عندما يترجل البطل!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عندما يترجل البطل!
نجم الدين أربكان

تعجز الكلمات أن تعبر، والحروف أن تتجمع لتتكلم عن عملاق من عمالقة العالم الإسلامي و رمز من رموز الإسلام في العالم، نجم الدين أربكان، الأب الروحي للحركة الإسلامية في تركيا، وأحد أبرز من جابه العلمانية الكمالية المتشددة في تركيا.

الموت غيب النجم، ولكنه غيبه بعد أن رأى الإسلام وقد تمكن من تركيا، ورأى طلابه وأبناءه من المسلمين وقد تمكنوا من الحكم وأثبتوا للعالم أجمع بأن الإسلام هو طريقة حياة، ليس أذكاراً وحركات وعبادات تعمل فحسب. ولد البوفيسور نجم الدين أربكان في 29 أكتوبر 1926 في مدينة سينوب الواقعة على ساحل البحر الأسود، و نشأ في كنف الطريقة النقشبندية برعاية شيخها محمد زاهد كوتكو، حصل على الدكتوراه من جامعة أخن الألمانية في هندسة المحركات عام 1956 .عمل أثناء دراسته في ألمانيا رئيسا لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز - هومبولدت - دويتز" بمدينة كولونيا. وقد توصل أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات التي تعمل بكل أنواع الوقود..وحين عاد إلي بلاده كان أول ما عمله ولم يزل في عامه الثلاثين تأسيس مصنع "المحرك الفضي" هو ونحو ثلاثمائة من زملائه.. وقد تخصص هذا المصنع في تصنيع محركات الديزل، وبدأت إنتاجها الفعلي عام 1960، ولا تزال هذه الشركة تعمل حتى الآن، وتنتج نحو ثلاثين ألف محرك ديزل سنويا.

أنشأ عام1970بدعم من تحالف طريقته مع الحركة النورسية "حزب النظام الوطني" الذي كان أول تنظيم سياسي ذا هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ زوال الخلافة عام 1924، بدأ أربكان حياته السياسية بعد تخرجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات التجارية ثم انتخب عضوا في مجلس النواب عن مدينة قوينة، لكنه منع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للعلمانية، وكان تأسيس حزبه أول اختراق جدي لرفض القوى العلمانية المهيمنة له. لم يصمد حزبه (النظام الوطني) سوى تسعة أشهر حتى تم حله بقرار قضائي من المحكمة الدستورية بعد إنذار من قائد الجيش محسن باتور، فقام أربكان بدعم من التحالف ذاته بتأسيس حزب السلامة الوطني عام 1972، وأفلت هذه المرة من غضب الجيش ليشارك بالانتخابات العامة ويفوز بخمسين مقعدا كانت كافية له ليشارك في مطلع عام 1974 في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك ليرعى المبادئ العلمانية.

تولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء وشارك رئيس الحكومة بولند أجاويد في اتخاذ قرار التدخل في قبرص في نفس العام، واعتبر من دافع عن مشاركة أربكان في الائتلاف أنه حقق مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسي من أهمها الاعتراف بهذا التيار وأهميته في الساحة السياسية إلى جانب مكاسب اعتبرت تنازلات مؤثرة من قبل حزب الشعب. خلال وجوده في حكومة أجاويد، حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي، وحاول ضرب بعض من أخطر مراكز النفوذ الداعمة للنهج العلماني، فقدم بعد تشكيل الحكومة بقليل مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني ومعاد لإسرائيل، ونجح في حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك خير الدين أركمان بسبب ما اعتبر سياسته المؤيدة لإسرائيل.

حتى بعد خروجه من الحكومة فقد قدم حزب أربكان مشروع قانون إلى مجلس النواب في صيف عام 1980 يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل، وأتبع ذلك مباشرة بتنظيم مظاهرة ضخمة ضد القرار الإسرائيلي بضم مدينة القدس، كانت المظاهرة من أضخم ما شهدته تركيا في تاريخها المعاصر، الأمر الذي اعتبر استفتاء على شعبية الإسلام السياسي بزعامة أربكان. بعد بضعة أيام تزعم قائد الجيش كنعان إيفرين انقلابا عسكريا أطاح بالائتلاف الحاكم، وبدأ سلسلة إجراءات كان من بينها إعادة القوة للتيار العلماني ومن ذلك تشكيل مجلس الأمن القومي وتعطيل الدستور وحل الأحزاب واعتقال الناشطين الإسلاميين إلى جانب اليساريين.

