عبد الرحمن منصور يكتب : الأخذ بالأسباب المتاحة طريق النصر
بتاريخ : الجمعة 25 اكتوبر 2013
- إن من السنن الربانية التى تعامل معها النبى صلى الله عليه وسلم سنة الأخذ بالأسباب وهى مقررة فى كون الله تعالى بصورة واضحة فأرسى الأرض بالجبال وأنبت الزرع بالماء ولو شاء الله تعالى لجعل هذه الأشياء وغيرها بقدرته المطلقة غير محتاجة إلى سبب ولكن هكذا اقتضت مشيئته وحكمته الذى يريد أن يوجه خلقه إلى ضرورة مراعاة هذه السنة ليستقيم سير الحياة على النحو الذى يريده سبحانه.
- فالمؤمن يأخذ بالأسباب من باب الإيمان بالله وطاعته فيما يأمر به ولكنه لا يجعل الأسباب هى التى تنشئ النتائج فيتوكل عليها ، بل يتوكل على مسبب الأسباب وحده سبحانه .
- إن الذى ينشئ النتائج كما ينشئ الأسباب هو قدر الله تعالى ، ولا علاقة بين السبب والنتيجة فى شعور المؤمن .. ومن هنا يتحرر شعور المؤمن من التعبد للأسباب والتعلق بها وفى نفس الوقت هو مُطالب بإستيفائها لينال ثواب طاعة الله.
- وكذلك لابد للأمة الإسلامية أن تدرك الأخذ بالأسباب للوصول إلى التمكين أمر لا محيص عنه ، وذلك بتقدير الله تعالى حسب سنته التى لا تتخلف.
- ومن رحمة الله أنه لم يطلب من المسلمين فوق ما يستطيعون من الأسباب ولم يطلب منهم أن يعدُّوا العدة التى تكافئ تجهيز الخصم ، ولكنه سبحانه وتعالى قال " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " وكأنه سبحانه يقول لهم افعلوا أقصى ما تستطيعون احشدوا أقصى إمكانياتكم ولو كانت دون إمكانيات الخصم .. فالاستطاعة هى الحد الأقصى المطلوب ، وما يزيد على ذلك يتكفل الله تعالى به بإمكاناته التى لا حدود لها وهذا برهان الإخلاص وهو الشرط المطلوب لينزل عون الله ونصره.
- إن النداء اليوم موجه لجماهير الأمة الإسلامية عامة والأمة المصرية خاصة بالحشد رجالاً ونساءً بأن يتجاوزوا مرحلة الوهن والغثاء والضغف والخوف إلى مرحلة القوة والبناء والمطالبة بحقوقهم التى لو ضاعت فى هذا الوقت لن تعود أبداً ، لأن المخطط المرصود للأمة عامةً هو كسر الإرادة وضياع هوية الأمة ومصر خاصة ، فعلينا أن ننهض بكل الأسباب ونحن نثق بعدها فى نصر الله وأملنا فى الله كبير وقريب .
- ولكن قد يقول قائل : هل هذه المظاهرات والمسيرات وحالات التفاعل من الشعب المصرى بأثره مثل "عفاريت ضد الانقلاب - نساء ضد الانقلاب - صحافيون ضد الانقلاب - وغيرهم " تكفى لأن تكسر الانقلاب الذى يملك المؤسسات القوية بدءاً بالعسكر ثم بالشرطة وغيرهم .. إنكم لا تقرأون الواقع جيداً ولا تعرفون خصمكم فإلى أين أنتم ذاهبون ؟؟ ستضيعون الدولة والشعب .
- فنقول وبالله التوفيق أن المطلوب مننا أن نأخذ بالأسباب المتاحة ونبذل فيها قدر المستطاع دون تقصير والنتائج على الله تعالى ، وبعد دراسة متأنية للحلول الاستراتيجية وجد التحالف الوطنى لدعم الشرعية ضد الانقلاب أن هناك ثلاثة حلول " سياسية - عسكرية - ثورية".
والسياسية - بالدراسة - لا تأتى بالنتائج التى تعيد الحقوق إلى أصحابها ، والعسكرية ستأتى بحل عسكرى الذى سنعانى منه طوال ستين عاماً قادمة ، فما بقى أمام التحالف إلا حلاًَ واحداً وهو الحل الثورى السلمى ، وهذا الأمر بعد المشاورات وأخذ الشورى ولا خاب من استشار .
- والذين يقولون أننا لا نقرأ الواقع ولا نعرف قوة وقدرات الخصم نرد عليه من خلال ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء إقامته للدولة الإسلامية الأولى .
- ففى هجرته وعندما أدركه سراقة بن مالك مرتين ثم طلب سراقة منه العون حين غاصت قدمى فرسه فى الرمال قال النبى صلى الله عليه وسلم له "أدعو لك وتخذِّل عنا القوم ولك سوارى كسرى وقيصر" .. انظروا إلى الظرف والمناخ الذى يخبر ويبشر به الرسول "ص" رجل هارب خارج من بلده مطارد وصاحبه يلف حوله مخافة أن يصيبه بأس كل الذى يملكه بضع من الصحابة سبقوه إلى المدينة ، والبشرى لرجل مشرك لم يؤمن بعد ولكنه صدّق رسول الله "ص" .
