عائشة جمعة: صلاح الأسرة صلاح للمجتمع بأسره

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عائشة جمعة: صلاح الأسرة صلاح للمجتمع بأسره
24-08-2005

حوار- حبيب أبو محفوظ

مقدمة

الاسرة المسلمة هى أساس المجتمع الصالح

- الهجمة الإعلامية الغربية على المرأة المسلمة جعلتها أكثر تأملاً في دينها

- الأسرة أحسن نظام تربوي يضم مسئولَين عن مجموعة أفراد

- هناك مؤتمرات عُقدت للرد على مؤتمر (بكين +10) في معظم البلدان الإسلامية

حددت المشرفة الاجتماعية والخبيرة التربوية السيدة عائشة جمعة أسس وكيفية التعامل مع الأبناء في عصرنا الراهن من قِبل الوالدين، وبيَّنت في الوقت نفسه دورَ الأسرة المسلمة المهمَّ والفاعل في التأثير على الفرد المسلم ليصبح عضوًا فاعلاً ومنتجًا في المجتمع الذي يعيش به.

وأكدت عائشة جمعة- في حوار خاص لـ(إخوان أون لاين)- على دور المرأة المسلمة في ظل الهجمة التي تمارس ضدها، وكشفت مدى التخبط الذي تعيشه المرأة الغربية، وكيف أنهم يسعَون لجرِّ المرأة المسلمة إلى مهاوي الرذيلة، على حد وصفها.

وسألناها بدورنا عن مفهوم (الجندر) والمراد من مؤتمر (بكين+ 10)، وإلى ماذا تهدف بالتحديد، بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات الأخرى والتي يديرها الغرب، وكيفية تعامل العالمَين- العربي والإسلامي- مع هذه المؤتمرات؟! ولنترككم مع بقية المحاورة:

  • لو طلبنا منكِ في البداية أن تعرفي لنا "الأسرة".. فماذا تقولين؟
الأسرة أحسن نظام تربوي يضم مسئولَين عن مجموعة أفراد، تنتقل بواسطة هذين المسئولَين كل القيم والمهارات والاتجاهات من الكبير إلى الصغير بوسائل متعددة تحددها المواقف وتقودها الاتجاهات، وهذا النظام موجود لدى جميع المجتمعات، إلا أنه لدى المسلمين يتمتع بصبغة دينية، فهو مسئولية رعاية ووقاية، وهذه المسئولية لا محاسِب عليها إلا رب العالمين يوم الدين، والحساب يكون في ميزان تبين فيه الذَّرة، ويؤاخذ فيه الراعيان على التقصير أو الإهمال، وبالمقابل فإن الجزاء في حالة الإحسان عظيمٌ عظيم، من بعض صوره: أولاد على الأغلب بررة، تقرُّ العين باستقامتهم، ويكونون زيادةً في الحسنات، وامتدادًا في الأعمال، وثقلاً في الميزان، وفرحةً في الجنان بلقاء دائم ونعيم مقيم.
وصلاح الأسرة يعني صلاح المجتمع بأسره، فالأسر الجيدة تمدُّ المجتمع بأفراد صالحين منتجين متجانسين؛ لأنهم عن الشر عازفون، وللخير فاعلون، وعلى عدوِّهم متحدُّون، ولبناء مجد أمتهم فاعلون.

