عبادة انتظار الفرج.. كيف نحققها (5-5)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عبادة انتظار الفرج.. كيف نحققها (5-5)

20-02-2014

أ.د. عبد الرحمن البر

أخرج الترمذى من حديث ابن مسعود: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ: انْتِظَارُ الْفَرَجِ». ولهذِهِ العِبادةِ صُورٌ مِنْها:

انتظارُ الفرجِ باليقينِ أنَّ مع العُسْر يُسْرين

مضتْ سنةُ الله تعالى أن يبتليَ الناسُ بالشِّدَّةِ والرَّخاءِ، وجرَى قضاؤُه الحكيمُ أنْ يفتنَ الناسَ بالخيرِ والشرِّ ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ (الأنبياء 35)، ولكن رحمتَه سبحانه اقتضتْ أيضًا أنْ يقرِنَ بالعُسْر يسرًا، وأن يجعلَ في طيِّ المحنةِ مِنَحًا، وفي موطإ مالك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلْ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران 200).

أخذَ اليُسْرَيْن من تنكيرِ اليُسْرِ مع تعريفِ العُسْرِ في قوله تعالى ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح 5-6)، فهو عُسْرٌ واحدٌ معه يُسْران.

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال: «لَوْ أنَّ العُسْرَ دَخَلَ في جُحْرٍ لَجَاءَ اليُسْرُ حتَّى يَدْخُلَ مَعَهُ»، ثم قرأ الآيتين.

والقرآنُ يؤكِّدُ أنَّ اليُسْرَ آتٍ لا محالةَ على العُسْرِ ومُزِيلٌ له ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (الطلاق 7).

وقال عبدُ بن حُمَيْدٍ لرجلٍ شكَى إليه العُسْرَةَ في أمورِه:

ألَا أيُّهَا المرْءُ الَّذِي في عُسْرِه أَصْبَح

إذَا اشْتَدَّ بِكَ الأَمْرُ فَلا تَنْسَ أَلَمْ نَشْرَح

ويزدادُ الرجاءُ كلَّما اشتدَّ الكرْبُ، قال عليٌّ: «عندَ تَنَاهِي الشِّدَّةِ تكونُ الفُرْجَةُ، وعندَ تضَايُقِ البَلاءِ يكونُ الرَّخاءُ، ومعَ العُسْرِ يكونُ اليُسْر».

وَما أحسن ما قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: «عِنْدَ انْسِدَادِ الْفَرَجِ تَبْدُو مَطَالِعُ الْفَرَجِ» .

عَسَى مَا تَرَى أَنْ لَا يَدُومَ وَأَنْ

تَرَى لَهُ فَرَجًا مِمَّا أَلَحَّ بِهِ الدَّهْرُ

عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ إِنَّهُ

لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ

إذَا اشْتَدَّ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرًا فَإِنَّهُ

قَضَى اللَّهُ إنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ الْيُسْرُ

وذكر ابن رجب أنَّ «منْ لطائفِ أسرارِ اقترانِ الفرجِ بالكرْبِ واليُسْرِ بالعُسْرِ: أنَّ الكرْبَ إذا اشتدَّ وعظُمَ وتَنَاهَى وحصَلَ للعبدِ اليأْسُ من كشْفِه من جهةِ المخلوقين، تعلَّقَ قلبُه باللهِ وحدَه، وهذا هو حقيقةُ التوكُّلِ على اللهِ، وهو من أعظمِ الأسبابِ التي تُطْلَبُ بها الحوائجُ، فإنَّ اللهَ يكفِي مَنْ تَوكَّلَ عليه، كما قال تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق 3)»

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بهَا الفَتَى ذَرْعًا وعِنْدَ اللهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ

ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا

فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ

فيا معشرَ الثُّوَّارِ الأحرارِ، لا تُضْعِفَنَّكُم الأحداثُ والشدائدُ والمضايقاتُ، فما هي إلا بُرْهَةٌ قليلةٌ ثم يأتي فرَجُ اللهِ ونصرُه ومثوبتُه لمنْ قام بأمرِه، ومن غرائبِ الأخبارِ التي طالعتُها في كتابِ (أدب الدنيا والدين)، وغيره: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا اسْتَكَدَّ شَيَاطِينَهُ فِي الْبِنَاءِ شَكَوْا ذَلِكَ إلَى إبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَذْهَبُونَ فَرْغًا وَتَرْجِعُونَ مَشَاغِيلَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَفِي ذَلِكَ رَاحَةٌ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، فَشَغَّلَهُمْ ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى إبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَسْتَرِيحُونَ بِاللَّيْلِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَفِي هَذَا رَاحَةٌ لَكُمْ نِصْفَ دَهْرِكُمْ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ، فَشَغْلَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى إبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: الْآنَ جَاءَكُمْ الْفَرَجُ، فَمَا لَبِثَ أَنْ أُصِيبَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَيِّتًا عَلَى عَصَاهُ!.