ولو أسقطنا عليه قولكم لقلنا للرسول "ص" ، وحاشاه ، أنه لم يقرأ الواقع ولم يدرك الخصم كيف يبشره وهو مطارد ؟! ولكنه أخذ بالأسباب المتاحة له وهى الهجرة إلى مكان آخر وهذا السبب هو الذى يناسب المكان والزمان واجتهد بأقصى ما يستطيع حتى نجحت الهجرة بفضل الله تعالى.
- وفى غزوة الأحزاب العدو من الداخل والأحزاب من الخارج وما كان مطلوب من الرسول صلى الله عليه وسلم سوى حفر الخندق الذى أُشير عليه من سلمان الفارسى .. ولو نظرنا إلى الخندق لقلنا لماذا يحفر النبى وأصحابه فالانقلاب من الداخل ومداهمة العدو من الخارج .. ألم يقرأ الواقع؟؟
وغيره من الغزوات والمعارك التى لو عرضناها على الاستقراء للواقع لكانت الإجابة لا تفعل هذا ولا ذاك لأنك لم تقرأ الواقع ولم تعرف الخصم ولكن المطلوب من المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب وقد تأتى بالنتائج مرتبطة بهذه الأسباب أو بغيرها وأن نخلص فيها ونبذل فيها قصارى جهدنا "ما استطعتم من قوة".
لكن النبى محمد وأصحابه حفروا الخندق أخذاً بالأسباب فكم تعبوا فى ذلك ؟ وكم جاعوا .. وكم عطشوا .. بل كم من الحجارة ربطوها على بطونهم وأصبح الجميع فى خوف وفزع حتى وصفهم القرآن الكريم "إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا".
ولكن طالما بذلتم قصارى جهدكم فى الأسباب المتاحة لكم النابعة من الشورى الربانية ، كانت النتيجة نصرٌ من الله بجندٍ لم تتطرق إليه أذهان الفريقين وهى الريح"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا".
- وفى أحد المعارك كان بين الجيش المسلم والجيش الصليبى نهر ، كل منهما استعد وخطط وأخذ بكل الاحتياطات التى تقلل خسارته وتزيد فرص انتصاره ونزل المسلمون النهر يخوضون بفروسهم و دوابهم المياه فوقع قعب "إناء" أحدهم فانهالوا كلهم للبحث عنه .
فلما رأى الأعداء هذا المشهد سألوا ماذا يفعل هؤلاء فأجابهم أحدهم لقد وقع قعب أحدهم ونزلوا للبحث عنه فقال القائد : فكيف يكونون إذا سُفك دم أحدهم !! فهربوا وانتصر المسلمون بمشهد الأخوة والحب فى الله ... سببٌ لم تتطرق إليه الأذهان.
-وبمشهد آخر عندما رأى الأعداء الصحابة يستاكون بسواكهم قبل الخوض فى المعركة فسألوا عن ذلك فأُجيب لهم أنهم يسنُّون أسنانهم ، فخافوا وهربوا.
- هاجر عليها السلام ، كم تعبت ؟ وكم سَعَت ؟ وكم بكت ؟ ولكن الماء لم ينبع من تحت قدميها ولكن نبع من تحت قدمى الرضيع الضعيف اسماعيل عليه السلام ولكنها أخذت بالأسباب فى البحث عن الغذاء والماء فأصبحنا نتعبد بهذه الأسباب كل عام .
-من هذا وغيره كذلك ، عندما نبذل قصارى جهدنا فى الأخذ بالأسباب المتاحة لنا يأتى نصر الله والتمكين لدينه ونحن على ثقة كاملة وأمل كبير فى تأييد الله للأمة التى وعدها فقال "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" ، " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ" ، "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ".
- ولهذا لا يتطرق إلينا أى وهن أو ضعف بأن هذه الوسائل والأسباب التى نأخذ بها لا تكافئ فى الجهد والإمكانات التى يأخذ بها الخصم فما عرفنا ذلك بقراءتنا للغزوات أو المعارك التى خاضها الرسول وأصحابه مع أعدائهم ، ولقد قهرنا الجيش الذى لا يُقهر - كما قالوا - بتكبيرة "الله أكبر" عندما خرجت من القلب رغم أن عدتنا كانت أقل بكثير من عدة العدو الصهيونى ولكن " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" .
وأختم بهذا الحديث القدسى العجيب "وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ولأنتقمن ممن رأي مظلوما فقدر أن ينصره فلم ينصره وعزتي وجلالي لأدبرن الأمر لمن لا حيلة له حتى يتعجب أصحاب الحيل".
المصدر
- مقال:عبد الرحمن منصور يكتب : الأخذ بالأسباب المتاحة طريق النصر موقع: إخوان الدقهلية