استقرار نفسي

  • إلى أي مدى يُعتبر دور "الأسرة" دورًا حيويًّا في المحافظة على الفرد من الانحراف؟
الأسرة المستقرةُ المتفهِّمةُ دورَها والقائمةُ بمسئولياتها تحقق لأفرادها استقرارًا نفسيًّا، وإن كان في المجتمع خللٌ كبيرٌ، ورائدُنا في أهمية البيت في الحفاظ على أفراد الأسرة آيةُ ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيْهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ﴾ (الذاريات: 36)، ومعروف أن الفرد في الأسرة تعجبه أسرتُه إلى أن يخرج ويتفاعل مع أفراد المجتمع، ويقيس حالَه في أسرته بحال الآخرين، فيعود إلى أسرته إما راضيًا بما يسود في أسرته، وإما ناقمًا على الخلل الذي اكتشفه فيها.
والذي يؤكد دور الأسرة في الحماية من الانحراف ما تُقدمه الدراسات عن أحداث المنحرفين، فنراهم ممن تفرق والداهم بسبب الطلاق وما يخلفه من أزمات، أو ممن لا أسرةَ لهم ترعاهم حق الرعاية، أو ممن غادروا الأسرة بسبب شجار أو خلاف، وتاهت بهم الدروب وتلقفتهم أيدي العابثين.
الفرد في الأسرة المستقرة غالبًا ما يقترب من نظام أفراد أسرته، وخاصةً والديه، ويقيس نفسه بهما، ويتأكد من قبولهما له، وهو وإن حادَ قليلاً سرعان ما يعود ولو بعد حين، وهذا يتطلَّب من الوالدين مهارةً في القيادة وفي إدارة أمور البيت، وتزويد الأفراد بالمهارات التي تجعل لهم شخصيةً قويةً تقود إلى الخير ولا تنقاد إلى مهاوي الرذيلة والفساد.. هي تسلحهم أولاً وآخرًا بمراقبة الله في الأعمال، والسعي لرضائه، وحب الخير للناس، وتنمية الذات، وزرع الثقة في النفوس.
  • في ظل الهجمات الإعلامية الغربية المتلاحقة والمنظمة على المرأة المسلمة تحديدًا.. برأيكِ أين تقف المرأة اليوم للتصدي لهذه الهجمة؟
أقول عن هذه الهجمة الإعلامية الغربية: (رُبَّ ضارة نافعة)، هذه الهجمة الشرسة على المرأة المسلمة جعلها أكثر تأملاً في دينها، وأكثر معرفةً لحقوقها، وأكثر عنايةًَ بأبنائها، فهي تقارن الثمين الذي قدمه الدين بالغث الذي يتهافت عليه الناس من حقوق لا تُسمن ولا تُغني من جوع.. أين هذه الحقوق الوضعية من حقوق إلهية منحها العليم الخبير تشمل مناحي حياة المرأة، وتراعي فطرتَها وتضع مَن حولها في بؤرة المساءلة عن أدائهم حقوقها!!
إنّ هذه الهجمة أثارت في الرجال المسلمين حميَّة الدفاع عن الدين والمرأة وإعادة حقوقها الإسلامية التي ضيَّعتها أحيانًا بعض الأعراف والتقاليد والغفلة والنسيان.
وهذه الهجمة دفعت الكثيرات إلى التعلم الشرعي إلى جانب التعلم الذي حصلته، فأصبحنا نرى من درست طبًّا ومارست المهنة تهرع بشغف إلى تعلم تلاوة القرآن وفهم أحكامه ودراسة الحديث الشريف وتفهم غاياته، ومثلها من درست الهندسة والعلوم الأخرى.
إن هذه الهجمة جعلت كثيرًا من النساء يقتطعن من أوقاتهن جزءًا لتوعية النساء وإعانتهن على مشاكل عصر كثرت فيه المتغيرات، وعجزت فيه الأمهات عن التعامل مع الأجيال.. إن هذه الهجمة غثاءٌ جرَفَ عددًا كبيرًا من النساء، لكنَّ هذا الغثاء سيذهب جفاءً، والحسرة على من ضيعت عمرَها وأهلَها وغادرت الحياة على هذا الحال مغترةً بشعار خادع، وهنيئًا لمن ميزت بين الحق والباطل والتزمت النهج الصحيح.
كيف نصدق أن المرأة الغربية قد نالت حقوقها والواقع يحكي عكس ذلك؟! والمقام في هذه المحاورة يضيق عن وصف حال المرأة التي تستجدي من الناس حقًّا من هنا أو هناك وتعاني الأمرَّين من حضارةٍ لسان حالها يغني عن بيانها.

