهل يا ترى الغلاء فقط بسبب المعاصي والذنوب؟ وأجدني أتذكر عام الرمادة في زمن خير الناس من الصحب الكرام، وخير الحكام وهو الفاروق عمر رضي الله عنه.. كما أتذكر قبل ذلك ما روته كتب السيرة عن الجدب الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقت غزوة تبوك، وأجدني أتذكر أيضا رخاء بعض الدول التي تدين بغير دين الحق وهو دين الإسلام.
ولذا أقول: إن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإن الله تعالى جعل في كونه سننا ليعمل الناس وفقها، فمن أحسن واجتهد في هذه السنن - علما وعملا وإبداعا وابتكارا واجتهادا واختراعا واكتشافا...إلخ - سيجد أثرا لذلك ونتيجة، ولا يمكن أن يساوي الله بين المجتهد والمتكاسل، ولا المصلح والمفسد.. وهكذا .
إنني أوافق من يقول أن علينا العودة إلى الله، وأرى ذلك في فهم سنن الله في كونه وحسن العمل والاجتهاد لتحقيق خير البشرية والناس، وإذا قام كل بدوره وأدى واجبه فسيكون النجاح والفلاح.
فعلى الحكومات بذل الجهد في توفير المناخ المناسب للإنتاج، وذلك من خلال حكم رشيد يتيح للناس المساهمة في تطوير أوطانهم والمشاركة بإيجابية في حل مشكلاتها، وعليها أيضا تولية الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا ما يفعله غير المسلمين من الدول المتقدمة التي تعلي قيمة الحرية والمشاركة.
وعلى الشعوب أن تعمل لنهضة بلادها وألا تركن إلى إلقاء اللوم على الحكومات وتكتفي بصب لعناتها عليهم وتحميلهم المسئولية.
والدور المنوط به الدعاة هو أن يدعو الناس - حكاما ومحكومين - إلى تهيئة المناخ المناسب لنشر ثقافة الجدية والعمل والحرية؛ لأن المجتمع الحر هو الذي سيبدع ويطور ويتقدم.
- المصدر: موقع إسلام أون لاين