عامر شماخ يكتب: السمع والطاعة عند الإخوان المسلمين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عامر شماخ يكتب: السمع والطاعة عند الإخوان المسلمين
عامر شماخ

14-03-2012

من وسائل الخصوم لتشويه جماعة الإخوان المسلمين اتهام أعضائها بالطاعة العمياء، والانقياد بغير وعي لقادتهم، وتنفيذ ما يطلبه منهم رؤساؤهم دون إبداء رأي أو اعتراض..

وهذا كلام غريب عن واقع الإخوان، لا يعبر تعبيرًا صادقًا أو موضوعيًّا عن حقيقتهم، فالفرد في الإخوان واحد صحيح، زعيمٌ بطبعه، ولما تربَّى عليه في الجماعة من قوة الشخصية، فلا يقبل أحدهم أن يُقاد على غير هدى، أو يُوجه برغبة أو رهبة، وكيف يكون ذلك وهم أئمة في أقوامهم، رواد في أهليهم وبين زملائهم؟!.

وإذا كانت ثمة طاعة لقادتهم؛ فلأنهم اختاروهم بأنفسهم، واقتنعوا بأن يكون هؤلاء القادة صدارة الصف، وفي موقع الأمر والنهي، وهم- عادة- يبادلون هؤلاء القادة الحب العميق المبني على الثقة الصادقة، وفي ذلك يقول الإمام الشهيد في رسالة التعاليم: "والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب".

هي إذًا طاعة مبصرة، لا طاعة عمياء، طاعة اقتناع، لا طاعة إجبار وإذعان، والقيادة الإخوانية حيثما كانت توجه وتخطط- كما يقول الإمام البنا، بما لها من: "حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة".

والإخوان- بفضل الله- يملكون وسائل وآليات تنظيمية، تمنع (الديكتاتورية)، وفي الوقت ذاته تمنع السلبية والإمعية، أو أن يكون الأخ صفرًا على يسار الرقم لا قيمة له، فهناك مراكز شورية على أعلى مستوى؛ لاتخاذ القرار ودراسة الآراء والمقترحات، وحالما توصلت هذه المراكز إلى قرار؛ يلتزم الجميع بعدها باحترامه وتنفيذه.

وما من عمل يعمله الإخوان، في أصغر وحدة تنظيمية داخل الجماعة حتى مكتب الإرشاد، إلا وتسبقه شورى وتبادل للرأي، ثم استقرار على قرار يُجمع عليه الحضور، أما غير ذلك فلا يعرفونه ولا يستسيغونه؛ لأن ما يفعلونه هو عين ما أمر به الإسلام، وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء الخلفاء الراشدون المهديون ففعلوه.

فالطاعة في الإسلام- الذي يفهمه الإخوان فهمًا صحيحًا- تكون في المعروف، وليست في المعصية؛ وإن كان الآمر أو الناهي هو الوالد أو الوالدة؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: من الآية 15)، كذلك إن خرج الأمير أو الرئيس أو المسئول- سمِّه ما شئت- عن حدود ما له من طاعة، فلا سمع ولا طاعة.. يقول أبو بكر- رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

وطاعة القائمين على الدعوة مطلب متأكد؛ إذ إن طاعة أمير الدعوة من طاعة الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع أميري فقد أطاعني، ومن يعص أميري فقد عصاني".

وليعلم الناس جميعًا أن ولاء أعضاء الإخوان للمنهج وليس للأشخاص، وأنه ليس في الإخوان أحدٌ فوق النقد، حتى مرشد الجماعة نفسه، وقد رفع الإمام البنا- منذ عقود- شعارًا: "كلٌ يؤخذ من كلامه ويُردّ إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم"، فأما الفاروق عمر راجعته امرأة وهو فوق المنبر، فأنصفها وأقر بخطئه.

الإخوان- إذًا- لا يعرفون الطاعة الجاهلية، أو ما يسمى بالطاعة العمياء التي نهى عنها الإسلام، إنما يعرفون الطاعة الواعية المدركة، التي تحكمها الضوابط الشرعية لا الأهواء، والأصول لا الرجال، والحق لا الأشخاص، مصداقًا لقول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)) (يوسف).

ولقد عايشتُ الإخوان لأكثر من ربع قرن، وتقلبت بين الجندية والقيادة، وخرجت بقناعة: أن الرئيس في الإخوان ليس كما الرؤساء في غيرهم، فهو مثل بقية إخوانه، لا استثناء له ولا حصانة، ولا ينفرد بقرار، ولا فرق بينه وبين أصغر أخ في الوحدة التي يديرها.. كما أن المسئولية في الجماعة ليست على التأبيد، فالأخ يكون قائدًا اليوم جنديًا غدًا، جنديًا اليوم قائدًا غدًا.. والجميع راضون مقتنعون، محبون لبعضهم، غير متمردين أو مترددين أو طامعين مثلما نراه عند الجماعات والهيئات الأخرى.

والانتخابات في الإخوان- لمن لا يعلم- الكل فيها مرشح، والعضو يختار- بقناعة تامة ودون أدنى تأثير من أحد- الأنسب للمنصب والأنشط للحركة، ومن يرى فيه إخلاصًا للدعوة وحماسًا للفكرة.. ومن الطبيعي بعد هذه الإجراءات الشفافة، ألا يتردد أخ في طاعة رئيسه المختار فيما يأمره وينهاه؛ طالما كان ذلك في نطاق ما يصلح أمر دعوته، ويجلب لها الخير، ويدفع عنها المخاطر والشرور.

إن الإخوان- حسب ما فهموه من دينهم- يعشقون النظام، ولا يعرفون الارتجالية والهرج، ويكرهون التفلت من الالتزام؛ ما يجعل البعض يراهم مندفعين صوب ما يرى قادتهم.. وهذا- في الحقيقة- ليس لأن في أيدي قادتهم عصا يسوقونهم بها سوق العبيد الأجراء.. إنما هي القناعة بالمبادئ، والإخلاص للفكرة، والحب لإخوانهم الذي ملأ عليهم كل جوانحهم.

المصدر