المرأة والإعلام

الاعلام الغربى والتأمر على المراة المسلمة
  • جميعنا يعلم الدور الحيوي الذي يلعبه الإعلام في نشر الأفكار والأهداف الخاصة بكل فريق، لكنْ معلومٌ أن المرأة "الملتزمة" دينيًّا تتخوَّف من الظهور على الإعلام.. فما مرد ذلك؟ وكيف السبيل لتغيير هذه الصورة القاتمة لدى المرأة؟!
الإعلام ليس مرئيًّا فقط، والتخوف من ظهور الصورة هو الذي يحصل، نسمع المرأة تشارك اليوم بآرائها عبر وسائل التقنية الحديثة من مشاركة صوتية في برامج التلفاز أو المذياع، ومن مساهمةٍ في المجلات والمنتديات، وبعضهن يظهرن على الشاشة الفضية ولكن بنسبة قليلة، وظهور امرأة محجبة بلا مكياج، تتكلم برزانة، وعزة تستقيها من انتمائها لهذا الدين، وتنطق بأفكار تنم عن سعة علم.. لهي مؤثرةٌ جدًا على الفتيات، فهن يرَين نموذجًا مختلفًا يدعوهن إلى ضرورة الالتزام، وإلى لعب دور أفضل في هذه الحياة.
وأظن لو أن القنوات كانت إسلاميةً والموضوعات جادة، وتستقبل مشاركات النساء المرئية.. لوجدنا إعلامًا نباهي به بما نمتلكه من حقائق نؤمن بها ونحياها ونتنسَّم هواءَها ونتغذى عليها، أوليست أولى بالنشر؟!
  • نسمع كثيرًا عن (الجندر).. فما تعريف (الجندر)، وإلى ماذا يهدف بالتحديد؟
(الجندر) مصطلح كان يُستدل به على جنس الذكر والأنثى، ثم انتقل المصطلح إلى مفهوم يتعلق بالخصائص الوظيفية المتعلقة بالرجال والنساء، والتي تتشكل اجتماعيًّا مقابل الخصائص التي تتأتَّى بيولوجيًّا مثل (الإنجاب) ثم أَخذ المصطلح منحًى جديدًا لينادي بأن دور المرأة والرجل يتشكل اجتماعيًّا، وبالتالي فهو قابل للتغيير، ثم توصلوا إلى أن التنشئة الاجتماعية والبيئة هي التي تحدد الأدوار، والتي يفترض أن يقوم بها الجنسان.
وأخطر ما في هذا المؤتمر- كما تقول الدكتورة كاميليا حلمي (مديرة اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل في لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة)- "أن الدول والحكومات أكدت على الالتزام الكامل والفعَّال بتطبيق إعلان بكين ومنهاج العمل، وما ورد من توقيع اتفاقية (سيداو) للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في محاولةٍ لإعطاء وثيقة بكين مزيدًا من الإلزامية؛ باعتبار أن (سيداو) ملزمةٌ قانونًا لمن وقَّع عليها من الدول، متجاهلةً المرجعيات الدينية والثقافية للشعوب".
ولا أدل على خطر هذه المؤتمرات من مطالبهم التي نلمَح فيها خللاً بيِّنًا أصاب بعض العقول والنفوس المريضة، وإلا فما معنى المناداة بالصحة الإنجابية للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام، وذلك لتعليم الأطفال ما يسمى بالجنس الآمن!!

بكين + 10

شعار المراة فى بكين
  • هل هناك مؤتمرات وندوات عُقدت للرد على مؤتمر (بكين+10) أم أنكم تكتفون بالشجب والاستنكار لما جاء فيه من توصيات؟
نعم هناك مؤتمرات وندوات عُقدت للرد على مؤتمر (بكين +10) في معظم البلدان الإسلامية، وتكلم في ذلك كبار العلماء في محاولةٍ جادةٍ لترسيخ ثقافة العفة، وأن المساواة بين الذكر والأنثى تقوم على العدالة والإنصاف، ولا تفترض المماثلة الكاملة التي تؤدي إلى الصراع.. أذكر على سبيل المثال السعودية و الأردن و مصر ، وحذَّر العلماء المسلمون في كل الأصقاع من مغبَّة هذه المؤتمرات التي تعزِّز وجود الرذيلة وتمهِّد لها، وتقر للمنحرفين أعمالَهم، وتذلل لهم العقبات، وهذا عكس ما أتت به الأديان وحضت عليه الشرائع.
  • ما الذي تحتاجه المرأة لتصبح داعية ناجحة لتخدم محيطها الذي تعيش فيه؟
تحتاج المرأة المسلمة المؤمنة الداعية إلى قناعة كافية بأهمية الدعوة، وحمل هذه المسؤولية، كما يجب أن تستحضر جزاء الدعوة إلى الله حتّى تستطيع القيام بتكاليف الدعوة والصبر على عقبات تعترض سبيل طريقها في الدعوة، وعليها أن تصحح مسارها في كل وقت وحين، وأن تقوِّم عملها وتدرس نتائجه، وعليها أن تصحِّح نيتَها، وتكون مجردةً من أي غرض إلا إرضاء الله والطمع في ثوابه، وعليها أن تُعدَّ نفسَها الإعدادَ الكافي والملائم لمن تدعوهن، وعلى رأسها الثقافة الدينية من نبعها الصافي (القرآن والسنة) والدراية بعلم الاتصال وفهم طبيعة الجمهور، ومعرفة شمولية بخصائص المرحلة التي تعيشها المدعوات، وقدرة مادية تمكِّنها من سرعة التحرك، وحيازة وسائل الثقافة العصرية، وأحدث الطرق التعليمية النشطة التي تعتمد على الحوار، والبحث الذاتي عن المعلومة، والقدرة على التساؤل، والعمل ضمن مجموعات.

صعوبات!!

  • ما أبرز المشكلات التي تواجه المرأة الداعية في عصرنا هذا؟
ليست المشكلات للداعيات واحدةً عند الجميع، وهي تتفاوت من بيئة لأخرى ومن بيت لآخر، ويمكن حصر هذه المشكلات بنواحٍ عدة:
منها الناحية الاجتماعية، فالمرأة لا تستطيع أن تَخرج للدعوة التي تأخذ منها وقتًا- إضافةً إلى مسئولياتها- إلا إذا كان المسئول عنها- زوجًا كان أو أخًا أو أبًا- متفهِّمًا لطبيعة خروجها وأهميته، ومنها العوائق السياسية، كما هو الحال في فلسطين والعراق.. من أخطار تعترض المتنقلين من مكان لآخر، وفي بعض البلدان العلمانية تكون الدعوة محاربةً والمظهر الإسلامي غيرَ مسموح به، ومنها الفساد الذي يستشري في المجتمع؛ مما يجعل أثر العمل الدعوي كرقْمٍ على الماء في بعض الحالات.
  • ما هي الحلول الكفيلة بحل هذه المعوقات؟!
من الحلول توعية الرجال لدور المرأة الدعوي، وتبيان أهمية مساندتها والأخذ بيدها وتوعيتها بما عندهم من سعة في الثقافة ودراية بأحوال الناس، وفي البلدان التي فيها ظروف سياسية صعبة تشتغل الداعية بدعوة أقربائها وجاراتها، وعن العوائق المادية، فالأَولى بالمجتمع الإسلامي تأمين مراكز ثقافية ومؤسسات دعويَّة توفر للداعيات سبل الثقافة ووسائلها، وتؤمِّن المواصلات، وتقوم بعمل حملات إعلامية للمحاضرات، وتؤمِّن المكان المريح الملائم، وترعى المواهب التي تمتلكها النساء، وتساعدها على التطوير.

تنمية المجتمع

  • كيف تسهم المرأة في تنمية المجتمع وهي داخل بيتها؟
يكون ذلك باستغلال وقتها الاستغلال الأمثل؛ بحيث لا يطغى جانب على آخر، عليها مسئوليات زوجة وأم وداعية، وهي إن اكتشفت ذاتها عملت على تنمية قدراتها ومواهبها، فإن تم ذلك صاغت من تلك الموهبة أعمالاً مفيدةً نفتقدها، وعلى سبيل المثال (كتابة قصص للأطفال أو مقالات في الجرائد، أو حديث في إذاعة أو تلخيص لكتب ووضعها بين يدي المسلمات اللواتي ليس لديهن وقتٌ للقراءة أو مشاركةٌ في منتديات إسلامية أو تلحينٌ لقصيدة شعرية، أو خِياطةٌ لملابس، أو قدرةٌ على تزيين مسلمة لئلا تذهب إلى مكان غير مأمون، أو فتح مركز للياقة البدنية لائق وآمن، أو رعاية أطفال لأخواتها الموظفات، وتعليمهن أحسن الكلام والتصرفات.
  • كلمة أخيرة توجهينها "للمرأة"؟
أتمنى لكل امرأة أن تحفظ كرامتها وتصونها؛ فقد خلقها الله مكرَّمةً، وأن تشفق لحال المرأة الغافلة الجاهلة في عصرنا والتي يتأرجح وضعُها بين كشف البطن وهزّ الخصر وسجاح العصر، وأن تعمل ليوم ستُحاسَب فيه على وقتها وعمرها وشبابها وذريتها، وأن تمحص كل خبر، وأن تسمعه على حذر، وأن تعرف أبعادَه ونتائجَه، فلا أسلم من حفظ الدين والنفس والمال والولد وتحصيل رضى الوالدين ثم الزوج.. وبذلك تعيش آمنةً، ويهيِّئُ لها الله من أمرها يسرًا، ويرزقها من حيث لا تحتسب.

  • كاتبة أردنية، لها مؤلفات في اللغة العربية، وتكتب في العديد من الصحف والمجلات

المصدر