عودة الخليفة العثماني!
بقلم: الأستاذ عبد القادر الأسمر
كم كان محقاً ومنتشياً ذلك الكهل الذي هتف وهو يتابع جولة الرئيس سعد الحريري وتصاريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً: «إني اشتمّ فَوح الخلافة الإسلامية ينبعث من أريج بني عثمان الجدد في اسطمبول في يقظتهم بعد طول سبات».
وليس خافياً على أحد مبعث غبطة هذا المواطن العربي الذي تشاركه كل الشعوب العربية والإسلامية ابتهاجه بالإباء الإسلامي (التركي) مع جرأة أردوغان في التنديد بسياسة «إسرائيل» العدوانية نحو غزة ولبنان، وتقريع الأمم المتحدة التي تغض النظر عن تجاهل الكيان الاسرائيلي لأكثر من مئة قرار ادانة ودعوته الى الانسحاب من الأراضي المحتلة، واستنكار الممارسات العدائية والعنصرية بحق عرب القدس، واستمرار «عمليات التنقيب» المشبوهة بحفر الانفاق التي ستصدع أسس المسجد الأقصى تمهيداً لانهياره عاجلاً.
من حق هذا المواطن «العربي» أن يجد في هذا «التركي» النصير الأكبر في مواجهة عدو الأمة، وأن يرى فيه اصداء السلطان عبد الحميد الثاني - يرحمه الله - عندما تصدى لاغراءات رجال الأعمال اليهود وامتنع عن بيعهم أرضاً في فلسطين على الرغم من الديون المتراكمة على السلطنة واستعداد المساومين اليهود على إيفائها وزيادة.
بلى، من حق كل منا ان يفتخر بمن بث شعاع الأمل في ظلمة الوحشة العربية التي عشش في جنباتها بوم التشاؤم، وغراب البين، ووطاويط الظلام.
وكيف لا يسترد كل مواطن عربي بعض انفاسه وقد استشعر، حتى الأمس القريب، أنه على شفا انهيار وتمزق نفسي وهو يتأمل حانقاً أنباء فنون الحصار على غزة والفتوى الرسمية - ولا نقول الشرعية - بإجازة التدابير التي تمنع الغزّاويين من استحضار المواد الغذائية والطبية وحليب الأطفال، فيما تُعرقَل قوافل الامداد الانسانية التي يقودها النائب «البريطاني» جورج غالاوي.. ترى ماذا يقول عنا هذا المغامر والمنهك بتجميع قافلة المساعدات وهو يتابع - غير مصدق - اجراءات التضييق على مساعدات مرسلة الى «إخوانهم» في غزة.
وتنتعش النفوس من جديد وهي تتلقف زمجرة النمر التركي ينتقض في مؤتمر دافوس في وجه الرئيس الاسرائيلي يعنفه على عدوانه الدموي على قطاع غزة، ثم يمنع «إسرائيل» من المشاركة في مناورة عسكرية، غير مبال بمدى تداعيات هذا المنع لدى الإدارة الاسرائيلية الحانقة.
ويزداد غيظهم لأنباء التقارب مع العرب، والانفتاح المتسارع مع سوريا ثم مع لبنان وقرارات إلغاء تأشيرة الدخول بينهما، فضلاً عن تلكم الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية التي جفل منها العدوّ الاسرائيلي، وقد تأكد له الآن أن خطوات أردوغان - واركان الحكم في تركيا بالطبع - ماضية بثبات نحو أعداء اسرائيل.
ولم يكن المسلسل التركي «وادي الذئاب» الذي يصور وحشية الصهاينة ومجازرهم سوى الذريعة الظاهرية لاستدعاء خارجية تل أبيب السفير التركي وإذلاله بالانتظار في أحد ممرات مبنى الوزارة قبيل استدعائه من قبل نائب وزير الخارجية ليجلس هذا السفير على مقعد منخفض أمام ثلاثة موظفين متجهمين نددوا بالفيلم «العنصري الذي يعادي السامية؟!».
تُرى، هل تدبّر الصهيونية العالمية مؤامرة أو مخططاً ضد حكّام تركيا بعد ان يئست من عودة انقرة الى كنف «إسرائيل»؟
وهل في استطاعة المتآمرين الصهاينة أن يفلحوا مجدداً كما نجحوا أواخر الربع الأول من القرن الماضي في القضاء على الخلافة العثمانية؟
لا، لن يحالفهم الحظ مجدداً في العبث بأمن تركيا وزعزعة نظامها وتأليب الجيش على حكامها، ذلك لأنه في هذه المرة، سيكون الشعب التركي بمعظمه في موقع التصدي لأي مؤامرة على هؤلاء القادة الذين يمثلون مناخ الشعب المسلم ويعبرون عن تطلعاته، وهو الذي أوصلهم الى سدة الحكم بزخم ودعم، بعد أن حركت في أوصاله أصداء تاريخ بني عثمان، منذ محمد الفاتح حتى آخر سلاطينهم قبل أن ينقضّ أتاتورك على كل رموز الخلافة والإسلام والعربية ليعاني الشعب التركي المؤمن القهر والعنت والقمع طوال قرن تقريباً، لكن بكل ثقة انه سيعود الى الحظيرة الإسلامية.
ويعلم قادة تركيا أن الصهيونية العالمية تدبر لهم المكائد، كما يدركون في الوقت نفسه مقدار الجهود والاحتياطات الأمنية التي سيتخذونها لافشال أي مخطط يعبث بالبلاد.
تُرى، اليس من المستغرب، حتى لا نقول أليس من العار، ألاّ تبدر من قادة العرب أية مواقف داعمة ومؤيدة لتصاريح الرئيس أردوغان ومقرراته؟
ولماذا غفل عمرو موسى عن أداء التحية وتوجيه رسالة الشكر والامتنان الى من يناصر قضية فلسطين قولاً وفعلاً؟ وباسم الجامعة العربية؟!
أم أن بعضنا هم في وضع لا يحسد عليه بانزوائهم وصمتهم وربما لتقريع الضمير عمّا مارسوه ضد المحاصرين في غزة، وما تتصدى له تركيا في وجه الغطرسة الإسرائيلية؟
بلى إنهم يتململون من عودة الخليفة العثماني يسترد الثأر ممن قوضوا دعائم الخلافة، وليكشف مدى تقصيرنا وتآمرنا على هذه القضية.
حمى الله تركيا وقادتها وشعبها، وبوركت فيهم جميعاً هذه المشاعر الأخوية الصادقة التي افتقدناها في ما بيننا طوال ستة عقود.
المصدر
- مقال:عودة الخليفة العثماني!موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان