عبد الحميد بنداري يكتب من داخل سجون الانقلاب: طبيعة المعركة الدائرة الآن
بتاريخ : الاثنين 23 ديسمبر 2013
إن الناظر لما يجرى على الساحة المصرية منذ ثورة يناير وتداعياتها حتى الآن ليدرك أن الصراع بين الحق والباطل ليس وقتى ولا مرحلى ولكنه ممتد ومستمر ما دامت السماوات والأرض وأن البقاء فيها فى النهاية لمن يملكون قيم الخير والفضيلة والريادة .
تلك القيم التى تسمو بأصحابها فوق الصغائر والمناهج الدنيوية القاصدة { كذلك يضرب الله الحق بالباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب الله الأمثال } .
ولكن الناظر بعينيه المحدوده القاصره قد ينخدع ويفتن بسبب ارتفاع قامة الباطل وعلو صوته فى إحدى الجولات وحرص قادته على أن يزينوا الأمر للعامة ويوهموا الجميع بأنه لا عودة للحق وأهله وأنهم يملكون زمام الأمور وقد أحكموا قبضتهم بقوة ، وإصرارهم على البطش والقهر والدمار والتخريب لإزاحة صوت الحق أو تهميشه – فضلاً عن تشويه الصورة واختلاق الأكاذيب وقلب الحقائق متبعين نفس أسلوب الطاغية فرعون مع النبى موسى الأمين حينما أشاع فى القوم { إنى أخافُ أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد } .
أحبابنا الكرام :
فى وسط هذا الزخم من الأحداث وبين هذه الأمواج العاتية المتلاطمة المأجورة التى يراد منها زعزعة الثقة فى النفوس ومحاولة فرض الأمر الواقع بقوة ونشر الفتن الحالكة التى تجعل الحليم حيراناً – رغم أن الأمر واضح بين – فتتخبط الأجيال الناشئة ويحتار أصحاب النفوس الضعيفة وتضطرب الأفكار فى النفوس ..... فلا بد لنا أن نركز على بعض المحاور الأساسية فى طبيعة المرحلة والصراع الدائر فيها :-
(1) لقد قدر الله لمصر أن تكون دولة محورية رائدة عبر العصور ، فحينما تعلو قامتها تجابهها قامات الدول الآخرى وحينما تخفض قامتها ويخفض صوتها تختفى قامات الدول المحيطة ويزول صوتها .
فكما يقولون دائماً { مصر إذا قامت قادت } لذلك فالحرب على مصر داخلياً وخارجياً مستمرة ولن تتوقف ويُنفق فى ذلك المليارات ببذخ وبدون حساب ، وقد راهن الجميع على موت الشعب المصرى واختفاء دوره – ولكن شاءت ارادة الله أن يخرج من قمقمه أخيراً كالمارد يرفع قامته ويرفض خفضها مهما كان الثمن ويصر على انتزاع حريته وكرامته وعودة مصر لمكانتها وريادتها المُنتظرة ، ولن تتوقف هذه المؤامرات المدفوعة ولن تهدأ هذه الحرب الضروس ..... ولكن الذى يهدأ من روعنا ويملأ نفوسنا بالأمل هو قول الرسول الكريم عن مصر وشعبها ( أنهم خيرُ أجناد الأرض ) وها هم يثبتون ذلك الآن .
(2) قد يظن البعض أن الأمر قد انتهى بمجرد الفوز بأغلبية فى مقاعد البرلمان أم بانتخاب رئيس ندعمه فيهدأ العاملون وتتوقف جهودهم ويرفعون الرايات – ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير فنحن أصحاب مشروع اسلامى كبير تتواصل فيه الجهود وتُقدم فيه التضحيات ويستعذب فيه البذل ، ونحن على يقين بأنهم لن يتركوا المشروع الإسلامى ولا أصحاب ينعمون أو يعتدلون بسهولة ولكن الحرب فيه ستستمر من جميع الجبهات لوأد ذلك المشروع وإخفاء صوته وإضعاف أهله { إن الذين كفروا أموالهم ليصدوا بها عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب .... } .
(3) إن النظام السابق قد نجح فى زرع رجاله ومنتفعيه فى شتى المؤسسات والمصالح فثبتت جذورهم وترعرعت فروعهم بما يسمى ( جذور الدولة العميقة ) التى امتدت فى شتى القطاعات من ( اعلام – صحافة – قضاء – جيش – تعليم ... إلخ ) ومن الصعب على هذه الجذور العميقة المستفيدة أن تستسلم بسهولة أو تترك الساحة للمصلحين ، ولكنهم سيتواصلون مع بعضهم البعض وسيبذلون النفيس والغالى وسيوحدون جهودهم من أجل إزاحة وإعاقة وصول المصلحين للحكم بكل ما يملكون .
(4)هناك بعض من الأنظمة المحيطة وهى عربية إسلامية ( للأسف الشديد ) لا يروق لها أن تعظم مصر أو تكون مثالاً يحتذى به فى الحريات العامة أو التقدم العلمى والمجتمعى أو فى أى صورة آخرى وذلك بسبب خوفهم من نقل عدوى الربيع العربى لشعوبهم فضلاً عن حرصهم على عدم إقامة صرح المشروع الإسلامى الكبير فى المنطقة بزعامة مصر .... ولهذه الأسباب وغيرها تسعى هذه الحكومات لعرقلة دور مصر الريادى وعدم اعطائها فرصة للتقدم والرقى .
أحبابنا الكرام :
ورغم كل هذه العراقيل وغيرها التى تحاك بوطننا مصر إلا أننا على يقين تام بأن يد الله تعمل معنا وحاشا لله أن يعرقل جهود المخلصين أو يقوض عزيمتهم ( وما كان الله ليضيع ايمانكم ) .
فهذه التضحيات التى تُبذل وهذه الدماء التى أريقت وهؤلاء الشهداء الذين قضوا نحبهم وهذه الملايين المرابطة التى تملأ الساحات والميادين ... وغيرهم وغيرهم هم الوقود الفعلى لنهضة بلدنا – فمصر والله لن تهزم أبداً ما دام فيها أبناء بررة يضحون بالغالى والنفيس ، ولن تركع أبداً إلا لله عز وجل ، وسوف تصنع ريادتها وتبنى نهضتها على عين الله الحارسة وهو حسبنا ونعم الوكيل الذى أعلن فى قرآنه الكريم فى آيات متعددة تأييده ورعايته لجنده العاملين المخلصين :
{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }
{ كتب الله لأغلبن أنا ورسلى }
{ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }
كما ضمن سبحانه وتعالى أيضاً خسران وهزيمة الباطل وأهله مهما ظن الناس غير ذلك :
( ويضل الله الظالمين ) ، ( ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله ) ، ( ومكر أولئك هو يبور ) .
فإذا كان للباطل جولة فإن للحق جولات وجولات قادمة بإذن الله – وإذا كانت دولة الباطل ساعة فإن دولة الحق إلى قيام الساعة : ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً .
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى ولا يشركون بى شيئاً .... } .
عبدالحميد بندارى
نقيب المعلمين بالشرقية
وأحد سجناء الرأى فى سجون الإنقلاب الغاشم
المصدر
- مقال:عبد الحميد بنداري يكتب من داخل سجون الانقلاب: طبيعة المعركة الدائرة الآن موقع: إخوان الدقهلية