عام دراسي جديد؛ أين الخلل؟!

كل عام وأنتم بخير.. بدأ عام دراسي جديد.
ومع تزايُد الأعباء، وتصاعُد الغَلاء، لم يعد الناس يفكرون في التعليم والتحصيل الدراسي وتدهور مستوى التلاميذ، بل انحصر فكر الجميع في قضية واحدة، هي: كيف نوفر مستلزمات العام الدراسي الجديد، من ملابس وأدوات دراسية...، بعد ما تبقَّى من دفع المصروفات المدرسية؟!
وبعد فوات أسبوع تبدأ الهموم الحقيقية في الدروس الخصوصية، ورغم كل ذلك تطالعنا سنويًّا وشهريًّا وأسبوعيًّا التصريحات الوردية للسيد وزير التعليم بأن مصر رائدةٌ وسبَّاقة، وأنه لا مشاكل ألبتة، وأن كل هذه الشكاوى مغرضة يقف وراءها المتطرفون والكارهون لسيادته شخصيًّا والحاقدون على سياسته التعليمية؛ وهي التي أدت بنا إلى ضياع ما بعده ضياع.
لقد صرف السيد الوزير جهدَه ووقته في محاربة المدرسين؛ سواء أصحاب الفكر الإسلامي منهم على مختلف مشاربهم، وفي مقدمتهم المستنيرين الذين يقومون بالدور الحقيقي للمدرسة في التربية والتعليم، ويتمتعون بالإخلاص في أداء رسالتهم؛ فقام بتشريدهم ونفيهم، إما في مجاهل المدن والمحافظات بعيدًا عن أُسرهم وبيوتهم- وهو ما اضطَّر الكثيرين منهم إلى الاستقالة- أو إلى الأعمال الإدارية؛ كي لا يحتكوا بالطلاب، وحرم المدارس من جهودهم التعليمية.
كما قام الوزير بشنّ حرب لا هوادة فيها على الدروس الخصوصية طوال السنوات السابقة؛ فماذا كانت النتيجة؟!
أصبحت الدروس الخصوصية هي أساس النظام التعليمي، خاصةً في المدن، وباتت تبدأ من الروضة وحتى نهاية التعليم الجامعي، ووصلت إلى كل المواد الدراسية وكافة المناهج التعليمية وعموم الكليات الجامعية.
وكانت النتيجة هي تدهور في مستوى الطلاب التعليمي، وفقدان العملية التعليمية لأساسها التربوي في العلاقة بين الطالب وبين أستاذه، وافتقدنا الروح التي كانت ترفرف على المدارس والجامعات.
وإذا انتقلنا إلى الجامعات فإن سيطرة النظرة الأمنية على كل شيء أدى إلى تحول الدراسة إلى كابوس للطلاب والأساتذة؛ فما معنى أن يذهب طلابٌ جامعيون إلى كلياتهم ليجد بعضهم نفسه مفصولاً من اليوم الأول الدراسي؛ بحجة تشكيل أسرة جامعية وممارسة نشاط لا يرضى عنه الأمن؟!
وما معنى تحويل موظفي رعاية الشباب في كثير من الكليات الجامعية إلى مفتشين ومخبرين يطاردون الطلاب والطالبات ليمنعوهم من مجرد وضع لافتات ترحيب أو لصق جداول الدراسة بخط كبير أو استقبال الطلاب الجدد؟!
معنى ذلك أننا حوَّلنا الجامعات من أماكن للدراسة ولممارسة النشاط العام إلى ثكنات أمنية تقتل في الشباب الانتماء لوطن حر، وتزرع في قلوب الطلاب الخوف والرعب، وتحول المجتمع الجامعي إلى ساحة حرب؛ فلمصلحة مَن هذا؟!
وهل يستطيع الطلاب-وهم جنود المستقبل- أن يدافعوا عن وطن لم يشعُروا فيه بحقيقة الانتماء؟! وإذا عرَّجنا على الأساتذة والبحث العلمي، فحدِّث ولا حرج...!
أين البحث العلمي في جامعاتنا؟ وأين دور الأستاذ الجامعي في الريادة والإشراف؟ وإذا كان العُمداء والوُكلاء المعنيُّون والخاضعون لسلطة الأمن أو الحزب الحاكم (لا فرق)... يقومون بالتفتيش في ضمائر الأساتذة، ويحرمونهم من حق تشكيل الأسر الجامعية إلا للمَرضي عنهم؛ فكيف يمارس الأساتذة الأحرار دورهم؟!
إن وطننا يعاني خللاً رهيبًا في النظام والمنظومة التعليمية، وأصبحنا على مشارف الهاوية، ولن تُجدي مؤتمرات سنوية تبحث عن الحلول الوهمية مثل الذين يحرُثون في البحر.
الحل الوحيد هو الحرية- كل الحرية- للطلاب في ممارسة النشاط، وإيقاد الحماسة في الأمة من جديد، وللمدرسين؛ لممارسة دورهم التربوي بعيدًا عن هيمنة الأمن الذي يسيِّر السيد الوزير، وللأساتذة والجامعات؛ لممارسة البحث العلمي الحرّ بكل أبعاده.. وكل عام وأنتم بخير.
المصدر
- مقال:عام دراسي جديد؛ أين الخلل؟!إخوان أون لاين