فإذا كَانَ هَذَا فِي نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ يَعْمَلُ بِأَمْرِهِ وَيَقِفُ عَلَى حَدِّهِ، فَكَيْفَ بِمَا يجْرِي علَى أَيْدِي الظَّالمينَ منْ شَدَائِدَ تُصيبُ أهلَ الحقِّ والصَّلاح؟.

وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ فكَمْ للهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيٍّ

يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ

وكَمْ مِنْ شِدَّةٍ ذَهَبَتْ وَفَقْرِ

وكَمْ يُسْرٍ أتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرِ

فَفَرَّجَ كُرْبَةَ القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم هَمٍّ تعاظَمَ ثمَّ راحَا

وكَمْ أمْرٍ تُسَاءُ به صَبَاحا

وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّةُ بالعَشِيِّ

إِلَى كَمْ يا جَهُولُ تَزِيدُ لُؤْمًا

إذَا ضَاقَتْ بكَ الأَحْوَالُ يَوْمًا

فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ

وإذا استبْطَأَ المؤمنُ الفرجَ مع كثرةِ دعائِه وتضرُّعِه فلْيَرجِعْ إلى نفسِه باللائمةِ، وإلى ربِّه بالاستغفارِ، فهذا يُوجِبُ انكسارَ العبدِ لمولاه، فلذلكَ تُسْرِعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاءِ وتفريجُ الكرْب، فإنَّه تعالى عندَ المنكسِرَةِ قلوبُهم من أجله، وبهذه الثقةِ الكاملةِ في مالكِ الملكِ ومدبِّرِ الأمرِ ينطلقُ المؤمنُ في الحياةِ، مستهينًا بالشَّدائدِ، ساعيًا في التصدِّي لها والصبرِ عليها، سالكًا كلَّ السُّبُلِ في إزالتِها، واثقًا في فرجِ اللهِ القريب.

سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ

يُسْرًا بِهِ يَذْهَبُ العَنَاءُ

يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْهُ جَمِيعًا

وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ

أمَّا القاعدُون يأْسًا أو جُبْنًا أو نِفاقًا فنقولُ لهم ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة 52).

انتظارُ الفَرجِ باليقينِ في نَصْرِ اللهِ للحَقِّ وأهْلِه

مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ تعالى بِأَنْ يحْصُلَ التَّدَافُعُ بينَ الخيْرِ والشرِّ، وعاقبةُ هذا التدافُعِ معلومةٌ يقينًا، وهي النصرُ لأهلِ الحقِّ الصابرين على الجهادِ والتضحيةِ في سبيلِه ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم 47)، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾ (غافر 51)، ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات 173)، ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء 105)، إلى غير ذلك من الآياتِ القاطعةِ بأنَّ نصرَ اللهِ حاصلٌ لا محالةَ للمؤمنين، وبخاصة إذا تعرَّضُوا للظُّلْمِ وبُغِيَ عليهم.

وربما تشتَدُّ المحنةُ التي يتعرَّضُ لها أهلُ الحق، ويطولُ زمانُ الابتلاءِ والاختبارِ ويمتدُّ، وتتأثَّرُ النفوسُ نتيجةَ أحداثٍ جِسامِ مُفاجئةٍ، كما حدَثَ للمؤمنينَ يومَ الأحزابِ ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ (الأحزاب10-11)، لكن المؤمنينَ يُوقِنون بنصرِ اللهِ، ويتَّخِذُون من الزِّلْزالِ بشيرًا باقترابِ النَّصْرِ، ويردِّدُون على قلوبِهم الوعدَ الإلهيَّ ﴿أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، ويُدْرِكون يقينًا أنَّ اشتدادَ المحنةِ بَشِيرُ زَوَالِها، وأنَّ بينَهم وبينَ النصرِ مسافةً قريبةً جدًّا، عليهم أنْ يقطعُوها بالصَّبْرِ والثباتِ واليقينِ بنصرِ الله ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف 110)، فلا تهتزَّ إنْ تأخَّرَ النصرُ قليلًا، حتى لو كان العددُ قليلًا والعُدَّةُ ضعيفةً، طالما انبعثتْ العزائمُ العظيمةُ تنصُرُ الحقَّ وتواجِهُ الباطل، فــ ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة 249).

يجبُ أنْ نكونَ على يقينٍ من أنَّ نصرَ هذه الأمةِ وعدٌ إلهيٌّ لا ريبَ في وقوعِه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور 55)، ونحن نوقِنُ بهذا الوعدِ يقينَنا بالشمسِ في رابعةِ النَّهار.