كان أربكان من بين من دخلوا السجن آنذاك، وبعد ثلاث سنوات خرج في إطار موجة انفتاح على الحريات في عهد حكومة أوزال، فأسس في العام 1983 حزب الرفاه الوطني، الذي شارك في انتخابات نفس العام لكنه لم يحصل سوى على 1.5% من الأصوات، لكنه لم ييأس إذ واصل جهوده السياسية حتى أفلح في الفوز بالأغلبية في انتخابات عام 1996 ليترأس أربكان حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيللر. خلال أقل من عام قضاه رئيسا للحكومة التركية، سعى أربكان إلى الانفتاح بقوة على العالم الإسلامي، حتى بدا وكأنه يريد استعادة دور تركيا الإسلامي القيادي، فبدأ ولايته بزيارة إلى كل من ليبيا وإيران، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.

لم يكتف أربكان بذلك، بل نشط عبر العالم الإسلامي، وحدد موعدا لمؤتمر عالمي يضم قيادات العمل الإسلامي، وباتت تركيا تتدخل بثقلها لحل مشكلات داخلية في دول إسلامية كما حدث حينما أرسل وفودا لحل خلافات المجاهدين في أفغانستان. لكن أربكان حرص رغم ذلك على عدم استفزاز الجيش، وحاول تكريس انطباع بأنه لا يريد المساس بالنظام العلماني، فنفذ الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل دون تردد، وزاد بأن زار إسرائيل لدعم التعاون العسكري، وسمح للطيارين الإسرائيليين بالتدرب في الأجواء التركية.

لم يكن هذا التقارب مع إسرائيل كافيا لإقناع الجيش بالقبول، فقام الجنرالات بانقلاب من نوع جديد إذ قدموا إلى أربكان مجموعة طلبات لغرض تنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد سياسيا كان أم تعليميا أم متعلقا بالعبادات، فكان أن اضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري فعلي.

في عام1998تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام 2000. ومن جديد يعود أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003 حزب السعادة وأنتخب رئيساً له، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجنا وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاما.

وفي شهر أبريل من عام 2008 أصدرت محكمة الاستئناف قراراً عقوبة الحبس المنزلي لمدة سنة تقريبًا ضد أربكان (82 سنة آنذاك) في تهمة تبديد مبلغ مليون دولار من ممتلكات حزب الرفاه المحظور عام 1998، بعد أن أُجل الحكم أربع مرات بسبب الحالة الصحية ، وفي 18 أغسطس 2008 أصدر الرئيس التركي عبد الله غول عفو رئاسي عن البروفيسور أربكان بسبب تدهور حالته الصحية، ولم تحنيه تلك الظروف عن محاولة التغيير واستمرار مسيرته السياسية حتى توفي في يوم الأحد 27 فبراير 2011 مالموافق ٢٣/٣/١٤٣٢

وأثناء إقامته الإجبارية في منزله في أسطنبول قام الأخ أنور المصري – مراسل الجزيرة توك – بزيارته ومقابلته، وكانت مقابلة موجزة بسبب حالته الصحية، وأبرز ما قال فيها مخاطباً الشباب العربي:

" أدعوا إلى استغلال الوقت بشكل جيد وعدم إضاعتها بالمؤتمرات الغير المفيدة. الحل هو تأسيس عالم جديد، نحن هنا لإقامة العدل وإزالة الفساد. نعيش اليوم في عالم تحكمه الصهيونية، والصهيونية تقوم بإفساد كل شيء وتحاول إفساد شبابنا وتحاول إفساد العائلة عن طريق العديد من الوسائل. فيجب على العالم الإسلامي أخذ الاحتياطات اللازمة ضد مشاريع الإفساد.

وأدعو الشباب إلى قراءة كتبنا المنشورة. نحن هدفنا إنقاذ الإنسانية ونشر العدل، نحن نريد العدل نريد أخذ حق المظلوم ولو كان ذلك المظلوم يهوديا، لذلك يجب علينا إقامة النظام الذي حكم به أجدادنا العالم لقرون من الزمان. يجب علينا استغلال الوقت بالمشاريع المفيدة أود أن أعطي هنا مثالا عندما رفع الملك فيصل رحمه الله سعر البترول اجتمعت الدول الأوروبية وقررت عدم شراء البترول لمدة 6 أشهر وقامة بخزن البترول الموجود واستخدامه بقلة، أدى ذلك إلى انخفاض سعر البترول من 60 دولار إلى 6 دولار.

على المسلمين تقسيم العمل بينهم والوصول إلى نتائج من تلك الأعمال. فنصيحتي إلى الشباب أن يستيقظوا من غفلتهم ويبدؤوا بالعمل الجاد"

رحم الله الزعيم أربكان رائد العمل الإسلامي في تركيا، وأسكنه فسيح جنانه، وأثابه وجزاه خير الجزاء فلولا توفيق من الله ورجل كأربكان لما كانت تركيا على ما كانت عليه اليوم

المصدر

الجزيرة توك