وعلينا معاشرَ الثُّوارِ أنْ نُحسِنَ الظنَّ بربِّنا، وأنْ نجمعَ صفوفَنا، وأنْ نوقِنَ أنَّ الشدائدَ التي تمرُّ بها الأمةُ على أيدِي الانقلابيين ومَنْ وراءَهم من المجرمين في الداخلِ والخارجِ هي أماراتُ ميلادٍ جديدٍ عظيمٍ بإذن الله، متى اجتهدْنا في حُسْنِ إدارةِ الأمور، واتخاذِ كلِّ الأسبابِ الماديةِ للنَّصرِ؛ مع يقينِنا الذي لا يَهْتَزُّ أنَّ الأمرَ بيد اللهِ وحدَه، وأنه لا مجالَ لليأْسِ في طريقِ الخلاصِ والتحريرِ، ولا يمكنُ الاستسلامُ لمخطَّطاتِ الثورةِ المضادَّة على الإطلاق:

لا تَقُولُوا: زرَعَ الزارِعُ والباغِي حَصَدْ
لا تَقُولُوا: حارِسُ الثَّغْرِ رَقَدْ
أنَا لا أُنكِرُ أنَّ البَغْيَ في الدُّنْيَا ظَهَرْ
والضَّميرَ الحيَّ في دوَّامَةِ العَصْرِ انْصَهَرْ
أنَا لا أُنْكِرُ أنَّ الوهْمَ في عالمِنَا المسْكُونِ بالوَهْمِ انتَشَرْ
غيْرَ أنَّي لم أزَلْ أحلِفُ باللهِ الأحَدْ
أنَّ نَصْرَ اللَّهِ آتٍ، وعدوَّ اللهِ لَنْ يلْقَى منَ اللهِ سَنَدْ

واعلموا أيها الثوارُ الأحرارُ أنَّ المستقبلَ بإذنِ الله لهذا الدِّين، فمهْمَا احْلَوْلَكَت الظُّلْمةُ، وحاول البعضُ تغييبَ الحقيقةِ؛ إلا أنها ستشرقُ شمسُ الحقِّ على الدُّنْيا في يومٍ قريبٍ، وسيصْفُو الجوُّ الَّذي طالما تكدَّر، وسيتبدَّدُ الظلامُ الذي طغَى وانتشر، وستخْتفِي زعاماتُ الانقلابِ والفسادِ مغلوبةً مدْحُورةً، وسيظهرُ الحقُّ ويُزْهَقُ الباطِلُ، طالما استمرَّ هذا الحراكُ الثوريُّ السلميُّ المتصاعِدُ بعزيمةِ الشبابِ الحرِّ:

فلا تَحسَبُـوا أنَّ الهُمُـومَ مُقِيمَـةٌ

رُوَيدًا فإنّ اللهَ بالخـلْقِ أَبْصَرُ

ستُؤْخَذُ ثـاراتٌ وتُقضَى حَوَائـجٌ وتَبْدُو إشَاراتٌ وتُقْصَمُ أَظْهُرُ

وها هي بشائرُ النصرِ تظهرُ مع الصمودِ البطوليِّ للثوارِ على مدارِ أكثرَ من ثمانيةِ شهور، فقد استطاعت الثورةُ محاصرةَ الانقلابِ داخليًّا بمقاطعةِ استفتائِه الباطلِ، ومحاصرتَه دبلوماسيًا ودوليًا فلم تعترف به معظمُ دولِ العالم، وحتى الذين يتعاملون معه سرًّا يستحْيُون أنْ يُعلِنُوا حقيقةَ عَلاقتِهم به، كما نجحت الثورةُ في مطاردةِ رموزِ الانقلابِ أمامَ القضاءِ الدولي، ومحاصرتَهم في كل المحافلِ الدولية، كما صار رمزُ رابعةَ رمزَ الحريةِ في العالم كلِّه، ويخسرُ هذا الانقلابُ كلَّ يومٍ فئاتٍ من المغَيَّبين المخدوعِين به الذين يُفِيقون على وقْع الكوارثِ التي يُسبِّبُها لهذا الوطن، ويوشِك على الانهيار التام، وها هي جموعُ الأحرار تتوحَّدُ على أهدافِ الثورةِ (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية)، ومع الوحدةِ يتنزَّلُ النصرُ إن شاء الله تعالى.

ولئن تأخَّر النصرُ عن أسبابِه أو تأخَّر عنَّا فعلينا أنْ نرجعَ إلى أنفسِنا باللَّوْمِ وإلى ربِّنَا بالتوبةِ، ونُوقِنَ بأنَّ المعركةَ لم تَنْتَهِ بعدُ، بل لا تزالُ فيها جَوْلاتٌ ستنتهِي حتمًا بالنصرِ الكبيرِ الذي سيغيِّرُ وجهَ الدنيا بإذنِ الله، مع التوبةِ والصدقِ ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم 4-6).

اللَّهُمَّ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، اجْعَلْنَا مِمَّن استَغَاثَ بِكَ فَأَغَثْتَهُ، ودَعَاكَ فَأَجَبْتَهُ، وتَضَرَّعَ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَهُ، وتَوَكَّلَ عَلَيْكَ فَكَفَيْتَهُ، واسْتَعْصَمَ بِكَ فَعَصَمْتَهُ، وَوَثقَ بِكَ فَحَمَيْتَهُ، واسْتَهْدَاكَ فَهَدَيْتَهُ، وانْقَطَعَ إِلَيْكَ فَآوَيْتَهُ، واسْتَنْصَرَ بِكَ فَنَصَرْتَهُ، وَأَنْتَ خَيْرُ النَّاصِرِين.

المصدر